تابعت باهتمام تصاعد المواجهات بين المثقفين ووزير الثقافة وصولا الى اللقاء الأخير الذى جمع بعضهم برئيس الوزراء ، وبدرت الى ذهنى بعض الأسئلة اود دعوتكم للمشاركة فى تأملها وسأبدأ بالسؤال حول حقيقة قوتنا الناعمة،والمبالغة فى تقديرها. أعتقد شخصيا أننا نسرف فى استخدام الكلمة،كما أسرفنا فى الحديث كثيراعن انفسنا كقيادة للأمة العربية، والمنطق يقول اننا لم نضيع ما نسميه الان قوتنا الناعمة فقط وانما اهدرنا كل مصادرالقوة، ولا اعرف كيف يتصور المثقفون اننا سنحافظ ونطور هذه القوة وحدها بينما تتداعى جميع قوانا الأخرى ، وهل يمكن التوصل الى ذلك الهدف عبرنفس الآليات التى كانت سببا فى انحدارنا المخجل هذا ؟ ولماذا يدعم المثقفون الشخصنة، ويهرولون الى المسؤل الكبير؟ هذا هو السؤال الأهم ، اليس هذا المسؤل نفسه جزءا من المشكلة ، فهو من اختار الرجل . أدرك أن لدينا موروثا تاريخيا طويلا فى الشكوى، اعتقدت خاطئا اننا قد تجاوزنا هذه العتبة . ولكن يبدو أن ازمتنا الحقيقية الآن هى أن القوى التى شاركت فى 25 يناير ومن بينها المثقفون، والتى لم تتمكن من صياغة آلية سياسية وسلطة جديدة ، تطالب الان سلطات غير ثورية بالمرة بان تنجز لها اهدافها وطموحاتها، ما يفعله المثقفون هو ترجمة هذا المازق داخل مجال الثقافة، فهم يطالبون أجهزة الدولة بحماية فوتنا الناعمة، بصفتها مصدر قوة وتماسك المجتمع ، بينما ترى السلطة إن فرض الإرادة وتضييق المجال العام، هى الوسيلة للحفاظ على الدولة ، وتعتبر الثقافة مسرات احتفالية دعائية ، ولا تستريح لتعدد الأفكار والرؤى، ورغم ادراك أغلب المثقفين لطبيعة التحالفات التى تصنع السلطات القائمة،إلا أن الكثير منهم ممن شاركوا فى 25 يناير ، قبلوا العمل داخل الدولاب الرسمى القديم بنفس ممارساته مع تعديلات شكلية طفيفة ، كما لم ينسحب أى ممن اختيروا منهم ضمن لجنة الخمسين ، عندما اقرت مادة تبيح محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية ، بعد أن قبلوا بفرح أن تختارهم سلطة من أعلى، وتغاضوا بالتبعية عن ضغوطها وهى تحدد لهم بالتالى مناطق حمراء وتفاجئهم بصياغات وتعديلات ملزمة . لماذا ضمن المثقفون فى هجومهم هذا ما يشبه الوقيعه: والذى يجعل الوزير «خلية نائمة او موجها من جهات خارجية ، او منفذا لاجندات خارجية ، أوطرفا فى مؤامرة كونية» وليس مجرد اكاديمى ريفى محافظ محدود القدرات مثل الكثير من المسئولين . أغلب الذين يتجمعون كممثلين للثقافة، ملازمون للمؤسسات الرسمية،ويشكلون احيانا جزءا من ادوات الدولة ورجالها. ينالون بالحاحهم ميزة الحضور الأعلامى والوجود والجوائز ويسعون دائما لمناصبها وللاستحواذ على عطاياها، وهنا يأتى الجانب المضحك. فأحد الاعتراضات على وزير الثقافة الحالى كانت تنصب على عدم قيامه بجهود كافية للاحتفال بمشروع قناة السويس الجديدة ، وكأنهم يزايدون لرفع حالة التعبئة التى طالما أفقرت حالنا الثقافى ووصمته بالتخلف. هل طالب المثقفون رئيس الوزراء بأن يحدد موقفه هو نفسه ، تجاه تنامى التسلط والرقابة ومحاصرة الحريات، والإصرار على اخضاع المنتج الثقافى الى أولويات أداء سياسى تجاوزه الزمن ، وهل قدم لهم اجابات مقنعة عن اسئلة مثل : لماذا تتسع الرقابة ، وتتقلص مساحات الاختلاف ، ويتم عزل المعارضين والكفاءات لدعم أنصاف الموهوبين ، و ولم تغلق المواقع ،وتسند المسئوليات والمهام الثقافية الكبرى لأصحاب العقول الضيقة ، اليس الرجل مسئولا عن هذا الأداء ، وله سوابق فى ذلك . الدولة هى الدولة ، كما عودتنا ، تحدد وحدها صورتها وصورة معارضيها أيضا، داخل مشهد اعتادت تقديمه للناس كصورة تجميعية للعائلة الكبيرة ، تحدد داخلها موقع كل عنصر : شيخ الأزهر هنا ، ورأس الكنيسة هناك، ثم كبار قادة الجيش والشرطة ، والوزراء، ورموز رجال القضاء، رجال النظام القديم . ثم بعض رجال الأعمال والشخصيات العامة . ولا مانع من بعض الوجوه الشابة اوالنسائية أو أحد أصحاب الجلاليب أو الحطة البدوية وربما واحد من ذوى الاحتياجات الخاصة كى تكتمل الصورة .انها صورة كيان متماسك ظاهريا. تحدد الدولة بدقة مكوناته ،ولا تكتفى بهذا فهى تختاربالمثل معارضيها، هذا الكاتب وهذا الفنان وهذه الممثلة وهذا المخرج...الخ ، يتم صفهم داخل المشهد عند عمل صورة للنظام وهو يحاورالمثقفين. ويبقى الغائب الدائم هو السياسة،لا سياسة لدينا ولذا يصعب الحديث عن الحرية، فالحرية هى جوهر الفعل السياسي، وهى ضرورة للوعى ولنمو العمل الثقافى والابداعى لأى جماعة انسانية ، ويبدو أن المثقفين يتنازلون طواعيةعن المطالبة بها تقديرا للظروف كما فهمت. وسيلة الانظمة الاستبداية لإلغاء السياسة هى تسييس الحياة بأكملها ،وهكذا يصبح لدينا واقع مسيس بأكمله ،وهذا لا علاقه له بالتعددية أو بتداول السلطة وانما بالحشد والتعبئة ، حيث يستبدل الخطاب السياسى بدعاية تترد بلا توقف، ويتنفسها المواطن كل صباح ومساء .وهكذا تصبح الثقافة والفعل والحياة اليومية نفسها مسيسة، فكل كيان وكل موقف وكل فكرة تطرح هى مع أو ضد كما قال بوش الابن مختصرا المسألة بوقاحة بالغة من »«ليس معنا فهو ضدنا» . لا يمكن ياسادة فصل أداء الدولة فى مجال الثقافة عن منهجها العام وانحيازاتها. فى النهاية، لابد أن نتذكر جميعا إن الدفاع عن حرية الابداع الآن،بعد أن اختارالنظام لنا هذا الوزير، اصبح محكا حقيقيا للجماعة الثقافية بأكملها، وهو رافد من حركة الدفاع الواسع عن الحرية، وأتعجب كيف لا يقف المثقفون إحتجاجا على مواصلة احتجاز مظاليم داخل السجون باعتراف رئيس الجمهورية نفسه. هل يغمض المثقف عينه عن هذه المظالم السوداء ، ثم يفتحها بحماس ليصبح ثوريا فقط عند المطالبة بإقالة الوزير. لمزيد من مقالات عادل السيوى