هذا الأسبوع كان استثنائياً فى حياتى، فلم أتمكن فيه أن أقرأ كتاباً أو أسمع درساً أو أكتب حرفاً، وكل ما كنت أفعله –بالكاد- هو أن أنهى عملى بالأهرام، لأعود للبيت وأستلقى على الأرض فى محاولة للحصول على بعض الأكسجين الذى التهمته حرارة الجو، وكل هذا وأنا أتساءل: أين المفر من هذا الحر الرهيب؟ ورغماً عنى، كان ذهنى يتجه إلى الآخرة حيث لا مهرب ولا مفر من حر الموقف العظيم يوم القيامة، فهناك تدنو الشمس من الرؤوس، ويصل الكرب إلى درجة أن يطلب البشر الخلاص من هذا اليوم ليذهب كل واحد منهم إلى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، فقد روى عن المقداد رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما. وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه". إنه الحر الحقيقى الذى يجب أن نفكر فيه ونسعى للنجاة منه، حر مصحوب بالرعب من المصير وعذاب انتظار الحساب، ولا يكفى الكلام لوصف حر ذلك اليوم ولا وصف حر جهنم، ويكفى أن نشير إلى أن أشد حر نجده في الصيف هو مجرد نفس من أنفاسها، وأشد ما نجد من برد الشتاء هو أيضاً نفس من أنفاسها كما ثبت في الصحيحين من حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاً. فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير". قال الحافظ بن حجر: "النفس المذكور ينشأ عنه أشد الحر في الصيف"، فلا مفر لمن أوقعته أعماله فى ذلك الحر، ولا مخرج منه بعد رحمة الله سبحانه وتعالى إلا العمل الصالح فى الدنيا، ففى ذلك اليوم نجد أقواماً ينجون من الحر بفضل أعمالهم فى الدنيا، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال إنى أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه". وهكذا فإن حر أغسطس الرهيب الذى يكاد أن يخنق أنفاسنا هو بالنسبة لحر يوم القيامة صيف ممتع لذيذ، فأسأل الله تعالى أن ينجينا من حر ذلك اليوم وألا يجعلنا نتمنى يومئذ أن نعود إلى حر الدنيا.