عندما تتمازج الحدود الجغرافيا مع خارطة الأحداث و معطياتها السياسية و الثقافية و الإنسانية، تذوب كل الألوان حباً و إحتفاءً بأرضنا ، ومع تراكم الأزمنة تزداد خصوبتها ليتوالد من رحم الشخصية المصرية تلك الطبائع الخارقة لكل السمات البشرية لتفوق علي التوقعات دائماً، وقد يظهر هذا جلياً حينما تعتصرنا الشدائد فتضاء ملايين النفوس بالعشق لترابنا. تلك لم تكن مشاعر تخيلية أو أحلام يقظة، بل إنها الروح المرئية التي يحظي بها كل من توجه لموقع البناء والتشيد لمستقبلنا، لتُشق من خلاله كافة الراوفد والمنابع المحملة ببشري الخير. وما أحوجنا بالتسارع لرعاية وليدنا القادم بمراحل تكوينه ، ومد الأيدي النابضة بمختلف التخصصات، ودائماً هناك أدوار تحتاج لعطاء من نوع خاص مثل إبداعات الفنون التشكيلية والكتابات الآدبية، فلم يعد هناك متسع لإنفصالها عن الواقع وظهورها كأداة للترفيه، بل إنها الفرصة الذهبية لإستعادة قيمتها المفقودة بالإنتماء والمشاركة في ذاكره حاضرنا وغدنا. فالفنون التشكيلية وجدت قبل الكتابات والحروف وعنها تعرفنا علي أروع وأقدم حضارات العالم الفرعونية، التي لاتزال رسومها المحفورة علي جدران المعابد والقصور بألوانها الزاهية تضاهي أكثر الفنون حداثة، ثم كانت رموزاً وتكونيات جمالية تسبح في روحانيات الأديان القبطية ثم الإسلامية، وتلاصقت بالمجتمع لتعبر عن معاناته وثوراته من 1919، 1952وبعدها من ثورة يناير،30 يوليو وقبلها حفر قناة السويس الأولي والسد العالي وغيرها الكثير.. وهناك أسماء من الجيل الأول لرواد الفن التشكيلي لمعت أسمائها حينما عبرت عن قضايا الأمة ومطالبها وتأثرت بشحذ الهمم ، وصحيح أن أولي اللوحات المتلازمة لحفر قناة السويس 1968 كانت لفنانين أجانب ومستشرقين، إلا أنه منذ قرار تأميم القناة للزعيم جمال عبد الناصر، أُستنفرت جميع السواعد وكأنه حفر جديد، لتُشكل مئات اللوحات الفنية والنصب التذكارية والتماثيل في تفاعل صادق مع الحدث، وبين هؤلاء الفنانيين محمود سعيد في لوحته "إفتتاح قناة السويس"،عبد الهادي الجزار "حفر القناة"، حامد عويس "إحتفال الجماهير بتأميم القناة"، محمد صبري "خطاب التأميم لعبد الناصر" وسيد أبو السعود "قناة السويس" فلم تغادر كافة ألوان الإبداع تلك المشاهد السياسية والإجتماعية وتلاحقاتها، إلا منذ الثمانينيات من القرن الماضي والآن قد حان دورها المنتظر بإرساء أسس جمالية ترتفع بالذوق العام للمواطنين، تعيد القيم الفنية لصفوفها الحقيقية وذلك بمشاركة شباب الفن التشكيلي في تسجيل وتوثيق وسرد جمالي وتأريخي لهذه اللحظات الفارقة والتي تستحق المزيد من العطاء والحب لأرضنا. لمزيد من مقالات منار سليمة