ورد هذا التعبير في القرآن ثلاث مرات مرتبطا بالرزق، والنصر، والتمكين، ليأخذ بيد كل مؤمن إلى أن قدرة الله تعالى تعمل لصالحه، فيما لو أعوزته الأسباب.. وإنه لأمر شديد أن يُؤتى المرء من مأمنه، من حيث لا يشعر، وفرح عظيم أن يأتيه الخير من حيث لا يرجو. في المرة الأولى قال تعالى: "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا".(الطلاق: 2- 3). قال بعض السلف: "مَخْرَجًا": أي من كل ما ضاق علي الناس، وهذا هو الفرج، والنصر، والرزق"، بحسب ابن تيمية، في "مجموع الفتاوى". ويتسع مفهوم "الرزق" لجلب كل خير، ودفع كل شر، فالمرء يأخذ بالأسباب، لكن رب الأسباب يرزقه من حيث لا يدري. الآية الثانية قوله تعالى: "هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ".(الحشر: 2). الآية تتحدث عن يهود بني النضير، الذين نقضوا عهدهم في يثرب، وظنوا أن حصونهم التي شيدوها، تمنعهم من الانتقام الإلهي، لكنَّ الله القوي القادر، "أتاهم من حيث لم يحتسبوا". قال صاحب الظلال: "أتاهم من داخل أنفسهم، لا من داخل حصونهم.. أتاهم من قلوبهم فقذف فيها الرعب, ففتحوا حصونهم بأيديهم، وأراهم أنهم لا يملكون ذواتهم, ولا يحكمون قلوبهم, ولا يمتنعون على الله، بإرادتهم، وتصميمهم، فضلا على أن يمتنعوا عليه ببنيانهم، وحصونهم". الآية الثالثة قوله تعالى: "وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ".(الزمر: 47). قال ابن رجب: "هذه الآية كانت تشتد على الخائفين العارفين، فإنها تقتضي أن من العباد مَن يبدو له عند لقاء الله تعالى ما لم يكن يحتسب". وقال الفضيل بن عياض: عملوا أعمالاً، وحسبوا أنها حسنات فإذا هي سيئات. وقيل: عملوا أعمالا توهموا أنهم يتوبون منها قبل الموت فأدركهم الموت قبل أن يتوبوا. "ولو أن للذين ظلموا": أنفسهم بالشرك، والمعاصي. "وبدا لهم ما لم يكونوا يحتسبون": "أي: وظهر لهم من عذاب الله ما لم يكونوا يظنونه. "وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون"، أي: أحاط بهم العذاب الذي كانوا يستهزئون به في الدنيا، وفق "أبي بكر الجزائري". والأمر هكذا: هون عليك يا صديقي، وعش حياتك بيقين، ولا تتوتر أبدا.. ارض بأقدارك، وخذ بالأسباب، وتسلح بتقوى الله، ولا يتطرقن إليك شك -بعد ذلك- في رزق الله، وتمكينه، ونصره. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد