انتهي عهد الرجل الأوحد, والزعيم الملهم, والقائد السوبر, هذا علي مستوي الأفراد وكذلك علي مستوي الجماعات فلم يعد هناك احتكار لسياسات أو اتجاهات, ولكن هناك توافقا وتلاحما وتداخلا في المواقف والآراء بما يخدم الجميع وبما يحقق المصلحة العليا. التي تصب في كل نواحي حياة الناس, أصبح منهج الحياة العصرية هو التضامن وتبادل المنفعة والمصالح المشتركة. وأصبح أسلوب التعاون هو الشوري وحرية الرأي والعدالة والمواطنة دون تفريق من حيث الجنس أو العرق أو الدين أو حتي المستوي الاجتماعي. ومع الأسف مازال هناك من يصارع من أجل احتكار المنصب واحتلال الموقع, والقفز فوق رؤوس العباد, والتلاعب بالسلوك المعوج من أجل البقاء تحت مسمي الطموح والنجاح دون أن يدرك أنه ليس طموحا ولانجاحا وانما هو خداع للنفس لاثبات الذات التي هي في الأصل تعاني من الاحساس الداخلي بالنقص والعجز الذي يحتاج لعملية التعويض من أجل المحافظة علي ماتبقي من الشخصية المهلهلة حتي لايصيبها التدهور والانهيار. ان القيمة الحقيقية للكيان النفسي للفرد تأتي من حجم انجازاته الانسانية والفعلية التي تعطي لحياته معني دون أن يلهث وراء احتكار الموقع الرئاسي دون وجه حق ودون أن يقفز علي اكتاف الآخرين ضاربا عرض الحائط بكل القيم والأعراف وقواعد الأخلاق والأصول المتعارف عليها في العلاقات الانسانية, وكم من عظماء خلدهم التاريخ زهدوا في المناصب وهجروا الأضواء ورفضوا اعتلاء كراسي المقدمة ومقاعد الرئاسة ولكنهم أثبتوا أنفسهم بالعمل الدءوب والجهد الخارق والعبقرية الموهوبة في هدوء وصمت وبعيدا عن ضجيج الإعلام ومواكب الزفة الزائفة. وما أحوجنا هذه الأيام الي التواضع في طلب العلا والي العمل من أجل مصلحة البلاد والعباد دون اللهث وراء الزيف والبهتان والسيطرة والهيمنة والتجبر والتكبر علي حساب مصلحة الوطن الذي هو في أشد الحاجة الي تضافر الجهود وتلاحم الأفئدة من أجل الإنقاذ والعبور من النفق المظلم الذي طال طريقه. د. يسري عبدالمحسن أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة