إثر زيارة الأمير محمد بن سلمان ولى ولى العهد السعودى للقاهرة وإجرائه مباحثات مع الرئيس عبدالفتاح السيسي، صدر إعلان القاهرة الذى تضمن إطاراً للعلاقات، ويمثل نقطة ارتكاز مهمة، ويرتب تعاوناً ثنائياً يدعم ويزيد من فاعلية التحالف المصرى الخليجى ويستهدف إعادة صياغة موازين القوى الإقليمية. وقبل مناقشة تفاصيل هذا الإعلان وأبعاده الإستراتيجية من الضرورى الإشارة إلى أنه جاء فى توقيت مهم للغاية بالنظر إلى عدد من الاعتبارات التى من أهمها، أنه جاء فى أعقاب لقاءات مكثفة لكبار المسئولين فى البلدين لم يفهمها البعض وتم تفسيرها على أن هناك أزمة فى علاقات البلدين، وأن تلك العلاقات تواجه صعوبات كبيرة، وبادرت دوائر سياسية ومصادر إعلامية إقليمية ومحلية لتبنى وجهة نظر تتضمن تغييراً فى استراتيجية الحركة السياسية السعودية الإقليمية وتغيرات فى توجهات السعودية تجاه القاهرة. ولم تنشغل تلك الدوائر والمصادر بالبحث فى حقيقة هذا الادعاء، وراحت تتحدث عن تداعيات ذلك، وكأنه أصبح واقعاً فعليا. كما أن زيارة وفد حماس للسعودية والتى استثمرته تلك المصادر الإعلامية قد حاولت التأكيد على توافر نوعٍ من القبول السعودى لحركة حماس ومحاولة تجاوز الدور المصرى فى المصالحة الفلسطينية، ودعم حماس فى مواجهة القاهرة، بل إن البعض ذهب إلى القول إن التنظيم الدولى للإخوان المسلمين وقيادة حماس توسطتا لدى الإخوان المسلمين فى اليمن لتأييد عاصفة الحزم، وأن ذلك حقق مطلباً سعودياً، واسهم فى ذلك أنه فى نفس التوقيت قيام عدد من كبار الكتاب السعوديين بنشر مقالات تتضمن انتقادات لتعامل مصر مع الإخوان المسلمين بصورة غير مسبوقة، وهو ما أوحى بوجود توجه سعودى فى هذا الخصوص. وحقيقة الأمر أن التحليلات لم تُبن على حقائق، وتضمنت قرارات خاطئة لإحداث وتطورات المنطقة. الفترة الأخيرة شهدت تنسيقاً مصرياً سعودياً وخليجياً بصفة عامة، تتفق فيه تلك الدول فى رؤيتها الإستراتيجية على التعامل مع الملفات المثارة فى المنطقة، وأن تلك الرؤية لا تتوافق بصورة كاملة فيما يتعلق بتفاصيل ذلك التعامل وأن البلدين قد ارتضيا أن تكون هناك مساحة من حرية الحركة للتعامل معها، خاصة الأزمة السورية التى قد لا يلتقيان فى التفاصيل، لكنهما يتفقان على ضرورة حل الأزمة والحد من التدخل الخارجي. وحرصت دوائر صنع القرار السعودية على وضع زيارة وفد حماس فى حجمها الطبيعي، وهو ما استوعب كل الدعاوى التى أثيرت بهذه الخصوص، كما أن الموقف المصرى لا يزال يؤيد أية جهود سعودية لحلحلة الانقسام الفلسطينى لمنع الاختراقات الخارجية، ومحاولة أطراف إقليمية لاستثمار القضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب ذاتية. الحديث عن سعى سعودى لصياغة تحالف قطرى تركى مع الإخوان المسلمين لمواجهة المد الإيرانى المذهبي، أمر يفتقد لكثير من المصداقية والفهم الحقيقى لطبيعة الأمور على هذا المستوي، فالسعودية تدرك جيداً انتهازية التنظيم الدولى للإخوان المسلمين، والعلاقات بينه وإيران، وتدرك كذلك حدود وإطار العلاقات التركية الإيرانية وحرص أنقرة على المحافظة على تفاهمات مع طهران، بما يحقق لها عائدات سياسية واقتصادية. كما أن الحديث عن دور للإخوان المسلمين لمصلحة السعودية فى اليمن يدل على عدم فهم لطبيعة الأوضاع فى اليمن، والثقل السعودى الكبير هناك تاريخياً. بخصوص إعلان القاهرة الذى يعتبر وثيقة مبادئ للعلاقات الثنائية إبان المرحلة المقبلة، وقد تضمن ستة بنود رئيسية، ثلاثة منها تعلقت بالعلاقات الثنائية المباشرة التى تضمنت تكثيف التعاون الاقتصادى بشموله وزيادة حجم الاستثمارات والتعاون فى مجال الطرق ليصبح البلدان محوراً رئيسياً فى حركة التجارة العالمية، وكذلك تكثيف التعاون السياسى والثقافى والإعلامى والاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، كما تضمنت الوثيقة كذلك التعاون العسكرى بين مصر والسعودية وتطوير هذا التعاون مستقبلاً على كل المستويات. كما أن ما أشار إليه الإعلان بخصوص تعيين الحدود البحرية بين البلدين يعتبر موضوعاً مهماً وملفاً كان مسكوتا عنه منذ فترة، ويمكن أن يثير بعض التوتر إذا لم تُتخذ الخطوات لحله بصورة نهاية، وهو ما يتعلق بتداخل الحدود قرب بعض الجزر. ولا شك أن معالجة الموضوع ضمن الأطر القانونية يمكن أن يخدم العلاقات بين البلدين ويوفر أرضية ومناخاً مناسبا لتعاون ثنائى فيما يتعلق بالطرق البرية وغيرها ليجعل البلدين محوراً رئيسياً فى التجارة العالمية. أما التعاون الإقليمى بين البلدين، فقد تضمن الإعلان دعم إنشاء القوة العربية المشتركة والحفاظ على الأمن القومى العربى، من خلال مواجهة محاولات التدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية ومواجهة محاولات اختراق النظام العربى. القراءة المتعمقة لإعلان القاهرة تشير إلى الانتباه المصرى السعودى لأبعاد وتداعيات التطورات الجارية فى المنطقة، خاصة الاتفاق النووى الإيرانى الذى يمثل تطوراً مؤثراً فى المنطقة، وقد ذهب البعض إلى وصفه بأنه سوف يحدث زلزالاً سياسياً فى توازنات القوى فى الإقليم، وسوف يرتب حضوراً إيرانياً أكثر فاعلية على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، بل إن ما نشهده حالياً من هرولة كبار المسئولين فى دول الاتحاد الأوروبى ومديرى كبرى الشركات الأمريكية والأوروبية والآسيوية إلى طهران يكشف عن التوجه الدولى والأمريكى والأوروبي، لإضفاء كثير من الشرعية على النظام الإيرانى كان يفتقدها خلال العقود الماضية، ويحدث ذلك دون أية التزامات أو ضوابط للسياسة الإقليمية لإيران، وهو ما يرجح المزيد من التمدد والحضور الإيرانى فى ملفات المنطقة، خاصة الدوائر الحيوية فى الخليج والمشرق العربي، ما يتصادم بالضرورة مع المصالح الخليجية والسعودية بدرجة رئيسية وكذلك المصالح المصرية. ما ورد فى الإعلان حول رفض التدخل الأجنبى لدول المنطقة، جاء رداً على تصريحات المرشد الإيرانى على خامنئى حول الأوضاع الداخلية فى البحرين واليمن ومصر، بالتالى يؤكد الرفض المشترك للتدخل الإيرانى فى هذا الخصوص. وما ورد فى الإعلان حول تطوير التعاون العسكرى بأبعاده المختلفة وإنشاء القوة العسكرية المشتركة، يعنى بوضوح دعم التحالف العسكرى بين البلدين وتطوير أسس هذا التحالف، كما حدد مجالات التعاون الاقتصادى وتعزيز الاستثمارات لتحقيق التكامل الاقتصادى بين البلدين، وأكد تكثيف الاستثمارات السعودية فى مصر، ولعل فى ذلك دليلاً واضحاً على استمرار نهج السعودية تجاه دعم الاقتصاد المصرى خلال فترة الراحل الملك عبد الله، ويستمر خلال حكم الملك سلمان بن عبدالعزيز، طبقاً لرؤية استراتيجية سعودية، ترتكز على المصالح المشتركة وأهمية التحالف المصرى السعودى. صدور إعلان القاهرة فى ختام الزيارة، وليس بياناً صحفيا، يعنى أن هناك اتفاقاً على تدشين مرحلة جديدة من العلاقات، تحافظ على ثوابت وأدوات الحركة الثنائية ضمن تحالف أوسع، يضم دولاً خليجية أخري، مثل الإماراتوالبحرين والكويت، تتفق على المخاطر التى تهدد الأمن الإقليمى والداخلى لكل منها. كما أن ما ورد بالإعلان أوضح إدراك البلدين محاولة بعض القوى الإقليمية التدخل فى الشئون الداخلية، وأن مصر والسعودية لن تقفا مكتوفتى الأيدى بهذا الخصوص، وما تضمنه الإعلان من حرص مشترك على بذل الجهود لتحقيق الاستقرار فى المنطقة وحماية الأمن القومى العربي، يشير بوضوح إلى توجه لزيادة فاعلية العمل العربى المشترك، لمواجهة تحركات القوى الإقليمية على اختلافها والتى استفادت من غياب دور إقليمى عربى مؤثر خلال السنوات الماضية. وعلى النحو السابق يمثل إعلان القاهرة خطوة مهمة تحتاج إلى متابعة جادة من البلدين. كما أن آلية الحوار الإستراتيجى الثنائى يمكن تطويرها إلى حوار استراتيجى مصرى خليجي، يؤدى إلى مزيد من الإيجابية. كما أن الإعلان يؤكد استمرارية الموقف السعودى الداعم لمصر. ولا شك أن المصريين يُقدرون هذا الدعم، كما أن تطورات الموقف الإقليمى، والاتفاق النووى الإيراني، ومحاولة أطراف دولية تغيير موازين القوى الإقليمية، يتطلب مواصلة ودعم التحالف المصرى السعودى، الذى هو ركيزة لمواجهة الأخطار فى المنطقة. لمزيد من مقالات د. محمد مجاهد الزيات