أتذكر فى نهاية يناير الماضى أن كتبت فى هذا المكان الاسبوعى مقالا بعنوان كفى كل هذا الاسفاف والانحطاط بشأن تراجع أداء الفن مجتمعا، ممثلا فى السينما والدراما وغالبية الفنون المحسوبة على هذا القطاع باعتبارها إحدى أدوات القوة الناعمة لهذه الدولة على مر العصور والتى خلقت لها حالة من التوحد والتفرد دوما عن سائر دول الإقليم ونوعية قليلة من دول العالم. وسردت يومها غيضا من فيض من نوعية تلك الأعمال وخاصة السينمائية التى تفوق الوصف وتعجز مفردات اللغة عن البحث لتوصيف بشأن مسميات تلك النوعية ولغة التخاطب والتعبيرات والايحاءات الجنسية والعرى الفاضح الواضح دون الضمنى والاباحية المبالغ فيها فى أعتى صورها. وتشاء الأقدار أنه فى نفس يوم صدور هذا المقال كان الرئيس عبدالفتاح السيسى يلقى كلمة فى احتفال مهيب بمناسبة عيد الشرطة فخصص جزءا من خطابه ومطالبته لأهل الفكر والثقافة والفن بأن يراعوا حرمة وقدسية سمعة هذا الوطن وشعبه ويحسنوا عبر الأعمال الهادفة لتربية جيل ونشء جديد على منظومة قيم جديدة، وأشار يومها بالاسم المباشر لاثنين من الفنانين كانا حاضرين غامزا من قناة أن الله سيسأل هؤلاء وغيرهم يوم العرض على مجمل ومضمون هذه الأعمال. ولكن يبدو أنه مازال هناك فريق فى هذا الوطن وخاصة العاملين فى مجال الفن والدراما وقطاع السينما وخاصة فئة من كتاب المسلسلات والروايات الخائبة فى شهر رمضان برعاية فريق من الممثلين الهواة مصرين على هذا السقوط الأخلاقى لأنفسهم وأعمالهم من ناحية، ولسمعة ورفعة ومكانة هذا الوطن مهما كانت الأثمان التى يدفعها هذا الشعب أو الحسابات أو الكلفة التى يسددها بحثا عن حياة أفضل ومستقبل واعد ومكانة ودور مسترد وعلو وتميز موعود. ومناسبة العودة للكتابة هو نوعية الفن الهابط وأنواع الدراما الرديئة التى كان المصريون وفريق من الجمهور العربى لا بأس به على موعد معها طيلة رمضان الذى يودعنا بعد يومين حيث لم أتابع أى عمل أو أشرك اهتمامى فى البحث عن تلك النوعية من الدراما الفاضحة المموجة ولكن تابعت بشكل متقطع بعض التترات وحملات النقد والتقييم التى خاضت فيها معظم الصحف المصرية والعربية لأداء الفن والدراما المصرية فى هذا الشهر حيث وجدت النصيب الأكبر ينهال بالنقد والصراخ وتوجيه اتهامات صريحة وواضحة لفريق الكتاب والمنتجين والممثلين معا بالفجور والاسفاف والتدنى من شأن شعبية وأخلاق وحياة المصريين على السواء عبر مشاهد فاضحة وتعبيرات وبذاءات وايماءات مباشرة تحض على الفسق والفجور والعنف. ومن أسف فى مناسبة هذا الشهر الكريم حيث الغالبية من هذه الأعمال تشير إلى حياة المجون والفجور التى يعيشها المصريون. ولا يقلن أحد لى أن قضايا العصر والتحولات والتغييرات التى طرأت على حياة المصريين فى العشرية الأخيرة خاصة فى سنوات ما بعد 25 يناير كانت تمثل أحد الروافد والمادة الغزيرة الثرية لكتاب الدراما، بل على العكس تماما المال وجنى الأرباح والبحث عن مكاسب مالية ضخمة من الهواء كدخان الحشيش والموبقات التى كان أبطال هذه الدراما ينفثونها فى الهواء وكأن لسان حالهم يتهكم سخرية وشفقة على حال المصريين الذين يتابعونهم مع أننى فى الأساس لاحظت أن اهتمام الغالبية من شعبنا قد تراجعت كثيرا عما كان قائما فى السنوات الماضية بشأن متابعة أعمال هذه الدراما لأسباب عدة أبرزها تشابه القضايا والموضوعات المطروحة والتنافس الحاد المدوى على العرى والفجور، ناهيك عن نفس وجوه شلة الحشاشين والمدمنين والفاسقين والمبتذلين، ناهيك عن التحرش المعنوى لعقول وأفكار المصريين عن مشاهد وملابسات هذه الدراما ومن أسف بفضل تلك الممارسات والأداء الهابط وقضايا الحشو فى الدراما المصرية أرى أن هذا الزمن الذى كانت فيه مصر تعود إلى عالمها العربى انتهى وولى بفعل هذا التدنى والرخص فى القضايا والأداء والعرض ورهط الفنانين الباحثين عن المال ووهم الشهرة على حساب حياتهم وسمعتهم من جانب، وسمعة ومكانة هذا الوطن فى المقام الأول، رغم انه كان هناك فرصة تاريخية لهذا الفن المصرى وصناعة الدراما تلك أن تعود وتتربع على عرش الفنون فى اقليم الشرق الأوسط وليس العالم العربى فقط بفعل تراجع منافسينا سواء السورية، حيث الأوضاع هناك دمرت إلى حد كبير مشروع ومستقبل الدراما السورية لسنوات قادمة، فضلا عن الدراما التركية التى تواجه فى معظمها المقاطعة بسبب سلوك وهذيان سلطان تركيا الفاشل اردوغان وسياساته الخرقاء بحق مصر وغالبية الدول والشعوب العربية، وفى أحيان كثيرة أرى أنه لا فرق بين ما يمارسه نوعية من الممثلين المصريين «الدرجة الثانية» ومن الباحثين عن شهرة مسمومة والرجال السقماء المرضى من قادة وأمراء الفتنة والجهل والطائفية والمذهبية والإثنية فى داعش حيث النوعية الأولى من الفنانين يقدمون فنا هابطا مبتزلا وساقطا لا يختلف عن نوعية، بل يوازى ما يفعله جهلة داعش عبر عمليات هدم جرف ونسف المعابر والمتاحف وطمس حضارات العرب الأولين. بكل تأكيد ما يحدث حاليا فى الدراما المصرية هو انتحار ثقافى إن لم يكن تطهيرا فنيا لاعلاء البغضاء والفحش والابتزال، وبالتالى مثل هذا الفن يجر بلادنا تدريجيا نحو مستقبل مظلم وسمعة سيئة تنال من الوطن والشعب معا، نحن لسنا فى حاجة إليهما، ولذا لا مفر من تدخل الدولة وكافة أجهزتها الثقافية والرقابية لوضع حد لهذا العبث والاسفاف هذه المرة، وبحث وتقنين تلك النوعية وفرض آليات ناجزة وقرارات رادعة لوقف هذا النزيف الأخلاقى، لا أقول بالمنع والمصادرة بل التوجيه والرشادة والعقلانية وتشجيع الفنون الهادفة، وتغيير هذا النمط البشع من الشرك الانحلالى إذا أردنا لهذا البلد أن يعود وتلك القوة الناعمة أن تهيمن وتسيطر من جديد. لمزيد من مقالات أشرف العشري