فى لوحة الدراما الرمضانية 2015، التى شهدت أكبر حشد للبطولات النسائية ، برزت وجوه ذكورية شابة تبشر بالمستقبل الواعد، وأخرى من جيل الوسط لازمتها الكفاءة أينما ذهبت، إضافة إلى حفنة من الكبار ممن أثبتوا جدارتهم المعهودة، وعلى قلة مساحة الدور أحيانا، فقد تركوا لنا علامات بارزة، وبصمات مميزة تدل على التمرس والاحترافية، بحكم بداياتهم الأولى كممثلى مسرح يعرفون "فن المعايشة" وحرفية الارتجال، وكيفية الدخول بعمق إلى الحياة الشخصية الداخلية بصورة أكثر صدقا، كما لاحظنا فى معظم المسلسلات التى شاركوا فيها. الأول فى سلسلة أصحاب الأداء المبهر: هو المخرج المسرحى فهمى الخولي، والذى جسد بسمو وروحانية دور "كبير كهنة المعبد" فى مسلسل "أوراق التوت"، مستغلا خبرته العريضة فى إنتاج خطاب حركى إيمائى هادئ جدا، لكنه فى الوقت ذاته امتلك قدرة هائلة على تفجير طاقات الجسد التعبيرية للوصول إلى ما يشبه حالة التألق الصوفي. الثاني: سيد رجب، ممثل مخضرم، عتّق موهبته فى فضاء المسرح، وامتلك أدوات ومفرادات تميزإبداعه، ولأن همه الأساسى هو البحث عن الجوانب الإنسانية فى الشخصية، فسوف نلحظ ذلك جيدا فى دور "فتحى العسال" فى "حارة اليهود" والمعلم "سالم" فى "بين السريات"، حيث برعَ فى الدخول لعوالم شخوصه بكلّ أبعادها وتناقضاتها الخيّرة والشريرة، وعاش حيواتِها بكلّ تفاصيلها وخفاياها إلى حد أن أصبح يفكّر بطريقتها ويعيشها بكل جوارحه مع النص والأفكار والحركة، ليجنى بعدها تفوّقاً جديدا يؤكّد أنّه معين الطاقة الذى لا ينضب فى تجسيد الشخصيات المركّبة. الثالث: أحمد كمال، صاحب خبرة عريضة كممثل ومدرب فى مجال التمثيل، ماجعله يقدم لنا درسا مهما فى "طبيعة فن التمثيل ومعناه وأدواته"، من خلال شخصية اليهودى "هارون" فى "حارة اليهود"، مشيرا إلى أن الممثل فى نهاية المطاف هو كائن افتراضى ينفتح على كثير من تأويلات لا تنتهى من العمليات العقلانية والجسمانية والشعورية، من شأنها تفجير طاقة هائلة لخلق صورة جمالية مغايرة، وهو يتكئ هنا على مقولته الشهيرة : "أمتع لحظاتى عندما أشارك فى دور أحبه ولو صغيرا جدا"، وعلى ما يبدو أنه أحب الخواجة هارون حتى الثمالة، على كبر مساحة الدور هذه المرة. الرابع : "بيومى فؤاد" الذى تخرج ضمن الدفعة الأولى لمركز الإبداع الفني، قسم الإخراج، لكنه احترف التمثيل، ليقع تحت مظلة فنانين قلائل ينحتون أدوارهم بحرفية ويحملون مسئولية الظهور فى أكثر من عمل مراعين طبيعة كل شخصية، بما يملكون من موهبة وأدوات لتظهر شخصياتهم على أكمل وجه، كما شاهدناه فى " الكابوس – لهفة – بعد البداية – الكبير أوي" وعبر أدائه العذب أثبت بما لايدع مجالا للشك أن الدراما الإبداعية تتكيء فى الأساس على التمثيل التلقائى والارتجال العفوى الطبيعي، والإكثار من الألعاب الفطرية المتنوعة المبنية على المحاكاة والتقليد، والاهتمام بالتخييل الإيهامى فى أداء الكوميديا بثوب تراجيدى جالب للمتعة على اختلاف أشكالها. الخامس : وليد فواز خريج المعهد العالى للفنون المسرحية، قسم "دراما ونقد مسرحي"، بدأ حياته الفنية بتقديم عروض ال "ستاند آب كوميدي"، لكنه استطاع بإطلالة واحدة له فى أحد الإعلانات التى اشتهرت بجملة "هس السلعوة" أن يفتح لنفسه الباب الملكى لعالم التمثيل، وبحضور لافت جسد بإتقان شخصية "النطاط" فى "حارة اليهود" ليثبت أنه على درجة عالية من الموهبة، وأستاذ لايبارى فى مدرسة الفعل الحركى بتجلياتها المبهرة، مع التحكم فى الصوت بدرجات متفاوتة إلى حد التطابق مع السلوك المتوقع من الشخصية، وكأنه يتصرف على نحو غريزى فى أثناء الأداء, أو كما لو أنه يقوم به للمرة الأولي، ومن ثم يترك أكبر الأثر فى وجدان الجمهور. السادس : على ربيع، القادم من مسرح "تياترو مصر" بخبرة لا يستهان بها فى أداء عدد من "الكاركترات" الكوميدية الطازجة، مثل أدواره فى مسلسلات "لهفة- أستاذ ورئيس قسم - مولانا العاشق - حوارى بوخاريست" والتى قدم فيها تابلوهات جميلة ورشيقة تعكس حسه الكوميدى السليم فى استحضار الحالة الشعورية للشخصية، ما جعله يحفر لنفسه مكانة خاصة له فى قلوب الجمهور، بتنظيم انفعالاته حسب الموقف الذى يمر به، فى اللحظة المناسبة, شأنه شأن الموسيقى الذى يلتزم بالنوتة, ويعزف كل نغمة فى اللحظة المناسبة. السابع : محمد عبد الرحمن، قادم هو الآخر من ( تياترو مصر) بعدما أكسبه شهرة سريعة أهلته لتقديم دراما كوميدية ناعمة بحس تراجيدي، كما ظهر فى مسلسلى "أستاذ ورئيس قسم - ألف ليلة وليلة"، مؤكدا أن موقف الكوميديان يكون أصعب، لأنه من السهل أن يبكى الجمهور على مشهد، ولكن من الصعب أن تضحكه، فمابالك وهو يجمع الحسنيين فى تجسيد الشخصية بمزيج من المكونات البدنية والنفسية المكثفة، مع إيماءات مصحوبة بلكنة تبدو غير مفهومة، لكنها قادرة على تفجير طاقة الضحك بداخلك، وبشكل هيسترى من فرط طرافتها.