العصر الحديث هو عصر الانتاج المرئى والمسموع خاصة مسلسلات التليفزيون كأحد اهم القوالب التدى تنجذب اليها كل الفئات من الجماهير العربية وخاصة فى اوقات المشاهدة الكثيفة كما فى شهر رمضان، فالمسلسلات من الأدوات الفنية والثقافية الاكثر تأثيرا على المجتمع والتى كان يجب توظيفها لتحقق قدرا من التنمية الفكرية والاجتماعية . واذا كان هدف هذا المقال هو النظرة النقدية للاعمال الدرامية التى عرضت على القنوات الفضائية المصرية والعربية هذا العام فإننا نقول بصفة عامة إن تلك الأعمال لم تكن على المستوى الفنى او الفكرى المرجو منها، خاصة ونحن فى هذه المرحلة العصيبة التى يمر بها مجتمعنا العربى الملىء اذ لم تستطع تلك الاعمال الكثيرة والمتخمة ان تقوم بمسئولياتها ووظائفها التنموية وتؤكد هذه الاعمال أننا نعيش أزمة ثقافية حادة وان هويتنا القومية أصبحت مهددة ومحاصرة، ولعل هذا التهديد كان اكثر شراسة بعوامل داخلية محلية قد لانعى خطورتها ولكنها تهدد هوية اللغة والعادات والتقاليد والفكر والسلوك الاجتماعى والانسانى وكأنها تتعمد تشويه تاريخنا. ونتساءل عن الجدوى من انفاق تلك الاموال الطائلة التى انفقت فى انتاج هذا الكم من الاعمال الهابطة عدا بالكاد مسلسل (أستاذ ورئيس قسم) ومسلسل (ذهاب وعودة) لما يحتوياه من بعض سمات انسانية لعادات وتقاليد المجتمع المصرى. وهناك العديد من التساؤلات التى يجب طرحها لعل اهمها: كيف يمكن للمشاهد ان يستوعب هذا التداخل بين مايشاهده فى المسلسل وبين الكم من القوالب الاعلانية الهابطة التى فاقت كل التوقعات هذا العام بطريقة مبالغ فيها فيوظف الجانب التجارى الاستهلاكى على حساب الجانب التنموى والثقافى والفنى فأضاعت تلك القوالب الاعلانية متعة المشاهدة والتركيز فى العمل الفنى. ما معنى ان تقدم الآن اعمال تعج بمشاهد العنف والانحراف وتعاطى المخدرات والدعارة والفتن ودمج تلك المشاهد وسط مظاهربراقة لحياة الاغنياء او تجار المخدرات ومافيا تجارة الاعضاء واصحاب الكباريهات ولانقول ان كل الاعمال ولكن الغالبية منها، اذ تأتى مجموعة حلقات «خواطر» لما لها من تأثير ايجابى على المشاهد ولاسيما انها تحظى بشعبية متزايدة فى فئات مختلفة من المجتمع ولكن للاسف الاغلبية من المشاهد « الرمضانى» بحكم التعود وتكرار تلك القوالب الرديئة يصبح فى حالة خضوع وتحت تأثير تلك القوالب السيئة من المسلسلات التى سبق وصفها . كيف يمكن للمشاهد ان يستوعب التداخل الاعلانى المستفز الذى يعمل على مزيد من الاحباط النفسى والمعنوى للمشاهد لما يعرض فيها من حياة الفنانين والمشاهير ومايقدمونه من مواد استهلاكية وكماليات غالبا ماتقدم فى شكل اجتماعى واقتصادى يبتعد كل البعد عن الواقع المعاش بين الغالبية العظمى من الشعب المصرى والعربي. وماتحتويه تلك الاعمال من كثرة. لمصلحة من عرض كل تلك الفواصل الاعلانية غير المتقنة والمدسوسة وسط البرامج. الواقع ان عدم كفاءة نظام الاتصال الجماهيرى وتدهور الاداء والمضمون المقدم والعشوائية فى عرض البرامج والمسلسلات وكثافة الفواصل الاعلانية الرديئة سيؤدى بجانب التشويش الفكرى الى التوجه الى السلوكيات والالفاظ الخارجة، فمشاهد العنف والجريمة والتدهور الاخلاقى فى المسلسلات سيفرض نفسه بقوة على المشاهدين, فتصبح دعوة للاقبال على تلك العشوائية فى الكلام الدارج بين الشباب، بل ودعوة لمواجهة هذا التسيب فى قواعد المرور والقيادة الذى نعيش مظاهره بمزيد من العشوائية فى الشارع المصرى .هذا إلى جانب مايعرض من اعلانات الاغذية وأين مراقبة المؤسسات الحكومية للقضاء على تلك العشوائية والفساد الاعلامى والاعلانى ووقف تأثير تلك الهجمات الشرسة التى لا تسعى الا للربح المادى ، فالمضمون الاعلانى والدرامى السيئ يؤدى الى مزيد من سلبية المشاهد ويبعده عن المشاركة الايجابية فى حل مشكلات مجتمعه.. وبعد هذا التحليل والتفسير الانتقائى لتأثير المضمون الردىء للمسلسل الرمضانى والاعلانات التجارية والتى تؤكد على اننا لانعطى اهمية لبناء المواطن المصرى بل نسهم اسهاما خطيرا فى هدم مايقوم به المجتمع, لاصلاح ما أفسده هذا الانتاج السيئ الدرامى والاعلانى قد يفوق بكثير ماحققته القنوات الفضائية المصرية والعربية من ارباح والتى تقدر بالمليارات لتأمين استمرار بقائها . وكأننا وبأيدينا نقدم للمشاهد العربى والمصرى ادوات سامة لاتوظف التوظيف السليم لترسيخ رسالة الاعلام. وكأننا نضع بأيدينا السم فى العسل ونقدمه للمواطن المصرى والعربى داخل المنزل فإننى اضع المسئول عن تلك العشوائية فى قفص الاتهام . لمزيد من مقالات نسمة البطريق