يرى بعض العلماء أن معنى القدر الذى أضيف إليه الليلة هو للتعظيم, كقول الله سبحانه وتعالي( وما قدروا الله حق قدره) فهى ذات قدر وتعظيم لما نزل فيها من القرآن الكريم.. أو أن العظمة والقدر لما يحدث فيها من نزول الملائكة, وأيضا لما ينزل فى هذه الليلة من رحمات الله تعالى وبركاته وغفرانه وفيوضاته, أو أن الذى يحييها, يصبح ذا قدر وشرف, ومنزلة كريمة. وقال البعض.. القدر هنا التضييق, كقوله الله تعالي:( ومن قدر عليه رزقه) والمراد بالتضييق إخفاء الليلة وعدم تعيينها.. أو لأن الأرض تضيق فيها عن الملائكة, أو أن القدر فيها بمعنى القدر, أى أنه يقدر فيها أحكان تلك السنة وما يقضى الله به على عباده, وذلك لقول الله عز وجل:( فيها يفرق كل أمر حكيم) ولقيام ليلة القدر فضل وافر, لأن الله تعالى مادام قد جعلها خيرا من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر, فهذا يفيد أن العبادة فيها تكون أعظم شأنا منه فى غيرها. عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه, ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه). والمراد بقوله( صلى الله عليه وسلم): من صام رمضان إيمانا أى تصديقا بوعد الله تعالى بالثواب, فقد وعد رب العزة بثواب الصائمين وتكفل به, كما جاء فى الحديث القدسى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لى وأنا أجزى به و احتسابا أى طلبا لوجه الله سبحانه وتعالى وثوابه وطلبا للأجر لا لشىء آخر من رياء أو نحوه. والاحتساب من الحسب كالاعتداد من العدد, وإنما قيل لمن ينوى بعمله وجه الله: احتسبه لأن له حينئذ أن يعتد عمله, فجعل فى حال مباشرة الفعل كأنه معتد به. وفى قول الرسول ( صلى الله عليه وسلم).. غفر له ما تقدم من ذنبه ما يفيد الإطلاق فيشمل الصغائر والكبائر. والمعروف أنه يختص بالصغائر وأما الكبائر فلا تغفر إلا بالتوبة النصوح بشروطها وهي: الندم على ما فات, والعزم على عدم العودة والاقلاع عن الذنب, ورد الحقوق لأصحابها. وفى بيان الرسول ( صلى الله عليه وسلم) لجزاء الصائم بغفران الله له ما تقدم من ذنبه, قيد هذا الجزاء بأن صيامه( إيمانا واحتسابا) لينفى عن ساحة الصائم الرياء وحب الظهور وغير ذلك من الدواعى التى تقلل ثواب العبادة, بل احيانا تحبطها, وليكون الصائم مخلصا فى عبادته, وصادقا فيها, ومقبلا بها على ربه سبحانه وتعالى قاصدا بها وجه الله تعالى وحده لا شريك له كما قال الله تعالي:( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا). وهذا الجزاء أيضا, وهو غفران الذنوب, يكون لمن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا كذلك, ويكون قيام ليلة القدر بأداء صلاة القيام فيها, وهى صلاة التراويح, وبقراءة القرآن والتهجد والذكر والدعاء. وكانت ليلة القدر غير محددة ولا معينة بل هى فى العشر الأواخر من شهر رمضان, وفى الوتر من العشر الأواخر, ويتناول الغفران الذنوب الصغيرة, وقال الإمام النووي: المعروف أنه يختص بالصغائر, وبه جزم إمام الحرمين. ويجوز أن يخفف من الكبائر إذا لم يصادف صغيرة. وعند الإمام النسائي( ما تقدم من ذنبه وما تأخر), ولكن كيف تغفر الذنوب المتأخرة التى لم تفعل بعد؟ والجواب على هذا هو كما روى فى شأن أهل بدر: اعملوا ما شئتم فقد غفر لكم. ومحصل الجواب إنه قيل: إنه كناية عن حفظهم من الكبائر فلا تقع, وقيل معناه: أن ذنوبهم تقع مغفورة. وهل يحصل الثواب المترتب على ليلة القدر لمن أقامها, أو يوقف ذلك على كشفها له؟ وهناك جماعة من العلماء منهم الطبرى وغيره يقولون: إن الثواب المترتب على ليلة القدر يحصل لمن اتفق له قيامها بالعبادة, وإن لم يظهر له شيء, ولا يتوقف الفضل الحاصل له على كشفها أو ظهور شيء من العلامات. لمزيد من مقالات د.احمد عمر هاشم