طالب خبراء إعلام وعدد من ممثلي الأحزاب السياسية ونشطاء لحقوق الإنسان الحكومة بمراجعة كافة قوانينها وإجراءاتها لضمان تبني سياسة الإفصاح كمفهوم أساسي يحكم نشر وتداول المعلومات التي هي حق للجميع. وأن يكون عدم الإفصاح أو الحجب هو الاستثناء، مؤكدين ضرورة عدم التوسع في مفهوم الأمن القومي على نحو يجور على حقوق الأفراد في تداول المعلومات وما يحتاجه المجتمع من حرية في هذا التداول كشرط للتنمية والتقدم ، والبحث عن نقطة التوازن الملائمة بين توسيع حرية المواطن في المعرفة والتعبير وبين الحفاظ على الأمن القومي بمعناه الحقيقي، جاء ذلك في ختام الحلقة النقاشية التي عقدتها المنظمة المصرية أمس تحت عنوان "نحو مجتمع معلوماتي حر"، وذلك في إطار مشروع “الشبكة العربية للدفاع عن الحق في الحصول على المعلومات وتداولها” والذي تدعمه مؤسسة بايستر التابعة لجامعة كاليفورنيا الأمريكية. أكد حافظ أبو سعده رئيس المنظمة أن حرية تداول البيانات والمعلومات حق أصيل للمجتمعات والشعوب، وتأكيداً لمبدأ الشفافية والحكم الرشيد ومكافحة الفساد ، ومسايرة للتطورات العالمية التي تدعو إلى الحق في الحصول على المعلومات والبيانات في التوقيت المناسب ، مما يساهم في خلق بيئة مناسبة للتنمية المستدامة ولتكافؤ الفرص والعدالة،وصولاً إلى"مجتمع معلوماتي حر". أما بالنسبة للحالة المصرية ، فأوضح أبو سعده أن الدستور المصري قد كفل حرية إبداء الرأي لكل إنسان والتعبير عن رأيه ونشره بالقول أو بالكتابة أو غير ذلك في حدود القانون وذلك في المادة (47) منه،ولكن بمراجعة الواقع ، نجد أن النظام القانوني قد حفل بالعديد من النصوص التي تجافي مبدأ حرية الحصول على المعلومات ، حيث تضمن قانون العقوبات رقم 57 لسنة 1937 العديد من المواد التي تعاقب على نشر المعلومات التي تؤدي إلى تهديد النظام الأساسي للدولة ، كما عاقب على إفشاء الأسرار دون تعريف واضح لمعنى السر ، كما عاقب على نشر أخبار صحيحة أو كاذبة عن جرائم الإضراب .وضرب رئيس المنظمة العديد من الأمثلة على القوانين المصرية التي تحد من تداول المعلومات، بل والبعض منها يمنع الإفصاح عن المعلومات بشكل كامل ، ومن أمثلتها: القانون رقم 121 لسنة 1975 والمعدل بالقانون رقم 22 لسنة 1983، وقرار رئيس الجمهورية رقم 472 لسنة 1979 بشأن المحافظة على الوثائق الرسمية وللدولة وتنظيم أسلوب نشرها.وهناك أيضاً القانون رقم 356 لسنة1954 ، والقانون رقم 35 لسنة 1960 بشأن الإحصاء والتعداد ، وقانون العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978 ، وقانون المخابرات العامة رقم 100 لسنة 1971. وجاءت ورقة أ.نجاد البرعي المحامي بالنقض بعنوان "إتاحة المعلومات وحماية الأمن القومي ...تجسير الفجوة" مشدداً على أن إطلاق حرية تداول المعلومات بكل الطرق والوسائل ودون حدود أو قيود هو الشرط الأول لمكافحة الفساد، ودعم الحكومة الصالحة، الأمر الذي يعزز من تقدم الأمة،ويحفظ لها ثرواتها ومواردها البشرية والمادية،مؤكداً أنه لا يمكن وصف أي مجتمع بأنه مجتمع ديمقراطي أو يتحول إلى الديمقراطية، طالما ظلت حرية التعبير وتداول المعلومات فيه مطاردة مهزومة بفعل قوانين جائرة. وطالب البرعي بمراجعة البنية التشريعية المصرية الخاصة بحرية تداول المعلومات ، والتي تخالف في الجوهر أو المظهر نصوص العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية وغيرهما من المعاهدات الدولية التي صدقت عليها مصر واعتبرت وفقا لنص المادة 151 من الدستور بمثابة تشريع داخلي ، مضيفاً أن استمرار إعلان حالة الطوارئ وبالتالي سريان العمل بقانون الطوارئ يزيد من تسميم المناخ المسمم أصلا ضد حرية تداول المعلومات. واقترح البرعي تشكيل مجموعة عمل برئاسة رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس القضاء الأعلى ويشارك في عضويتها خبراء قانونين ترشحهم منظمات حقوق الإنسان ، وخبراء من إدارة التشريع بوزارة العدل ، وخبراء قانونين أعضاء في البرلمان ، وقضاة من المحكمة الدستورية العليا ، مع خبراء قانونين دوليين ترشحهم الأممالمتحدة ، لتقوم تلك اللجنة وفي خلال ثلاث سنوات من تشكيلها بحصر ومراجعة جميع القوانين المصرية المنظمة لحرية تداول المعلومات وحفظ الأسرار وغيرها ، ومطابقتها على العهد نصوص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وغيره من المواثيق والاتفاقيات الدولية ، والتقدم بتعديلات تشريعية تنطوي على إلغائها ،ووضع تشريع جديد لتداول المعلومات وحفظها يكون مستمدا من خبرات الدول الديمقراطية في هذا المجال ويحتوي على الخصوص على تعريف لماهية السر ، ووضع تعبير منضبط لمعنى كلمة النظام العام والآداب العامة والأمن القومي ، ومصالح الدولة العليا، بما يجعل تلك المعاني محددة بما يجعلها صالحة لترتيب جزاء جنائي على مخالفتها ، مطالباً بوضع ترتيبات قانونية لطريقة طلب المعلومات والحصول عليها والجهة التي يجري التظلم أمامها من رفض إعطاء المعلومات ، والطعن على القرار وغير ذلك، وإلغاء جميع القيود القانونية أينما وردت تضع قيودا على تملك أو إدارة أو استيراد أو تصدير أو استعمال أدوات التعبير من صحف أو كتب أو مطبوعات، وكذلك تملك الصحف ووسائل الأعلام المسموعة والمسموعة المرئية وغيرها ، وإبلاء اهتمام خاص بوضع ضمانات إضافية علي حق الإبداع من خلال السينما والمسرح وغيرها . أما الورقة الثانية فأعدها أ.عصام شيحه عضو الهيئة العليا لحزب الوفد وجاءت بعنوان " البيئة والحق في الحصول على المعلومات وتداولها "،وعرف فيها البيئة بأنها العلم الذي يدرس علاقة الكائنات الحية بالوسط الذي تعيش فيه ويهتم هذا العلم بالكائنات الحية وتغذيتها، وطرق معيشتها وتواجدها في مجتمعات أو تجمعات سكنية أو شعوب، كما يتضمن أيضاَ دراسة العوامل غير الحية مثل خصائص المناخ )الحرارة، الرطوبة، الإشعاعات، غازات المياه والهواءوالخصائص الفيزيائية والكيميائية للأرض والماء والهواء) ، مؤكداً أن هناك ارتباط بين البيئة والحق في الحصول على المعلومات لذلك وضعت الأممالمتحدة هذه المبادئ التوجيهية الاختيارية كإرشاد عام للدول، وأساساً للبلدان النامية، في حالة طلبه تعزيز فعالية تنفيذ التزاماتها بالمبدأ 10 من إعلان ريو بشأن البيئة والتنمية لعام 1992 في إطار تشريعاتها وعملياتها الوطنية، فقد وضعت مجموعة من المبادئ لتسهيل الحصول على المعلومات بصورة عريضة وصحيحة والمشاركة العامة والوصول إلى العدالة في القضايا البيئية وتناول شيحه موضوع الإعلام البيئي بأنه تخصص جديدا في مجال الأعلام، بدأ ينمو في مطلع السبعينات وهو تعبير مركب من مفهومين، هما الأعلام والبيئة، فالإعلام هو الترجمة الموضوعية والصادقة للأخبار والحقائق وتزويد الناس بها بشكل يساعدهم على تكوين رأي صائب في مضمون الوقائع، وأما البيئة فهي المحيط الذي يعيش فيه الإنسان ، وتأثير الموجودات التي تؤثر على حياته، ويعتبر الأعلام أحد المقومات الأساسية في الحفاظ على البيئة حيث يتوقف إيجاد الوعي البيئي واكتساب المعرفة ونقلها على استعداد الجمهور نفسه للتفاعل معها في التوعية لنشر القيم الجديدة الخاصة بحماية البيئة . وأشار عضو الهيئة العليا لحزب الوفد إلى أن هناك عزوف للإعلاميين في مصر عن التخصص البيئة نتيجة جملة من العوامل هي ندرة المعلومات وصعوبة الحصول عليها لعدم وجود قانون يعطي الحق في الحصول على المعلومات ، فضلاً عن كون التخصص في العلوم البيئية جديد نسبياً ضمن التخصصات البيئية الكثيرة. وطبيعة المشكلة البيئية لا تشكل سبقاً صحفياً إلا إذا تعلقت بكارثة بيئية أو بأضرار فادحة ناتجة عن التلوث، وقضايا البيئة ذات أبعاد متداخلة مع الاقتصاد والتنمية والاجتماع والسياسة. كما أنالزمن المطلوب لكتابة تقرير صحفي بيئي يستغرق وقتاً أطول لمراجعة بعض الأمور الفنية والعلمية .وضعف دور المؤسسات الحكومية المختصة بالبيئة مثل وزارة البيئة التي اقتصر عملها بعقد الندوات والمؤتمرات وإصدار بعض البيانات . ضعف وضالة الميزانية المخصصة لوزارة البيئة حيث تقدر بنحو 985 مليون جنيه أي أقل من 1في الألف من الناتج المحلي . وطالب شيحة بتعزيز دور الإعلام البيئي من خلال حرية الحق في الحصول على المعلومات البيئية وتداولها ، و ضرورة إيجاد إعلام بيئي متخصص يستند إلى العلم والمعرفة والمعلومات، وإيجاد المحرر الإعلامي المتخصص تخصصاً دقيقاً بالبيئة ،و وجود مناهج دراسية للإعلام البيئي، سواء في الجامعات أن في دورات منظمات المجتمع المدني ، والإعلان عن جائزة سنوية للإعلاميين البيئيين عن أفضل أعمال في الإعلام المقروء والمسموع والمرئي لتشجيع الإعلاميين على الخوض في هذا المجال، والإسهام الإعلامي في إيجاد وعي وطني بيئي يحدد السلوك ويتعامل مع البيئة في مختلف القطاعات.وأهمية تعاون جميع الوزارات والمؤسسات والهيئات في معالجة المشكلات البيئية ، والاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال وضرورة المشاركة في المنتديات والمؤتمرات الدولية في مجال البيئة ، والتعاون مع المنظمات غير الحكومية ذات الصلة بالشأن البيئي ووضع خطة تعاون مشترك لمواكبة نشاطاتها خصوصاً تلك التي تتطلب حملات توعية للعمل الشعبي التطوعي والاهتمام بالبيئة المشيدة، كالآثار التاريخية والحضارية وغيرها مما ينبغي الحفاظ عليه في مجال التراث. وضرورة وجود لجنة عليا للإعلام البيئي تابعه لمجلس الوزراء لرسم السياسات والخطط والبرامج وتنظيم حملات إعلامية بيئية للمواضيع الهامة الطارئة أو ذات الأولوية بالتعاون مع الجهات المعنية. وتعاون المؤسسات الدينية في دعم القضايا البيئية عن طريق برامج تلائم مجتمعاتنا العربية . وعقب أ.حسين عبد الرازق الأمين العام الحزب التجمع السابق على الورقتين بقوله أن الورقة التي تناولت مفهوم الأمن القومي قد ركزت على البعد الاجتماعي في هذا المفهوم وهي إضافة مهمة يجدر الإشادة بها وعن الحق في الحصول على المعلومات وتداولها ، فأوضح الأمين العام السابق لحزب التجمع بأنها تمثل إضافة بناءة وخاصة في ضوء النقص المعرفي في هذا المجال، موضحاً أن هناك مشكلة أخرى تتمثل في عدم وجود صحفيين في الشأن البيئي، وهو ذات الأمر مع الصحفيين الاقتصاديين .