المحطة القديمة يرمقها القطار ولا يتوقف. شلة من الذكور يلعبون بأوراق " الكوتشينة "، على الجزء المتبقي من رصيفها، المعبد بمستطيلات صغيرة من البازلت. تُذكّرني ببقايا حي قديم ، كنت أسير فيه برفقة أبي، نشتم فيه عبق الماضي، مرة سألته عن هذه الحجارة السوداء، التي تفترش طرقاته، فقال : - إن الفضل يعود إلى ( المساجين ) حيث يخرجون بهم إلى الجبل في منطقة "أبي زعبل" ، فيقتطعونها مِنهُ . تمتد أياديهم بجنيهات ، يضعونها فوق إحدى الأوراق المقلوبة أمامهم . تتبادل سحناتهم العبوس والابتسام ، وسط دخان غزير ، يطلقونه من أنوفهم . من بعيد أقف مُحدِقًا إليهم ، لا أرى سوى غبار يتصاعد، تتلاشى معهُ أجسادهم . أمضي إلى حال سبيلي ، ولا يبقى في أنفي سوى رائحة غريبة ، وصورة بنت ممزقة ، طريحة الأرض ، فى أثناء عودتي من المكان عينه بعد انتصاف الليل .
ابتسامة ُ تاجر ٍ " عم حسيب " كان تاجرًا ناجحًا ، لم يكن مُنشغلاً بغير التجارة . في المرة الأخيرة التي رأيتهُ فيها ، وأنا جالس مع ابنه "عمرو" ، بصحبة بعض الزملاء ، رحب بي بحفاوة منقطعة النظير ، كأنما لأول مرة يراني . سبق أن شاركنا الحديث مرات، دون أن يُكلف خاطرهُ عناء السؤال عن اسمي . تفهمتُ سر ترحيبه الحار ، فلم تكن المرة الأولى التي أتعرض فيها لمثل هذا الموقف ؛ إذ ناداني" عمرو" باسم أبي الأبرز "صابر أبو علم" . هذا الاسم أحيانًا يجلب لي المتاعب ، وأحيانًا يكون مدعاة لفتح أبواب مغلقة . يتشابهُ اسم أبي مع اسم موظف كبير في مصلحة الضرائب .