إلى جانب الجدوى الاقتصادية لقناة السويس الجديدة والاستثمارات التى سوف يجلبها محور تنمية قناة السويس والمميزات الاقتصادية التى من المنتظر تحقيقها , هناك بُعد غير اقتصادى ليس أقل أهمية. تقول الدكتورة سهير عبد السلام عميد كلية الآداب جامعة حلوان ان مشروع قناة السويس الجديدة له بُعد اجتماعى أكثر أهمية من مميزاته الاقتصادية , حيث تجمع الشعب المصرى حول فكرة تحولت من محض خيال الى واقع ملموس , فكرة كان الشعب مؤمنا بها وكان فى حاجة كبيرة لتحقيقها , فكرة الشعب أسهم فيها , فكرة تلمنا . مضيفة ان الشعب المصرى افتقد لسنوات عديدة وجود تحد محلى وعالمى فى مواجهة عالم متغير ومتلاحق الاحداث , وافتقد الدور الفاعل فى السياق العالمى , والآن الشعب يستعيد أمجاده التى افتقدها والتى كان فخورا بها على مدار التاريخ . وتمنت أن تكون هناك دائما أفكار متجددة تنتقل من حيز الفكر والتخطيط الى حيز التطبيق والتنفيذ , تحمل طموحات الشعب المصرى الى نجاحات مستمرة وتُحدث لُحمه اجتماعية بين الشعب رغم اختلاف انتماءاته نحو أهداف قومية محددة . وتوضح الدكتورة هدى زكريا استاذ علم الاجتماع أن قناة السويس الجديدة رمز استرداد ملامح الشخصية المصرية , التى عانت على مدار 40 سنة من بهتان لتلك الملامح واصابتها بالضعف التى اعتادت عدم قبولها الأمر الواقع , فكل شعوب الدنيا تُسلم بنظرية الحتمية الجغرافية وأن الانسان لا يستطيع الفرار منها , الا الشعب المصرى لم يخضع لتلك النظرية , بداية من الفراعنة الذين قاموا ب " ترويض الجغرافيا " وهو ما يعد سمة من سمات الشخصية المصرية , فالقدماء المصريون عاشوا بجوار النيل وشقوا الترع وأقاموا السدود فى محاولات لترويض نهر النيل , والزعيم جمال عبد الناصر روض الجغرافيا حين أنشأ السد العالى , وحمى مصر من فيضانات عارمة وسنوات جفاف . موضحة أن المصريين رجعوا واستردوا الشخصية المروضة للجغرافيا بشق قناة السويس الجديدة , بعدما أدركنا مواقع القوة لدينا . وتضيف أن كل فرد فى المجتمع لديه آماله وأحلامه , ولكن عندما يكون هناك مصلحة للمجتمع , وهو ما حدث مع شق القناة الجديدة , توحد الافراد مع الامة , ولم ينظر من عملوا فى شق القناة لأجر أو ثمن معين , وكل ما كان يشغلهم تحقيق هدف وأمل الأمة , وذابت الروح الفردية فى روح الجماعة من أجل الوطن . تبين الدكتورة سامية الساعاتى استاذ علم الاجتماع وعضو المجلس الأعلى للثقافة أن مشروع قناة السويس الجديدة كشف بوضوح عن ايجابيات الشخصية المصرية من اصرار وعزم وتحد فى المواقف الصعبة , ظهرت تلك الايجابيات فى العمل على انجاز هذا الأمل وتحقيقه , عكس التراخى وعدم التطلع لتحقيق الآمال الذى كنا نراه فى بعض المواقف. مبينة أن مشروع القناة نتاج عمل جماعى , والكل يعمل تحت شعار الوطن , وانجازه تكريس لفكرة الوطن التى كانت أحيانا تتوارى , والآن تظهر لأن هناك محفزات على هذا الدور , وكأنك تمسك بحجر كريم وتزيل عنه التراب , فأصبحت فكرة الوطن تتلألأ . اضافة الى أننا اعتدنا أن نفتخر بالقديم , لكن ما يفعله المصريون الآن هو الحديث المتطور , ونادرا ما كنا نحتفى بمجهود معاصر , وهو ما يعد نقلة نوعية , وأصبحنا نخلق حاضرنا ونتحكم فيه , كبداية لترتيب البيت من جديد . يقول الدكتور الأنبا يوحنا قلتة النائب البطريركى للكاثوليك بمصر إن قناة السويس الجديدة هزيمة ساحقة للارهاب الدولى , وضربة قاصمة معنوية وحقيقية للمنظمات الارهابية , فرغم ما تعانيه مصر من حربها ضد الارهاب استطاعت أن تحقق مشروعا عظيما وتنشىء جغرافيا جديدة . مضيفا انه على المستوى العربى والاقليمى ظهرت مصر على عظمتها بملامحها الفرعونية والقبطية والاسلامية , شقت قناة جديدة , وبدا من حولنا فى المحيط الاقليمى كأقزام بالنسبة لمصر , ولن يجرؤ أحد أن يقول كما كان يقال " نزحزح مصر " لأن مصر دورها الهى . مشيرا الى أن شق القناة الجديدة استجابة لرغبة دفينة فى أعماق الشعب المصرى كان فى حاجة اليها , ولم يكن يحتاج لانجازها سوى لقائد عظيم يلهمه , رجل مخلص يوقظ شعبه وتاريخه .