هل يدعم الجمهوريون حقا سياسات مصر بعد ثورة 30 يونيو؟ سؤال يتبادر إلى الأذهان بمجرد استعادة تصريحات السيناتور الجمهورى تيد كروز، والتى أشاد فيها بالحرب التى تشنها مصر على الإرهاب وعلى استبداد "الإسلام السياسي"، متمنيا لو كان الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى شجاعة الرئيس عبد الفتاح السيسى فى تصديه للتكفيريين. للوهلة الأولي، تبدو هذه الكلمات كما لو كانت إشادة وتقديرا تأخرا كثيرا بالدور الحيوى الذى تلعبه مصر فى التصدى لموجة الإرهاب التى يقودها تنظيم "داعش" الإرهابى فى الشرق الأوسط. ولكن بمراجعة كافة المعطيات المحيطة بهذه الإشادة، بداية من كونها جزءا من مناظرة انتخابية جمهورية، أو حقيقة أنها تمهيد لحملة عنيفة ضد استراتيجية أوباما فى الشرق الأوسط أو ضد إرهاب "داعش"، نجد أن ليس كل يمكن أن تسمعه يتسم بصدق النية، بل ويدل فى هذه الحالة أن ورقة مصر ستكون لها شأن كبير فى الصراع الانتخابى الدائر بين الجمهوريين والديمقراطيين قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة. فى البداية، لا يمكن تجاهل القاسم الفكرى المشترك الذى يجمع بين المعسكر الجمهورى فى نظرته لقضية الحرب ضد الإرهاب فى الشرق الأوسط، وحقيقة ما يجرى فى مصر من أحداث فى هذا الصدد، بما فى ذلك من رفض جمهورى قاطع لفكرة تمكين تيار الإسلام السياسى التى سعى لها الديمقراطيون فى عهد أوباما منذ خطابه فى جامعة القاهرة، وما أعقبه من موجة ربيعية لا تبقى ولا تذر على دول المنطقة. بالتأكيد، لاحظنا إعجابا شديدا من جانب الدول كافة لدعوة القيادة المصرية لإحداث "ثورة" فى الخطاب الديني، وبخاصة من جانب الحزب الجمهوري، وهو ما اتضح جليا من خلال إعراب النائب الجمهورى لوى جورمت عن أمله فى أن يأتى اليوم الذى يتمتع فيه القادة الأمريكيون بشجاعة الرئيس السيسى فى محاربة الإرهاب، وقدرته فى التعبير عن رغبة المصريين، وهو نفس التأييد الذى عبر عنه جيب بوش المرشح الجمهورى المحتمل الأوفر حظا، الذى اعتبر التصدى للتطرف الإسلامى مهمة العالم العربى بشكل أساسي، محملا أوباما وإدارته مسئولية تفشى الإرهاب والتطرف فى الشرق الأوسط بسبب سياساته الفاشلة فى التصدى ل"داعش"، كما لا يمكن أن نتجاوز إشادة السيناتور مايك هاكابى المرشح الجمهورى المحتمل والذى أكد فى حديث ل"فوكس نيوز" إنه يشكر الله على وجود السيسى فى مصر. وتأتى هذه المواقف لتعبر عن توجه واضح من جانب الجمهوريين يعبر عن اقتناع بصحة الموقف المصرى فى مرحلة ما بعد ثورة 30 يونيو، بعد فترة من التعنت من جانب الإدارة الديمقراطية الأمريكية، بل ومن جانب كبار الجمهوريين أنفسهم، ومن بينهم السيناتور البارز جون ماكين مرشح الرئاسة السابق الذى انتقد ما حدث فى مصر فى 30 يونيو، الديمقراطية واحتج بعنف على موقف إدارة أوباما - "المتراخي" - على حد التعبير الجمهورى آنذاك. وهذا التحول الملحوظ فى الموقف الجمهورى من معارضة واضحة إلى تأييد واسع النطاق، لا يمكن فصله عن متطلبات انطلاق المعارك الانتخابية الطاحنة، سواء داخل أروقة الجمهوريين أو على المستوى الوطني. ففى خضم الأجواء الانتخابية التى تخيم على الولاياتالمتحدة، يبقى السلاح الأقوى الذى يلجأ إليه الجمهوريون هو التنديد بفشل الإدارة الأمريكية بقيادة أوباما فى كل قراراته، سواء التصدى لإرهاب داعش، أو التخلى عن العراق ليصبح لقمة سائغة للإرهابيين، وإخفاقه فى إنقاذ سوريا، فضلا عن موقفه من مصر، إضافة إلى الاتفاق النووى الإيرانى الذى ما زال يحظى بمعارضة عنيفة داخل الكونجرس. ولا أدل على هذا الفشل من اعتراف الرئيس مايكل فلين الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الأمريكية بأن إدارة أوباما غضت الطرف عن تقارير أمنية صريحة تكشف عن صعود تنظيم داعش فى 2012، وتحذيره من الخطر الذى سيشكله على المنطقة بأكملها، كما اتهم فلين - الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الأمريكية - إدارة أوباما الديمقراطية بأنها حرصت على تمويل السلفيين وجماعة الإخوان الإرهابية، بل وتنظيم القاعدة نفسه، وقدمت لهم كل دعم ممكن لنجاحهم وتنفيذ أهداف واشنطن السياسية فى الشرق الأوسط، والتى لم تكتمل. أما موقع "فرونت بيدج" الأمريكي، فقد اتهم واشنطن بتجاهل رغبة الشعب المصرى فى 2013 الرافض لحكم الإخوان، وتجاهله للحشود التى خرجت إلى الشارع بالملايين احتجاجا على استمرارهم فى السلطة وهم يرفعون لافتات تناشد أوباما وقف دعمه للإرهاب، وهو ما تناقض مع موقف أوباما من الشعب نفسه فى 25 يناير 2011. فهذا التفاوت الواضح بين الموقفين الجمهورى والديمقراطى إزاء فكرة تمكين الإسلام السياسى انعكس بوضوح على موقف المعسكرين من مصر، وتطورات مصر التى أثبتت فشل الفكرة، جعلت من الورقة المصرية ورقة ناجحة للجمهوريين فى سباق الانتخابات الأمريكية، سنسمع عن استخدامها كثيرا على الأرجح خلال الفترة المقبلة، بل وربما نجدها منعكسة أيضا فى صورة قرارات لتصحيح الأوضاع من جانب الإدارة الأمريكية نفسها.، وفى طريقة تعامل هذه الإدارة مع مصر فى الفترة الأخيرة، وبخاصة بعد افتتاح قناة السويس الجديدة. فهل سينجح الدعم الجمهورى فى تخفيف حدة التحفز الغربى ضد القيادة المصرية أو الحد من انصياعه لقوى إرهابية نجحت بكل دهاء فى اختراق المجتمعات الغربية؟ وإلى أى مدى ستكون "الورقة المصرية" ورقة رابحة فى سباق الوصول إلى البيت الأبيض؟