هل أنت تعاطفت مثلى مع الشيخ محمد جبريل وشعرت للحظات أن أحمد موسى مع الاعلاميين «الكفرة» زودوها حبيتين فى الهجوم علي دعائه ليلة القدر؟.. وهل أنت مثلى اعتبرت للحظات أن الدكتورمختار جمعة وزير الأوقاف تسرع وأعطاه أكثر من حجمه حين أصدر قرارا بمنعه من الخطابة والدعاء مستغلا حق الضبطية القضائية ومنع جبريل من دخول المسجد والسفر؟ فعلا كان هذا هو شعورى بالضبط حين عدت إلى المنزل بعد صلاة التراويح ليلة القدر فى مسجد الرماية، وشاهدت مقاطع فى برنامج «على مسئوليتى» عرضها الزميل أحمد موسى وهو يتسائل فى غضب: من سمح لهذا الحاقد بالخطابة والدعاء على الدولة المصرية؟؟ إلى أن استمعت للدعاء كاملا، فالرجل يجيد صنعة الإلقاء ، يعرف متى يتشنج ويبكى ويرفع الصوت ويخفضه بحساب ويكرر كلمات محددة ثم يجأر بالاستغاثة فى دعوات بعينها.. يقول” نعوذ بك من علو الفجور وفساد الإعلام «ثلاث مرات» وفساد الأعمال.. والعلمانيين والساسة المخربين والظالمين وموت الحياء ومن جاهلية الحكم والأمراء.. والصفويين واليهود الملاعين، اللهم لاتمكن منا الخونة والفجار وارحم الشباب الحيارى والبنات العذارى وارحم المستضعفين والمأسورين وارحم شهداءنا، وأخيرا.. اللهم أنشر فى مصرنا الأمل والأمان والخير كله وطهرها من الشر كله.. وأتذكر على الفور ما سمعته من دعاء إمام مسجد الرماية منذ دقائق « اللهم طهر بلدنا من الاعلام الفاسد ولا تمكن منا الخونة والفجار وارحم شبابنا» ولاحظت أن كلاهما لم يدع بالاستزادة أو البركة فى أى عمل جيد فى مصر، وكلاهما يحرم ولى الأمر من أى دعاء بالصلاح، ولو بأن يوفقه الله «للعمل بكتاب الله وسنة نبيه»، ربما لأنه لا يعترف بولى الأمر أصلا، ورغم أن كليهما حدد بالاسم فساد الاعلام وفساد الأعمال لم يتطرق بالدعاء للجيش والشرطة بأن ينصرهم الله فى مواجهة أعداء الوطن على الحدود أو يدعو لشهداء الوطن أو للحكام بالتوفيق فى المشروعات الصالحة للبلاد والإنسانية ، وتذكرت أيضا أن خطيب الرماية قد اعتاد عدم الكلام أو الدعاء فى السياسة بشكل صريح،لكنه تلك الليلة بعد الأربع ركعات الأولى التى تلا فيها من الجزء السابع والعشرين وبدلا من أن يشرح آية كما اعتاد منذ أول رمضان من هذا الجزء قرأ فى جلسة الاستراحة آية من سورة البقرة ..«وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَاد» دون أن يذكر مناسبة نزول الآية وخاصة كلمة «تولى» فهى فى سياق الآية الكريمة تتكلم عن المنافق الذى ما أن يعط الرسول ظهره حتى ينقلب الى النقيض وفى سياق حديث الخطيب عن الفساد تفهم أن المقصود بالتولى كان هو ولاية السلطة والمسئولية! ..وما حدث فى الرماية ومصر القديمة حدث بشكل آخر فى مسجد كريستال عصفور وأن الخطيب أبدع فى الدعاء الروحانى لكنه تعمد دغدغة مشاعر الشباب «المظلوم» ودعى لمن أسماهم ب«حراس العقيدة» ولم يدع بتأييد حراس الوطن فى جيش مصر. ومن استعراض مضمون دعاء إمام مسجد الرماية، ودعاء الشيخ جبريل يبدو أن هناك رسالة مشتركة ربما تكون فى جوامع أخرى عن فساد الإعلام والأقلام، وجاهلية الحكم وأن الشهداء هم «حراس العقيدة» وليس شهداء الجيش الذى يحميه ويحمى وطنه! وتذكرت خطبة منذ أربعين سنة للشيخ لطفى بشير يرحمه الله فى مسجد قريتنا، وقد أبكى الناس بشرحه للحديث الشريف الذى روته السيدة عائشة عن دعاء ليلة القدر فقال لها رسولنا الكريم «اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا».. وعبقرية هذا الدعاء أن كل مسلم مأموم خلفه ومهموم يجد فيه مسألته، وليس من الإسلام فى شيء أن يدعو الإمام على فئة أو مهنة دون الأخرى.. على الإعلاميين دون المدرسين أو القضاة مثلا أو يدعو لدواعش الشام، ويترك الذين يمدون الطرق ويعمرون الصحراء فى مصر! ولازلت أذكر حديثا دار مع الدكتور مصطفى محمود فى صالة تحرير الأهرام حين كان يحرص على إحضار مقاله حتى وهو مريض متوكئا على عصاه أو مستندا على اثنين من مساعديه، وعندما سألناه لماذا تصف الملحد فى كتابك «حوار مع صديقى الملحد» بأنه صديقك بدلا من أن تعلن الحرب على الملحدين والكفار واليهود الملاعين؟ فقال يرحمه الله: مثلنا والكفار مثل الغريقين فى بحر واسع هم يستطيعون العوم ونحن «نضبش» فأيهما أنجى وأصلح لنا .. أن ندعو الله ليهلك الكافر فنغرق معا أم نتعلم منه السباحة وبعد النجاة ندعوه للإسلام كما ندعو الملحد لعل الله يستجيب؟!.. وطبقا لدرس الدكتور مصطفى محمود أستعجب لماذا لا ندعو للمنحرفين فى الإعلام والتجارة والأعمال بالهداية بدلا من الدعوة بأن يخسف الله بهم الأرض؟ وأخيرا.. ألست معى فى أن هناك فرق بين أن يخرج المصلون من ليلة القدر وقد اغتسلت نفوسهم وتطهرت بالرحمة والخشوع وبين أن يخرجوا كرات من لهب على استعداد للموت والحرق والاستشهاد والانفجار فى «المجتمع الكافر» الذى ابتلوا به، وأن الدراما التى أحدثها الشيخ جبريل، وأمثاله فى القاهرة ليلة القدر إساءت للدعاء وخرجت عن جوهره الخالص، من العبادة والتطهر والتذلل والطمع فى رحمة الله الى التحريض للخروج على الدولة وجاهلية الحكم وتبرير العنف ضد بعض فئات المجتمع؟ والذين استأمنوا الإمام على الدعاء وأمنوا خلفه وثقوا أنه لن يخون الأمانة ويسخر الدعاء لمصلحة جماعته السياسية التى ينتمى إليها، على طريقة فيلم «طيور الظلام» عندما أمَّن شباب الإخوان بلا وعى خلف عادل إمام وهو يقول «اللهم شتت جمعكم وفرق شملكم وهم يردون كالماكينات: آآمين! وما حدث من انحراف بعض الدعاة لا يختلف كثيرا عن مسلسلات رمضان هذا العام وبرامجه الكئيبة والمكررة المشحونة بالمشاهد العارية والساخنة والترويج للبلطجة والمخدرات والأنانية، وتصور المجتمع المصرى من أسوأ زواياه وخرجت عن الهدف التنويرى للدراما وتجعلنا نشتاق لأيام الشهد والدموع وليال الحلمية وقصص الأنبياء وذئاب الجبل، ونترحم على بطل أيامنا الحلوة. لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف