عند النظر إلى عدد وحجم العمليات الإرهابية التى تقع فى مصر منذ عامين ومقارنتها بما يجرى فى دول العالم العربى والشرق الأوسط، يبدو واضحا أن مصر تعد الدولة الرابعة التى تعانى الإرهاب بعد سوريا والعراق وليبيا. وبالرغم من هذه الحقيقة المؤكدة بالإحصائيات والوقائع، فإن وسائل الإعلام ومراكز الدراسات والتفكير والمؤسسات الأهلية المتخصصة المؤثرة على صناعة القرار فى دول أوروبا والولايات المتحدةالأمريكية لا تضع فى أولوياتها موضوع الإرهاب ومخاطره عند تحليلها وإبداء رأيها فى الأحوال المصرية الجارية منذ 30 يونيو 2013. وتؤكد متابعة نشر وأنشطة هذه الوسائل والمراكز والمؤسسات أن غالبيتها الساحقة تضع أولويتها فى متابعة الشئون المصرية فى التفاعلات السياسية التى تشهدها البلاد منذ العزل الشعبى لنظام الإخوان المسلمين فى 30 يونيو 2013،وبخاصة ما ترى وتروج له جماعة الإخوان وحلفاؤها بأنه استبداد وقمع النظام السياسى المصرى لها ولحلفائها. وحتى عندما تتطرق بعض تلك المراكز البحثية والوسائل الإعلامية والمؤسسات الأهلية الغربيةوالأمريكية لموضوع الإرهاب فى مصر، فهى تضعه كواحد من تفاصيل أو نتائج الوضع السياسى المصرى المعقد، ولا تعطيه الاهتمام الواجب لخطورته، بل ويذهب بعضها إلى تبريره باعتباره رد فعل للسياسات والإجراءات التى تتخذها الدولة تجاه الإخوان وحلفائهم. وأكثر من هذا، فإن كثيرا من هذه المتابعات القليلة والقاصرة لأحداث وتطور الإرهاب فى مصر تركز على ما ترى أنه تجاوزات من الدولة فى مواجهته فيما يخص الحريات وحقوق الإنسان، وتدفع إلى خلفية المشهد نتائجه وآثاره الكارثية سواء الإنسانية على ضحاياه أو السياسية والاقتصادية على البلاد كلها. وهذا الخلل فى نظر تلك المراكز والوسائل والمؤسسات لحقيقة ما يجرى فى مصر يؤدى إلى دفعها الرأى العام وصناع القرار فى بلادهم الغربية إلى عدم اتخاذ مواقف إيجابية لمساندة مصر فى مواجهتها خطر الإرهاب والتركيز على ما يسمونه الأزمة السياسية وعدم التمييز بينها وبين هذا الخطر.بل أكثر من هذا، فإن هذا التجاهل لمشهد الإرهاب فى مصر ومخاطره وارتباطاته المباشرة وغير المباشرة بمشهد الإرهاب الإقليمى والدولي، والمبالغة فى التركيز على التفاعلات السياسية وبخاصة ما يتعلق منها بقرارات وإجراءات الدولة تجاه الإخوان وحلفائهم، يؤدى بتلك المراكز والوسائل والمؤسسات إلى تبنى توصيات ومقترحات تضغط بها على الرأى العام ونظم الحكم الأوروبية والأمريكية لكى تقف ضد مصر سياسيا ويعلن بعضها اعتراضه على ما تقوم به على هذا الصعيد. ويعود جزء مهم من ذلك التوجه للاهتمام الغربى بمصر بعيدا عن قضايا الإرهاب إلى ما يعرفه العالم الغربى من تخصص فى مجالات متابعة ودراسة الظواهر السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهو ما ينطبق على الأوضاع العربية عامة والمصرية خاصة. فالمتابعون لهذه الأوضاع من العاملين فى تلك المراكز والوسائل والمؤسسات هم ممن يطلق عليهم متخصصى دراسات الشرق الأوسط والعالم العربى المهتمين بالتطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية العامة فى بلدنا ومنطقتنا. وتهيمن هذه الفئة من المتخصصين فى الوقت الحالى وبالتحديد منذ بدء الثورات العربية عام 2011 على متابعات تلك الوسائل والمراكز والمؤسسات لما يجرى فى بلدنا ومنطقتنا، وهو ما يجعل تركيزها أكثر وأكبر على التفاعلات السياسية من النظر لما يجرى من تطورات خطيرة على صعيد الإرهاب.أما المتخصصون فى قضايا الإرهاب والتطرف والعنف سواء كأفراد أو هيئات وأقسام بحثية وإعلامية، فهم أوسع مجالاً فى عملهم على المستوى الجغرافي، حيث يمتد إلى كل دول ومناطق العالم التى توجد بها هذه الظواهر بما فيها بلدنا ومنطقتنا. ويبدو واضحا أن اهتمام هذه الفئة من المتخصصين بما يجرى فى مصر من إرهاب متطور هو أقل بكثير مما يستحق وأن اهتمامها أكبر بمظاهره وجماعاته فى سوريا وليبيا والعراق، وبالتالى فإن تأثير توصياتها ومقترحاتها بشأنه للرأى العام ونظم الحكم فى بلادهم الغربية يبدو أيضا بدوره ضعيفا فيما يخص موقفها فى مساندة مصر فى مواجهته. والحقيقة أنه بالإضافة لكل ما سبق، فإننا، الدولة والإعلام والقوى السياسية والمجتمع المدنى ومراكز البحوث، نتحمل المسئولية الرئيسية عن ذلك الخلل، فلم نبذل الجهد الضرورى لتوصيل حقيقة ما يجرى فى بلادنا من إرهاب وتطوره الخطير لتلك المراكز البحثية والوسائل الإعلامية والمؤسسات الأهلية الغربية.فلم ننجح قط فى لفت انتباههم لما يجرى فى مصر من تطورات خطيرة ولم نتوجه إليهم فى بلادهم بالمعلومات الكافية ولم نسعَ لحضورهم عندنا ليروا بأنفسهم ما يحدث.إن إعادة توجيه الاهتمام البحثى والإعلامى والأهلى الغربي، وبالتالى الرأى العام وصناع القرار فى دول أوروبا وأمريكا، يستلزم إعداد تصور دقيق للتحرك تجاه المتخصصين فى شئون الإرهاب والتطرف والعنف فى هذه الدول سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات وأقساما بحثية وإعلامية. ولكى نبدأ بطريقة فاعلة، فالأفضل هو أن تبدأ مجموعة من الهيئات المختصة فى مصر وعلى رأسها وزارة الخارجية ووزارة العدل والمجلس القومى لحقوق الإنسان وبعض المراكز البحثية المصرية ذات السمعة الدولية المعتبرة وبعض الجامعات ووزارة البحث العلمى وبعض مؤسسات المجتمع المدنى المتخصصة وبعض الشخصيات المتخصصة، فى الإعداد لمؤتمر دولى كبير يعقد فى مصر لدراسة ظاهرة الإرهاب فى صوره وأنماطه الجديدة التى يشهدها العالم عموما ومنطقتنا وبلدنا خصوصا. ويستلزم الإعداد الدقيق لإنجاح هذا المؤتمر المقترح أن يشمل بالإضافة لهؤلاء المتخصصين الغربيين أفراداً ومؤسسات وأقساما بحثية وإعلامية، ممثلين رسميين عن دول وهيئات غربية وعالمية رئيسية.وفى هذا السياق تظهر فورا ضرورة مشاركة لجنة مكافحة الإرهاب بالأممالمتحدة المنشأة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1373 عام 2001، والتى تضم جميع الدول الأعضاء فى مجلس الأمن، وتتابع تنفيذ كل الدول الأعضاء فى الأممالمتحدة التدابير الرامية إلى تعزيز قدرتها القانونية والمؤسسية على التصدى للأنشطة الإرهابية داخل البلدان وفى مناطقها وحول العالم. كما تظهر ضرورة مشاركة التكتلات السياسية الرئيسية فى العالم وفى مقدمتهاالاتحاد الأوروبى ومنظمة دول المؤتمر الإسلامى ورابطة الآسيان الآسيوية وجامعة الدول العربية. إن معركة إدراك الواقع تكون أحياناً بنفس أهمية معركة مواجهته، فمواجهة الإرهاب الميدانية البطولية التى تقوم بها مصر شعبا وجيشا وشرطة وإعلاما، لها نفس أهمية تصحيح إدراك العالم لما يجرى فى بلادنا ويتهددنا من مخاطر. ولن يكتمل انتصارنا النهائى والكامل فى الحرب على الإرهاب إلا بنجاحنا فى المعركتين معا وفى الوقت نفسه، فلن يعوض نصرنا فى المواجهة الميدانية خسارتنا لا قدر الله فى معركة تصحيح الإدراك الغربى لحقيقة ما يجرى بأرض الكنانة. لمزيد من مقالات ضياء رشوان