«لا شيء أسوأ من أن تنام وأنت تعلم أنك ستستيقظ في رعب علي صرخات من تحب.. يأتي الصباح فأجد «قمر» في أسوأ حالاتها بين الإنهاك والألم. أصبح هذا يحدث كل يوم. أو أجدها تصرخ بسبب ما تفعله أمها «بلبل» حيث إنها سرقت أولادها وأخذت مكانها. كلما اقتربت «قمر» تهجم عليها وتعضها وتخربشها في وجهها الذي صار كله ندوبا وجروحا حمراء». أهدتني الكاتبة الكريمة الأستاذة مريم البنا، كتابها الخاص «قمر - رواية - وكالة اسفنكس للنشر في 2014». الكتاب رواية موجعة مكون من 69 قطعة قصيرة تجعلك تعيش محنة سيدة رقيقة المشاعر تجاه مجموعة الكلاب التي أحبتهم، وحاولت رعايتهم وإنقاذهم من قسوة حياة الشارع، والأطفال العابثين وكلاب جهنم المتوحشة، والسيارات التي تدهس من يأتي في طريقها وتصحن أطرافهم مع أسفلت الشوارع. الكلاب نجاسة، بدل ما ترعي وتطعمي الكلاب هناك فقراء جائعون حول الترب، ولكن هناك من الجيران من يشاركها هذا الحب وهذه الرحمة علي الحيوان الجميل الذكي. الروح التي تحب وتكره وتفهم. روح المصري القديم وهي واقفة أمام المحكمة قبل أن تسمح لها الآلهة أن تعبر إلي الخلود تردد في دفاعها عن نفسها «لم أكن سببا في دموع إنسان، أو شقاء حيوان، كما لم أعذب نباتا بأن لا أسقيه ماء». تقول: في لحظة عشق أسميتها «قمر» رأيتها تقف علي الرصيف كقمر جميل في السماء، أسميتها «قمر». أصبحت مصدر سعادة كبيرة لي. كلما رأتني قادمة تهرع ناحيتي وكانت تبدو كغزالة بيضاء أو كباليرنا شعرها ذهبي تمشي علي أطراف أصابعها». هناك «بلبل» أسميتها كذلك في لحظة حنان. «وظريف» إبني الثالث بعد قمر وبلبل.. ثم يأتي «سكر» و«براون».. وتدخل مع الكاتبة في غابة من المشاعر المتناقضة: من الحنان، والقسوة والغباء، والرحمة. لست في حي عشوائي ولكنك في تجمع سكني راق حيث يقطن أصحاب المهن العالية والعربات الفاخرة ومع ذلك فإن المقاطع المتسارعة تدخل بك إلي مذابح للحيوانات التي تكاد تصرخ لو استطاعت: ماذا حدث للبشر متي صار دينهم القسوة لا رب ولا نبي لهذا العنف الذي ليس في الشارع أو في الحي أنه داخل البيوت وفي كل العالم. و«تهيم راوية قمر» خلفها وخلف أبنائها بين عجلات السيارات «عجلات القدر» وسخريات المارة وشكوي الجيران. تهيم وتدور حاملة الحنان والطعام والماء واللبن لتدوس السيارات قلبها كل يوم»: «يا ميت ندامة ع اللي قلبه حنون». هناك طبيب بيطري إنسان تحبه صاحبته «قمر» وتسمع حكايته من والده والكلب الذي رفض أن يموت إلا عندما وضع رأسه في حضنه. وهناك طبيب آخر «جزار» اقتلع أسنان الكلب كلها دون مخدر وأجري له عملية إخصاء وخرج الكلب من غرفته غارقا في الدم. في وسط هذا الحي الراقي من المفروض أن تكون مساحة خضراء حديقة: «... أخذنا نبحث في الحدائق. وهي ليست حدائق بالمعني التقليدي بل هي أشباح حدائق فالشجر رمادي مهمل وفروعه ميتة مهجورة». «لدي رغبة شديدة في كتابة هذه القصة التي لا أعرف إذا كانت ستري النور أم أن البرج الوحيد الباقي في عقلي سيطير قبل أن أجد السكينة لأمسك القلم». يتصاعد ألم عاشقة «قمر» وأحداث مجموعة الكلاب تتصاعد حتي تجد نفسها أمام «قمر» وقد أنجبت 8 جراء جديدة. والعنف ضدها يتصاعد ولن تجد مكانا يستر هذه الأم وأطفالها لم تجدي المستشفيات العامة وكذلك ا لجمعيات الخاصة التي قد تعالج ولكنها لا تقبل الإيواء. وكأن السماء قد تدخلت فوضعت في طريقها راهبا من وادي النطرون يبحث عن مجموعة من الكلاب ليقيموا ويحرسوا الدير. ألم أقل لك: إن رحمته وسعت كل شيء. قدمت الأستاذة مريم البنا عملا خاصا لكاتبة تحمل روحا إنسانية نادرة. هو عملها الثالث بعد «تسمح كتفك من فضلك» و«رائحة الوجه القديم». إلا أن رواية قمر تحمل قدرا لافتا من الإنسانية والمقدرة علي الأداء البسيط الذي يلمس القلب. لمزيد من مقالات علاء الديب