بعد غد تمر علينا أكثر من ذكري غيرت في ملامح الأرض والإنسان المصري لتميزه وتُعلي من مكانته .. ذكري ضرب أول معول للفلاح المصري لشق قناة السويس في الخامس والعشرين من إبريل 1859 منذ 155عاما.. وذكري إقامة مدينة بورسعيد التي بدأت كمدينة تطل علي البحر المتوسط متلازمة مع البدء في حفر القناة.. وأيضاً ذكري عودة سيناء إلي مصر كاملة في الخامس والعشرين من إبريل 1982 منذ 32 عاما. وقناة السويس أسطورة الإنسان المصري ومعجزته التي شُقت بمعول الفلاح في بساطته دون أية آلات تكنولوجية مُساعدة.. فهي معجزة مصرية بكل المقاييس.. بمقياس زمن إنجازها وطولها وعمقها وبساطة أدوات إنجازها وحجم التضحيات وإرادة التنفيذ.. لتصبح أهم مجري ملاحي في العالم تتحكم في أكثر من أربعين بالمائة من حركة السفن والحاويات في العالم.. وهذا فخر إنجاز معجزات المصري علي مدي تاريخه الذي كل عدة عقود من الزمن يفاجئ العالم ويتوج مسيرته في الحياة بمعجزة بشرية وليس ببعيد عنا بناء السد العالي بيد عمال مصر وعبور اكتوبر بخيرة أجناد الأرض بما يتناسب وحجم هذا البلد العظيم ورجاله فالعامل والفلاح اللذان حفرا القناة منذ قرن ونصف من الزمان هما أيضا بمثقفيهم عبروا معا يداً بيد في أكتوبر 1973 إلي سيناء جنوداً وردوها لمصر وحتي اليوم هي حرب ترفع رؤوسنا كرامة أينما كنا. والاحتفال بذكري حفر قناة السويس لم يأخذ منا ما يستحقه لإبراز هذه المعجزة البشرية التي تمت بأيدي فلاحي مصر وبسطائها طوال عشر سنوات (1859 - 1869) شقت في الأرض المصرية مجري مائياً بطول 193 كيلو متراً تقع إلي الغرب من شبه جزيرة سيناء يربط بين بور سعيد علي البحر الأبيض المتوسط ومدينة السويس علي البحر الأحمر.. وفي 26 يوليو 1956 - أي منذ 58 عاما - ألقي رئيس الجمهورية جمال عبد الناصر في عيد الثورة الرابع من الإسكندرية خطاب تأميم شركة قناة السويس لنقل ملكية قناة السويس من الحكومة الفرنسية إلي الحكومة المصرية. وفي اللوحات أمامنا لوحتان بانوراميتان إحداهما لحفر القناة للفنان الراحل عبد الهادي الجزار بعنوان حفر قناة السويس رسمها عام 1965.. والثانية لفنان مصر الكبير محمود سعيد بعنوان احفل افتتاح قناة السويسب رسمها عام 1947.. في لوحة الحفر يمكنك بمشاهدتها إدراك مدي ضخامة العمل الذي صوره في بانورامية ضخمة إلي أبعد عمق في اللوحة المشحون بالحركة الديناميكية من حالة العمل في ظروف صعبة تتبدي في مشهد شق الأرض كأخاديد بين العالي والمنخفض وأن الحفر والرفع للأتربة يتم يدوياً بالمخالي فوق الرؤوس والأكتاف.. فكأن كل حبة رمل من أرض القناة رفعها المصري فوق عنقه ورأسه.. وهذه الرمزية العالية تكشف أن غلاء أرض مصر وترابها علينا لا يُرفع إلا فوق الرؤوس.. وفي لوحة الاحتفالية قد م فيها الفنان وجهة نظره الخاصة تجاه شخوص اللوحة الضيوف الذين أعطوا ظهورهم للقناة والجماهير المحتشدة متجهين نحو كرسي العرش يسار اللوحة فهم ملوك وملكات وخديو مصر وكرسي العرش هو الذي يعنيهم في المقام الأول.. وقد أحاط المشهد بستارتين إلي الجانبين كأنهما لمسرحية.. ونري لوحتين صغيرتين لفنانين أجانب صورا القناة بعد الحفر في حينها كتوثيق للمشهد.. كما نشاهد تمثالاً بعنوان "الفلاح حافر القناة" للمثال الراحل سيد أبو السعود نفذه عام 1950 وهو في وضع معتمد بذراعيه علي فأسه أداة المعجزة.. ونشاهد أمامنا لوحة تأميم القناة للفنان الكبير حامد عويس بعنوان "احتفال الجماهير بتأميم القناة" رسمها عام 1957 وفيها بدا عبد الناصر وسط شعبه الذي التف حوله ليبدو مرفوع الهامة في كرامة واعتزاز بمصريته ومسئوليته لا كرئيس مصري فقط بل كزعيم عربي رفع عزة وكرامة العرب عالياً ونري في الخلفية إحدي السفن تعبر المجري المائي..