هو أبو القاسم بن مسلم الدهان أشهر خزافى العصر الفاطمى، وهو يعد رائدا لمجموعة من خزافى هذا العصر الفاطمى المبكر اشتهروا بإنتاج أوان من الخزف اللامع ذى البريق المعدنى. والثابت انه عاش فى عصر الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمى, وذلك لوجود توقيعه على جانب من صحن ينتمى إلى ذلك العصر محفوظ بمتحف بناكى بأثينا. وقد أمدتنا حفائر الفسطاط بقطع عديدة من الخزف تحمل توقيعه, وقد أمكن ترميم بعضها وتكميلها وإعطاؤها هيئاتها الأصلية. والأرجح أنها كانت أجزاء من أوان لم يصح حرقها وإنضاج زخارفها، فألقى بها الخزاف إلى جوار الفرن فوُجدت متجاورة وأمكن تجميعها و ترميمها. وتمتاز أوانى الخزاف مسلم بأن قاعدتها قليلة الارتفاع، وأن الطلاء الزجاجى, أو الميناء البيضاء, يغطى ظاهر الاناء كله، وهذه الخصائص من مميزات الخزف الطولونى واستمرت فى الخزف الفاطمى المبكر. ويغلب على منتجات مسلم استعمال نوع من الطلاء المعدنى ذهبى اللون باخضرار وان كنا نجد فى منتجاته اللون الذهبى الداكن والفاتح والمحمر أيضا. وتمتاز الزخارف بالبساطة وحرية الحركة والجرأة، ورسم موضوع رئيسى لحيوان أو طائر. ومن رسوم الطيور فى طراز مسلم نجد رسم الطاووس بأسلوب قريب من الطبيعة، ومن الرسوم الحيوانية المحببة عنده رسم الأرنب والغزال. وقد استخدم مسلم الكتابة بالخط الكوفى الجميل, منها طبق موجود بالمتحف الإسلامى مكتوب عليه «بركة كاملة ونعمة شاملة». وقد شاعت رسوم مجالس الغناء فى أسلوب مسلم ومدرسته، ومناظر الصيد, كرسم الفارس على جواده حاملا سيفه. ومن الرسوم التى سجلتها مدرسة هذا الخزاف أيضا مناظر من حياة الكادحين, منها رسم الحمال وكلبه. والثابت ان مسلم والخزافين امثال البيطار والطبيب والصياد والشريف ابو العشاق وابو الفرج ومحمد والحسين وابن نظيف قد عملوا فى الفسطاط قرب مدينة القاهرة. ولا نستطيع ان ننهى الحديث دون ان نذكر أستاذا آخر هو سعد الخزاف الذى مثل أسلوبه مرحلة أكثر تطورا. ومن أسلوب سعد من القطع الشهيرة جزء من قاع إناء عليه رسم يمثل السيد المسيح. ونشير هنا إلى ما يلاحظ فى بعض رسوم هذا الخزاف من موضوعات مسيحية كإشارة للتسامح الدينى الكبير الذى كان سائدا فى العصرين الفاطمى والأيوبى رغم نشوب الحروب الصليبية. د.عبد الرؤوف يوسف مدير متحف الفن الإسلامى الأسبق
ومن ينعش الصناعات التراثية؟ وجدى رياض الثقافة صناعة جوهرية، ولكن للأسف اننا فى بعض المحافظات لا نرى أن الثقافة استثمار ولا ننظر إلى الصناعات التراثية بشكل جاد لإنعاش الاقتصاد. فالثقافة ليست ترفيها فقط، ولكنك فى بعض الأماكن قد تجد من يعيرك نظرة سخرية إذا ما تحدثت عن اقتصاديات الثقافة من فن وموسيقى وندوات ومسرحيات وسينما وأوبرا ومعارض للكتاب ومهرجانات. وشئ جميل وراق أن تخصص الدول وزارة للثقافة تبذل ما تستطيع للنهوض بثقافة المواطن، ولكن ثقافة المواطن فى الشارع المصرى تختلف تماما. فثقافة التعامل والنقاش والحوار وأدب الاستماع ولغة الكلام تكاد تكون مفقودة، ويفضح كل هذا ما نراه فى المسلسلات والأفلام وحتى التعاملات اليومية فى مواقع العمل والمكاتب والإدارات الخدمية التى تتعامل مع المواطن. فما بالنا إذا تحدثنا عن التراث والصناعات التراثية؟ والثقافة فى مصر تقاس بمعيار ما تجلبه وما تجنيه من أموال، ولاتقاس بمعيار ما تكسبه المواطن من متعة وصفاء نفسى وجمال. فالدول المتقدمة اكتسبت ثقافة واضحة المعالم وجنت ثمارها من رفاهة المجتمع، نتيجة رسم سياسة من أولوياتها تنمية المدن ثقافيا، بعد أن كشفت الدراسات أن الاستثمار الثقافى له مردود اجتماعى واقتصادى، ويمنح المواطن شعوراً قوياً بقوته وهويته، وهى ظواهر إيجابية تشبع الحاجة الإنسانية, ولهذا من الصعب وضع بطاقة لأسعارها. فإذا ناقشنا حقيقة التراث سنجده موروثاً شعبياً تقليدياً و حفظاً للذاكرة الوطنية وتأصيلاً لآثار الأجداد التى تعود إلى مئات السنين، وهى ملامح تبقى فى الشخصية المصرية لا يمكن اختزالها فى أيام بعينها. وبعيداً عن هذا التوضيح لمهمة التراث فى المجتمع المصرى، فإن هناك دراسة أجراها البنك الدولى لتقييم الموروثات التراثية بداية من الكاتدرائيات الفخمة التى تحتل ميادين عواصم أوروبا ومرورا بالمحميات الطبيعية وما يحيا بها من نبات وحيوان، حتى متاحف الفن التى تضم لوحات كبار رسامى العالم. وهى كلها مواقع يصعب تقدير قيمتها، حيث يصعب بالمبدأ الاقتصادى وحده حساب التكاليف الفعلية للمكان وحساب العائد منه, فما بالك وضمن هذا الحساب لابد وأن يدخل العائد المعنوى والاجتماعى والترفيهى؟ صحيح أن الأباطرة والسلاطين كانوا يبنون هذه الصروح تمجيداً لفترات حكمهم، إلا أن هذه القصور والمساجد والحدائق التاريخية والجسور والأبراج والقلاع قد أصبحت مع الزمن دلائل لتاريخ محفور فى ذاكرة الأمم، فمن كان سيخبرنا عن هذه الأيام إلا هذه الآثار التى تركوها كشاهد؟ ومن يقرأ موسوعة وصف مصر, التى جمعها وخطها ورسمها علماء وفنانو الحملة الفرنسية, سيجد تسليطاً للضوء على التراث والحضارة المصرية، فكل شئ دُوِّن بعناية, بداية من الموقع الجغرافى والطبيعى وحتى البنايات والملابس والعادات والتقاليد. فوصف مصر ثروة لا ينبغى وضعها فى دواليب زجاجية أو رفوف مكتبات, بل ينبغى أن نفكر فى استثمارها بإعادة طبعها وتوزيعها وإهدائها لطلبة كليات الفنون الجميلة والتطبيقية والتربية الفنية والهندسة والآداب لينهلوا من فنون بلدهم وتاريخها. ولنرى كيف كانت الحياة وكيف أصبحت. فهى تراث محفوظ فى صمت يحتاج إلى لجنة فنية تدرس كيفية الاستفادة منه، فهذه الموسوعة قد رصدت ووصفت زمناً لم تكن الكاميرا قد تم اكتشافها فيه بعد. أما الصناعات التراثية, فهذه قصة أخرى. فينبغى أن تصبح من الصناعات الرئيسية لمصر, التى تميزت تاريخياً بالكثير منها، إلى حد أنها أصبحت علامة مميزة لها. فهل من مجيب؟