أبرز المرشحين على مقعد نقيب المجالس الفرعية بانتخابات المرحلة الأولى للمحامين    الري تفتح مفيض توشكى لاستيعاب تدفقات مفاجئة من السد الإثيوبي    الكاتدرائية المرقسية تحتفل بمرور 17 قرنًا على انعقاد مجمع نيقية المسكوني الأول    الحلم النووي صار حقيقة    2000 كيلومتر تضم 60 محطة لربط مناطق الإنتاج بمراكز التصدير    حماس تتهم إسرائيل بتقويض اتفاق وقف إطلاق النار وتدعو إلى تدخل عاجل من الوسطاء    اسرائيل تعلن مسؤليتها عن اغتيال عنصرين من حزب الله بجنوب لبنان    رئيس الوزراء الهند يلتقي نظيره البريطاني والأمين العام للأمم المتحدة في جوهانسبرج    الجيش الهولندي يطلق النار على طائرات مسيرة فوق قاعدة جوية قرب الحدود الألمانية    كرة سلة – الاتحاد السكندري يهزم الأهلي في ذهاب نهائي المرتبط    وزير الصحة ينعى اثنين من كوادر القطاع الصحي بالغربية    سيف زاهر: ديانج يطلب 2 مليون دولار سنويا لتجديد تعاقدة مع الأهلى    مصرع طالب في حادث سير بالطريق الصحراوي الغربي بقنا    مصطفى حسنى للمتسابق عطية الله رمضان: ربنا ينوّلنا صحبتك فى الدنيا والآخرة    مخرجة فيلم دخل الربيع يضحك: رميت السيناريو بعد التدريب.. وخليت الممثلين يعيشوا القصة من خيالهم    حكاية أثر| "تماثيل الخدم في مصر القديمة".. دلالاتها ووظيفتها داخل مقابر النخبة    رمضان 2026 - أحمد أمين ودنيا سامي في كواليس "النص 2"    عبير فاروق: محمد صبحي علّمني التمثيل ووقف جنبي في أصعب الظروف    كمال أبو رية: الشغل مع عادل إمام ممتع.. هذا موقف من أدوار البلطجة    المتحدث باسم الصحة: الإنفلونزا A الأكثر انتشارا.. وشدة الأعراض بسبب غياب المناعة منذ كورونا    طريقة مبتكرة وشهية لإعداد البطاطا بالحليب والقرفة لتعزيز صحة الجسم    خوري والسقا يبحثان ترتيبات احتفالات عيد الميلاد في الأراضي الفلسطينية    مانشستر سيتي يسقط أمام نيوكاسل 1-2 بمشاركة محدودة ل مرموش.. فيديو وصور    جدول زمني للانتهاء من مشروعات الصرف الصحي المتعثرة بالقليوبية    شاهد.. برومو جديد لمسلسل "2 قهوة" قبل عرضه على dmc    "الوطنية للانتخابات" تدعو المصريين بالداخل للمشاركة في المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب    مخاوف من انفجار مواد خطرة.. آخر تطورات حريق بسفينة حاويات بميناء لوس أنجلوس    مصرع وإصابه 4 أشخاص في حادث تصادم بالمنوفية    حزب الجيل: فضيحة السويد تؤكد جرائم الإخوان الإرهابية بعملية احتيال واسعة النطاق    بعبارات فكاهية.. مراد مكرم يداعب متابعيه بمقطع فيديو من جريمة قتل «ورد وشوكولاتة»    شلل مرورى بالطريق السياحى اتجاه المنيب والمعادى وتوقف تام لحركة السيارات.. صور    30 ديسمبر.. الحكم على 9 متهمين فى خلية شبكة العملة    الشوط الأول| ريمونتادا بايرن ميونخ أمام فرايبورج في الدوري الألماني    أهالى القفايطة بنصر النوبة يشكرون الرئيس السيسى بعد تحقيق حلم تركيب الكهرباء والمياه    مرموش بديلا في تشكيل مانشستر سيتي لمواجهة نيوكاسل بالبريميرليج    جهود صندوق مكافحة وعلاج الإدمان في مواجهة المخدرات وحماية الشباب خلال أسبوع    مفتي الجمهورية: خدمة الحاج عبادة وتنافسا في الخير    الزراعة: زيادة إنتاج مصر من اللحوم الحمراء ل600 ألف طن بنهاية 2025    مصر تبحث مع نيجيريا تعزيز التعاون فى مجالات الزراعة والدواء والطاقة والإنشاءات    الرعاية الصحية: أعظم الطرق لحماية الصحة ليس الدواء لكن طريقة استخدامه    الهلال بالقوة الضاربة أمام الفتح بالدوري السعودي    غنيم: خطة الصناعة لتحديد 28 فرصة استثمارية خطوة استراتيجية لتعزيز التصنيع المحلي    معهد بحوث الإلكترونيات يستضيف ورشة دولية حول الهوائيات والميكروويف نحو مستقبل مستدام    لاعب الاتحاد السكندري: طموحاتي اللعب للثلاثي الكبار.. وأتمنى استمرار عبد الرؤوف مع الزمالك    سفير مصر بنيوزيلندا: ثاني أيام التصويت شهد حضور أسر كاملة للإدلاء بأصواتها    حبس المتهمين بالاعتداء على أطفال المدرسة الدولية بالسلام 4 أيام على ذمة التحقيقات    وزيرة التخطيط تشهد الحفل الختامي لجوائز مصر لريادة الأعمال    زجاجة مياه تتسبب في فوضى بعد قمة عربية بدوري أبطال أفريقيا    لحجاج الجمعيات الأهلية .. أسعار برامج الحج لموسم 1447ه – 2026 لكل المستويات    الزراعة تطلق حملات توعوية مكثفة لتعزيز الأمن الحيوي في قطاع الدواجن المصري    الوطنية للانتخابات: بدء فرز الأصوات بنيوزيلندا.. والكويت الأعلى تصويتا حتى الآن    دولة التلاوة.. أصوات من الجنة    طقس الإسكندرية اليوم: ارتفاع في الحرارة العظمى إلى 29 درجة مئوية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    الآن.. سعر الجنيه الذهب اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة قنا    وزارة الصحة توجه رسالة هامة عن تلقى التطعيمات.. تفاصيل    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    عضو "الشؤون الإسلامية" يوضح حكم التعامل مع الدجالين والمشعوذين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فن عصرنة وإرهاب
نشر في الأهرام اليومي يوم 16 - 07 - 2015

كان يمكن أن يرقد جثمانه فى تابوت أنيق فى كنيسة جميلة وتعزف الألحان وتغنى الترانيم الجنائزية ويدفن فى مقبرة تحت الصليب بقرب أمه وأبيه وأجداده,أو فى مقبرة لكسمبورغ الجميلة فى باريس,لكنه رقد أمام صلاة الجنازة فى جامع,وورى الثرى فى مقبرة ما فى السيدة نفيسه فى القاهرة.
عمر الشريف حياة وموت يدعوان للتأمل.ازدوجت حياته بالاختيارات:من المسيحية إلى الإسلام,ومن تجارة الأخشاب إلى السينما,ومن الجذور اللبنانية إلى المصرية,ومن السينما المصرية إلى العالمية وربما ازدوجت جنسيته أيضا.وحتى فاتن حمامة حب حياته وزوجته الوحيدة المعروفة للعالم كانت من برج الجوزاء فيما كان هو من برج الحمل النارى.صنع حياة مختلفة لفنان عربى فقد سطع اسمه فى العالم وتجاوز فنه كل محلية وتصدرت أخباره كأشد النجوم وسامة العالم.لعب البريدج وصاحب نجمات هوليوود وعشق سباق الخيل وباريس وقدم شخصيات من كل مكان فى العالم من در زيفاجو الروسى إلى شى غيفارا اللاتينى إلى البدوى والأمريكى والبريطانى وغيرها من شخصيات.لكنه طوال الوقت كان يهذى بجذوره وبمصر ويحب أن يردد قصة حبه لزوجته السابقة فاتن حمامة حتى آخر عمره.
سنواته الأخيرة مؤلمة نفسيا له,صورة تكررت لأخطاء صغيرة وعصبية وحالة ذهنية مشوشة.فقد كل من أحبهم من أصدقاء من أحمد رمزى ويوسف شاهين وفؤاد المهندس ومعشوقته فاتن حمامة فكيف لا يصاب بالزهايمر والإكتئاب؟!وما الحياة بدون من نحبهم وما نتذكره من علامات طريق وبشر وحياة.لا المجد ولا الشهرة ولا المال ولا سياحة العالم تعوضنا عن ذلك الحب الشخصى العزيز على النفس والذى نراه فى بريق أعين من عرفونا وعرفناهم وكانت المحبة طريقنا معا لزمن طويل.
فاتن حمامة جسدت الأنوثة العصرية بإمتياز مع جيل من ممثلات أخريات كنادية لطفى وشادية وزبيدة ثروت وهند رستم وناريمان وزهرة العلا وسعاد حسنى وميرفت أمين ونجلاء فتحى وغيرهن من بنات عصرها وما بعده بقليل.وعمر الشريف جسد عصرية الرجل الشرقى على الشاشة مع زملائه مثل رشدى أباظة وكمال الشناوى وصلاح ذو الفقار وعماد حمدى وغيرهم.لقد غيرت السينما العربية طوال عقود من الزمان نمط الحياة ومفاهيم الأنوثة والذكورة وعصرنت المجتمعات العربية بطريقة حياتها وقصص التمرد والحب والتحولات الإجتماعية والسياسية كما قد فعلت روايات إحسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ ويوسف السباعى وغيرهم على الشاشة الفضية.لم يعد البيت العربى معزولا عن أفكار هذه النخبة الفنية والأدبية فى كل الدول العربية,فحتى موديلات الملابس والأزياء وديكورات المنازل بل حتى تعبيرات الحب وقصص الغرام كانت صدى لذلك الذى تطرحه الشاشات والأغانى والكتب العصرية فى ذلك الزمان.من لم يحب على وقع غناء أم كلثوم وعبدالحليم حافظ وفريد الأطرش ونجاة الصغيرة,ومن لم تحلم بفساتين ليلى مراد وصباح وفاتن حمامة ,ومن لم يكن فتى أحلامها يشبه رشدى أباظة وعمر الشريف من الأجيال السابقة؟
كانت جنازات الفنانين جنازات أحلام وصداقة ومحبة بين الجمهور والفنان كما حدث فى جنازات أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ بل جنازة سعاد حسنى وفاتن حمامة وغيرهم.كان وداعا من القلب لفترة زمنية وذكريات وجدانية عاشتها أجيال ما.كان هناك مكان للحزن والدموع بل والإنتحار أحيانا كما فعلت فتيات ألقين بأنفسهن من الشرفات عندما مات عبدالحليم حافظ مثلا.
عاد عمر الشريف ليقضى سنواته الأخيرة فى مصر وليموت ويدفن فيها كما قد نقل عنه.ولكنها مصر الذاكرة والمشاعر القديمة الحلوة التى صاحبته فى تنقله بين القارات.لم يعد إلى بيت بل إلى فنادق,ولم يعد إلى أصدقاء فقد ماتوا,ولم يعد إلى عائلة ففاتن قد تركته منذ سنين طويلة وماتت هى أيضا.
فى الأسابيع الأخيرة من حياته,كانت التفجيرات تضرب القاهرة من مصر الجديدة إلى وسط البلد,وكانت سيناء تشتعل بالإرهاب أيضا,وضرب زلزال القاهرة كما ضربتها رياح عاصفة.مبنى المركز الثقافى الإيطالى التاريخى قد هشمته التفجيرات,كما قد فعلت قبل ذلك بالعديد من الكنائس ومراكز الشرطة ومبان أخرى.
هذه ليست مصر الأربعينيات والخمسينيات التى عاشها عمر الشريف وفاتن حمامة المسلمة والمسيحى الذان تزوجا وأنجبا بشكل عادى جدا فى بلد متسامحة وعصرية ومتقدمة تحلم بالذهاب أكثر نحو التطور والحداثة والتعايش.ليست مصر أفلام الأبيض والأسود المترعة بالأناقة والرومانسية وحفلات الرقص والغناء وشياكة الشباب وأناقة النساء الأوروبية والعشق فى حديقة الأسماك والسهر فى الأوبرج.هذه مصر أخرى أفلامها ومسلسلاتها تمتلئ بوجوه فظة عن قصص القتل والدعارة والمخدرات والإرهاب والكيف والكوميديا الثقيلة برجال لا وسامة لهم إطلاقا ونساء منفوخات بإبر البوتكس والفيلينج والمكياج الثقيل والشتائم والسباب فى مسلسلات وأفلام يشاهدها الأطفال قبل الكبار.عصر المطاوى والسينج والجرائم السايكوباتية.
هذه شاشات تتحدث عليها أفواه فاغرة شفاهها عن كلمات الحرام والحلال وعذاب جهنم وكارهة لغير المسلمين وللمسلمين أيضا.شاشات تنقل القتل وقطع الرقاب وتدمير المدن وفتاوى ضد الحداثة والعصرنة وتحرير المرأة وحرية الإنسان على الهواء مباشرة.زمن نجومه بوحة وصافى ناز وداعش والغبراء وشوارع مهلهلة وإعلانات تجمع التبرعات لمرض السرطان وأطفال الشوارع جنبا إلى جنب مع إعلانات العقارات الفاخرة والمقوى الجنسى وعمليات التجميل!
بالتأكيد ليس زمن فاتن حمامة ولا عمر الشريف ولا نجيب محفوظ ولا إحسان عبدالقدوس ولا فاروق ولا جمال عبدالناصر ولا عبدالحليم حافظ ولا فيروز ولا أمل دنقل ولا نزار قبانى.رحم الله الزمان ورحم كل رموز الحداثة والعصرية والتحضر العربى الذى نودعه يوما بعد يوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.