لا يختلف اثنان حول أهمية وضرورة اصدار قانون مكافحة الإرهاب خاصة فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخ أمتنا المصرية، ولذلك قد يبدو مستغربا الموقف الذى تبنته بعض النقابات والهيئات من المشروع المقترح، والذى يبدو منه للوهلة الأولى أنها ترفض هذا المشروع وهو غير صحيح، اذ ان الأمر لايعدو مجرد خلافات فى وجهات النظر حول بعض الأمور الجوهرية والاساسية ويأتى على رأسها غياب قانون لحرية تداول المعلومات، رغم النص الدستورى على ذلك. فالمعلومات أصبحت مسالة جوهرية وأساسية وضرورية ومهمة لجميع المجتمعات المتقدمة والنامية على السواء. فعندما تكون قواعد اللعبة السياسية والاقتصادية المتبعة فى تسيير شئون الدولة واضحة وظاهرة للجميع فإن ذلك يساعد المواطنين والمهتمين جميعا على متابعة مايحدث بطريقة صحيحة.ويضمن السير بالعملية الديمقراطية فى مسارها الصحيح ، وعلى الجانب الآخر فإن ضمان كفاءة آلية السوق بما يعنيه ذلك من توفير الظروف التى تجعل تفاعل العرض والطلب يتم فى إطارحقيقى مع ضمان التخطيط الاستثمارى السليم لا تتم إلا عن طريق توفير البيانات والمعلومات الأساسية عن القطاعات الاقتصادية بالمجتمع, وذلك بالشكل الذى يمكن الجميع من إجراء دراسات الجدوى السليمة والصحيحة. كما انها من جهة اخرى تساعد المواطنين على معرفة الأوضاع العامة للشركات والمؤسسات المالية وغير المالية.وبالتالى فهى مسألة حيوية للتنمية. لذلك اهتمت المؤسسات الدولية الرسمية وغير الرسمية بهذه المسألة وتزايدت الدعوة الى نشر المعلومات بطريقة سهلة ومبسطة فنصت (المادة 13) من اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد، على انه ولتدعيم مشاركة المجتمع ينبغى اتخاذ التدابير اللازمة لتعزيز الشفافية فى عمليات اتخاذ القرار وتشجيع اسهام الناس فيها (فقرة أ)، وكذلك ضمان تيسير حصول الناس فعليا على المعلومات(فقرة ب)، واحترام وتعزيز وحماية حرية إلتماس المعلومات المتعلقة بالفساد وتلقيها ونشرها وتعميمها، ويجوز اخضاع تلك الحرية لقيود معينة شريطة ان تقتصر هذه القيود على ماينص عليه القانون، وماهو ضرورى لمراعاة حقوق الآخرين اوسمعتهم ، ولحماية الامن الوطنى او النظام العام او لصون صحة الناس واخلاقهم (الفقرة د). وهنا تجدر بنا الاشارة الى ان البعض يتصور ان الحديث عن المعلومات يتناول فقط البيانات الاقتصادية للدولة مثل الناتج القومى او العمالة او اوضاع ميزان المدفوعات والموازنة العامة للدولة وغيرها من البيانات والمؤشرات الاقتصادية ، وهو تصور خاطئ بالأساس اذ ان المقصود بالمعلومات هو جميع البيانات والاحصاءات التى يحتاجها المواطن وتشمل بذلك التشريعات المنظمة لعمل جهات الدولة وكذلك اللوائح والقرارات الوزارية والادارية، جنبا الى جنب مع الاوضاع المالية للمؤسسات مثل الميزانيات العمومية وتقارير مراقبى الحسابات، بالإضافة الى السيرة الذاتية للقائمين على شئون الحكم بالمعنى الواسع لهذه الكلمة. وجدير بالذكر ان نسبة غير قليلة من البلدان التى وضعت قوانين لحرية تداول المعلومات قد اقتصرت على الجانب الحكومى او شبه الحكومى دون الاهتمام بالشركات الخاصة او مؤسسات المجتمع المدنى او الجهات غير الخاضعة للحكومات، وهذا تصور قاصر اذ اننا نرى انه فى ضوء الدور المهم والحيوى الذى يلعبه القطاع الخاص فى هذه الآونة فانه يصبح من الضرورى ادخال هذه المؤسسات فى العملية، مع وضع الضوابط العملية المنظمة لذلك الأمر، وبما يضمن حق هذه الشركات فى الحفاظ على أسرارها التجارية. من هذا المنطلق فقد أجمعت المواثيق والاتفاقات الدولية والاعراف المنظمة لعملية تداول المعلومات على عدد من المبادئ العامة التى يجب توافرها لكى تتحقق المعرفة التامة بالأوضاع داخل الدولة والمؤسسات العاملة فيها،واهمها الكشف المطلق عن المعلومات اذ ان المبدأ الأساسى الذى يجب ان يشيع هو حق المواطن فى الحصول على المعلومات التى يطلبها، الا فى حالات محددة بالقانون على سبيل الحصر. ونظرا للأهمية القصوى لهذا المبدأ فقد اجمعت الاتفاقات الدولية على ضرورة ان يضاف هذا المفهوم الى دستور البلاد، لكى يصبح حقا من الحقوق الاساسية،وبالمثل يعد حجب المعلومات عن المواطنين من الجرائم التى يعاقب عليها القانون. ويجب ان تضمن الدولة النشر الواسع للمعلومات واتاحتها للجميع، دون تفرقة، بجميع الوسائل الممكنة (مثل التوسع فى النشر الإلكترونى او النشر الإعلامى اوغيرهما من الوسائل) بحيث يصبح الاصل هو الاتاحة. على ان يكون النشر فى صيغ مبسطة يسهل فهمها للجميع. وهو مايتطلب قيام الجهات المعنية بنشر جميع المعلومات الاساسية الخاصة بالعمل والقوانين واللوائح المنظمة لها وكذلك الاوضاع المالية والخدمات التى تقدم للجمهور وسبل الحصول عليها وتكلفتها المالية، ان وجدت. مع ضرورة ان تخضع المعلومات الى مراجعة دورية كى تؤخذ بعين الاعتبار التغييرات فى طبيعة المعلومة المحتفظ بها. ومن هنا يمكن تصنيف المعلومات الى درجات سرية معينة بحيث يتم الافراج عنها وفقا لمدد زمنية محددة طبقا لدرجة السرية هذه. وهنا يثار الجدل حول الاستثناءات اذ يخشى البعض أن يمثل هذا المبدأ ذريعة للدول لإفراغ القانون من مضمونه، عن طريق وضع الكثير من المسائل المهمة فى إطار الاستثناء. ولهذا السبب تم وضع العديد من القيود على هذا المبدأ بحيث تضمن استخدامه فى الأغراض التى خصص لها، والتى تستهدف حماية المصالح السرية المشروعة فى مجالات الأمن القومى والنظام العام والاخلاق العامة الى جانب الحق فى الخصوصية وحقوق وسمعة الآخرين. وبالتالى فإن الاستثناءات تكون فى الحالات التى سيكون فيها للإفصاح ضرر كبير على المصلحة الوطنية او سيؤدى الى الحاق الضرر بمنع وقوع جرائم، مع مراعاة ضرورة النص على هذه الامور صراحة وعلى وجه التحديد والقطع وليس على سبيل المثال. ولذلك كله تتطلب حرية المعلومات وضع نظم قانونية توضح سبل حصول الافراد على المعلومة اما بإنشاء جهاز مستقل يتولى هذه المسألة او عبر الاجراءات القانونية التى تمكن الافراد من الحصول على المعلومة واللجوء الى القضاء فى حال عدم التمكن من ذلك شريطة ان يتم كل هذا فى غضون فترات زمنية قصيرة منصوص عليها فى القانون. على ان تكون هذه الاجراءات بسيطة وسريعة ومحدودة التكلفةاو بالمجان. كما تتطلب وضع اطر قانونية جديدة تضمن الحماية الكاملة للشهود والمبلغين الذين يكشفون، بحسن نية، معلومات او بيانات تتعلق بالفساد او ممارسات سيئة من شأنها الاضرار بالمؤسسة، والنص صراحة على عدم تعرضهم لاى عقوبات قانونية او ادارية او وظيفية، او اى ضرر شخصى لهم وكذلك لأقاربهم وسائر الأشخاص وثيقى الصلة بهم. لكل ما سبق يصبح من الضرورى الإسراع بإصدار قانون حرية تداول المعلومات وفقا للمبادئ السابقة وبما يضمن القضاء على العديد من المشكلات الراهنة ويحد كثيرا من الشائعات والأمور الأخرى التى تضر الأمن القومى للبلاد والعملية التنموية. لمزيد من مقالات عبد الفتاح الجبالي