الفن التشكيلى لعب دورا رئيسيا فى التعبير عن الثورات وتخليدها فهو لا ينفصل عن حركة المجتمع ولا يتخلف عن الأحداث الكبرى ولا ينعزل عن الشعب، وهذا ما رأيناه فى ثورة 25 يناير و30 يونيه التى كان للفنانين التشكيليين مشاركة فاعلة فيها، بل إن شباب الثورة أنفسهم عبروا عن مطالبهم وعن تطورات الثورة وأحداثها بأعمال فنية بعضها فطرى وبعضها اتسم بطابع تعبيرى تلقائى.. وشارك العديد من الفنانين بتصميمات لنصب تذكارى يخلد أسماء شهداء الثورة ويسجل الحدث، وكل منها له طابعه الخاص الذى جعل قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة يعلن عن إطلاق مسابقة للشباب تحت سن 35 عاماً (أى شباب الفنانين) لتصميم نصب تذكارى وجدارية نحتية بعنوان «شباب الحرية» بالتعاون مع جهاز التنسيق الحضارى وهيئة التخطيط العمرانى لإقامة محكى التحرير فى الميدان الذى شهد انطلاق الثورة، والجديد أن لجنة التحكيم المكونة من فنانين متخصصين وأكاديميين لن تكون الوحيدة المنفردة بقرار اختيار الأعمال الفائزة وإنما ستشاركها لجنة شعبية تمثل الجمهور الذى يعود له الفضل فى إشعال الثورة والإصرار على تحقيق مطالبها وطموحاتها.. فالعمل الفنى فى هذه المسابقة ينطلق من رحم الثورة، ويتلقى رعايتها ويعيش فى أحضانها ومن حق الثائرين أن يكونوا أصحاب القرار فى تصميم الميدان الذى شهد ثورتهم. أيضاً الثورة شارك فيها مصورون محترفون وآخرون هواة أثمرت مشاركتهم عن تسجيل لقطات فوتوغرافية فى غاية الروعة وقمة التعبير عن الثورة وقد شارك نحو 100 من هؤلاء المصورين فى معرض استضافته ساقية عبد المنعم الصاوى التى حرصت على تسجيل هذه اللحظات التاريخية. الفن التشكيلى عاش أزهى عصوره مع ثورة 23 يوليو 1952... فقد شهدت حركة الفن التشكيلى فترة ازدهار فى أعقاب قيام ثورة 23 يوليو وما تلاها من أحداث عظام فى تاريخ مصر والأمة العربية مثل تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثى وبناء السد العالى وهزيمة 5يونيو وحرب الاستنزاف وتفاعل الفنانون مع أحداث الثورة وسجلوها فى أعمالهم حتى اعتبر النقاد هذه الأعمال تأريخة للثورة واعتبروا فترة الستينات بمثابة مرحلة العصر الذهبى للفن التشكيلى حيث انطلقت فيها كل الفنون والآداب ووجدت الرعاية الكاملة من الدولة وظهر ذلك واضحا فى إبداع الفنان التشكيلى بوجه خاص حيث إنه قبل ذلك لم يكن يجد هذه الرعاية والعناية. فقد بدأ الحلم الوطنى الكبير يجذب معظم الفنانين للالتفاف حوله, وبدأت الحركة التشكيلية المصرية تسير فى سباق جمعى لتظهر مفردات الثورة ومحطاتها التاريخية فى العمل الفنى ولم تكن قبل ذلك حاضرة بهذه النظامية والولاء المتدفق. فرأينا فى لوحات الفنان حامد عويس ضروبا من فئات الشعب العامل مثل الفلاح والصياد والحلاق والخياطة والجندى والزعيم. وذلك فى لوحات «وردية الليل» و«'الصياد والسمك» و«الجبهة الشعبية» والزعيم وتأميم القناة' و'القيلولة' ونلحظ ذلك الوعى القومى فى عملى عبد الهادى الجزار' الميثاق' و'السد العالي'. كذلك ظهرت النزعة التعبيرية الرمزية عند جمال السجينى موشية بقيم الكفاح والصمود, وتجلت الواقعية الاجتماعية عند جاذبية سرى وتحية حليم ومحمد مصطفى وأنجى أفلاطون والغول أحمد. كما كان تأميم قناة السويس» محرضا لكثير من التيارات الفنية، واقعية محمد صبرى وبيكار وأبو العينين وملحمية عز الدين نجيب وتجريبية مصطفى عبد المعطى وسعيد العدوى ومحمود عبدالله وأعضاء جماعة التجريبيين, والتجريدية الشعبية لسعد الخادم وعفت ناجى وحروفيات عمر النجدى ويوسف سيدة وشعبيات كمال يكنور وسيد عبدالرسول وصالح رضا وعلى دسوقى وسعد كامل, واستلهامات الطبيعة فى مائيات شفيق رزق وبخيت فراج وزيتيات كامل مصطفى وزهور ووجوه صبرى راغب. ورغم فجيعة يونيو1967 إلا أن الروح المصرية سرعان ما استعادت عزمها بعد معركة' رأس العش' وضرب المدمرة' إيلات' ليظهر مركز الفن والحياة بتأسيس وإدارة الفنان حامد سعيد الذى تبنى الدعوة لوصل الفن بالحياة من أجل ترقية الحس الشعبي, وعلى أثر هذا ظهر فنانون يعرفون معنى الملحمة الوطنية مثل أحمد نوار وعصمت داوستاشى وفتحى أحمد وفرغلى عبد الحفيظ وعبد الرحمن النشار ود. فاروق شحاتة وزينب السجينى ومحمد رزق وغيرهم ممن عاشوا فرحة انتصار أكتوبر1973 مثل السيد عبده سليم ومحمد العلاوى وصلاح عنانى وسيف الإسلام صقر ومحمد عبلة ومصطفى مشعل ورضا عبدالسلام وغيرهم. كذلك فإن المتتبع للمراحل الفنية لعبد الهادى الجزار يكتشف أن أعماله تمثل وثيقة رأسية راصدة للزمن والحراك الاجتماعى للمجتمع المصرى عبر رؤية فنان لملامح عصره. فثورة يوليو حركت الراكد وأثارت الساكن, فتحولت فيه رسومات الجزار من تصوير مسوخ تنتظر أقدارها إلى عظماء يصنعون قدر الشعب, زمن يبنى فيه عمال مصر هرما جديدا كل يوم كما يظهر فى لوحة' إعادة بناء بورسعيد', وبعد زيارته للسد العالى يرسم مجموعة لوحات عن السد العالى وعمليات البناء نفسها. ولعل ملامح التجريد فى بناء الجسد عبر الأسطح هى من الملامح التى تؤكد أن الجزار هو فنان مختلف من مرحلة إلى أخرى تبشر بالتجريد فى أعمال الجزار. إن إنجاز الجزار إلى التعبير عن النهضة الإصلاحية التى واكبت الثورة بمبادئها المعلنة. فجاءت ' لوحة الميثاق', فالجزار لم يكن بمعزل عن الشعب.. أيضا كان الفنان الراحل محمد حامد عويس رائد الواقعية الاشتراكية فى التصوير المصرى المعاصر،من الفنانين الذين تفاعلوا مع ثورة يوليو حيث تبدو أعماله ملحمة يمثل الإنسان فيها البطل الحقيقي، وينفى فيها ان يكون عويس قد ترجم انجازات ثورة يوليو فى أعماله التشكيلية المهمة بمعنى انه لم يكن بوقا ولا مروجا لدلالات أو شعارات أيديولوجية سلطوية. بل يرى الناقد الفنان الدكتور مصطفى عبد المعطى إن ثورة يوليو هى التى حققت الكثير من أحلام حامد عويس لاسيما وانه كان يعمل بالسياسة فى صفوف اليسار قبل الثورة، وكان مهموما بالإنسان فى كل زمان ومهموما أيضا بكيفية توصيل فنه الذائقة العامة لكى يتحول الفن بشكل ما الى شريك فى صياغة المستقبل. وقد تأثر عويس بهزيمة 1967 حيث تحول شيئا فشيئا الى الرمزية والملحمية والأسطورية، ويعبر عن ذلك الناقد الاسبانى كارلوس اريان قائلا: إن التصوير الذى يقدمه لنا حامد عويس يمثل لمشاكل تعانى منها البشرية جمعاء، القى عليها الضوء فى لحظة معينة وفى مكان معين، وخلاصة القول انه تصوير عالمى بقدر عالمية النمو والحق المشروع فى الدفاع عن النفس الذى يواجه شعبه، شعب مصر . وقد شارك فى التعبير عن الثورة نخبة كبيرة من الفنانين التشكيليين الرواد فى مجالات التصوير الزيتى والنحت والرسم والجرافيك والخزف النحتى، والجدير بالذكر أن قطاع الفنون التشكيلية قد أصدر كتاباً تذكارياً بعنوان «الفن والثورة» بمناسبة مرور خمسين عاماً على ثورة 23 يوليو ويعد هذا الكتاب مرجعاً لرصد الحركة التشكيلية التى تأثرت وانفعلت بثورة 23 يوليو ويضم هذا الكتاب مجموعة من الفنانين التشكيليين وهؤلاء الفنانون هم: أبو صالح الألفى وأحمد صبرى وأحمد فؤاد سليم وأحمد ماهر رائف وأدهم وانلى وحسين فوزى وبشارة فرج وجاذبية سرى وجمال كامل وحامد عبد الله وحامد ندا وحسن سليمان وحسين الجبالى وحسين محمد يوسف وحلمى فرج الله وحمدى خميس وخديجة رياض وداود عزيز وراغب عياد ورمزى فانوس وزينب السجينى وزينب عبد الحميد وسامى رافع وصلاح طاهر وسعيد الصدر وسيف وانلى وصالح رضا ووجدى عبد الغنى وعبد الحميد الدواخلى ورمسيس يونان ورمزى مصطفى وزكريا الزينى وفؤاد كامل وفاروق بسيونى وفاروق وهبة وفتحى أحمد وعبد العزيز درويش وعبدالعظيم العشرى وعبدالله جوهر وعبدالغفار شديد وعبدالوهاب مرسى وعصمت داو ستاشى وعمر النجدى وعلى دسوقى وفتحى عفيفى وكامل مصطفى وكمال أمين وكمال خليفة وليلى عزت ومحسن شعلان ومحمد الطحاوى ومحمد رزق ومحمد رياض سعيد ومحمد صدقى الجباخنجى ود. طه حسين ومريم عبد العليم ومصطفى الرزاز ومصطفى بكير وممدوح عمار ومنير كنعان ونعيمة الشيشينى وهبة عنايت ويوسف سيده وإبراهيم فايد وأحمد عبدالوهاب وأحمد عثمان وآدم حنين وادوارد زكى وحسن العجاتى وحسن خليفة وحسن صادق وحليم يعقوب وسيد أبوالسعود وزكريا الخنانى وصالح رضا وعبدالبديع عبد الحى وعبد الحميد حمدى وعبدالغنى الشال وعبدالهادى الوشاحى وفاروق إبراهيم ومحمد العلاوى ومحمد رزق ومحمد مصطفى ومحمد هجرس ومحمود موسى ومحيى الدين حسين ومصطفى متولى وناجى كامل ونبيل درويش. ولا يمكن عند الحديث عن ثورة يوليو والفن التشكيلى أن نغفل دور الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة والإرشاد القومى ذلك الضابط الثائر الذى قاد سفينة الفن والإعلام والثقافة والفن التشكيلى الذى عاش أزهى عصوره فى عهد هذا الوزير.