بإعلان اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة المصرية فتحها باب الترشح لمنصب رئيس الجمهورية في مارس, بدأ ماراثون الرئاسة المصرية في ثوبها الجديد, وتداعي المصريون برؤي مختلفة, يقيمون وينظرون لانتخابات بلدهم, ونحن بقلب الشقيق وبعين الصديق لا نقوي علي الانعزال عما يجري في شمال وادي النيل. فمصر تجري منا مجري الدم, فرأيناها نحن العشاق مصر بعيون أخري, مصراوية بزاوية أخري, وبعشم آخر, فمصر التي آوت العرب واحتضنت الافارقة عندما ضاقت بهم بلادهم علي سعتها أصبحت لصيقة بنا وقريبة الينا وزرعت فينا حبا نوافيه دائما, إذن لا غرو ان نحضرها ونشاركها, في أهم مراحل تاريخها الحديث. مثلت عملية سحب استمارة الترشح الخطوة الأولي في ماراثون الرئاسة المصرية, وقد كانت الخطوة جد لافتة وغريبة, فلم يكن أحد يتوقع أن يعج المضمار الرئاسي بالمتسابقين المحتملين للحد الذي تقف فيه الطوابير الطويلة لسحب الاستمارات, وكأنها صفوف التموين, فبعد رياح الحرية يبدو أن الفكرة الرئاسية داعبت الكثيرين, فخرج للعلن مرشحون قد لا يملكون مقومات الرئاسة, حتي وصل عدد الذين سحبوا الاستمارات الخاصة بالترشح أكثر من500 مرشح محتمل. بدخولها في مرحلة اختيار الرئيس الجديد بالانتخاب الحر الديمقراطي, تدخل مصر المرحلة الجديدة لصناعة التاريخ, وتفي بأهم استحقاقات ثورة يناير بعد أن أوفت بالاستحقاق الاول الذي أنجز بانتخاب السلطة التشريعية بمجلسيها( الشعب والشوري), والتي سيطر عليها الاسلاميون من إخوان وسلفيين, مما خلف خوفا عميقا لدي كثيرين علي مستقبل الديمقراطية والحريات. والاستحقاق الثاني هو انتخاب الرئيس القادم والذي تتجه فيه أنظار العالم لمصر بأمل أن توفق في انتخاب رئيس يعيد التوازن المطلوب بين السلطات. ويبقي الاستحقاق الثالث والأهم وهو إعداد وإجازة دستور متوافق عليه وبذلك تكون مصر الجديدة قد حجزت المكان اللائق بها بين الامم, لتتم أسس عملية التحول الديمقراطي. الكلمة الآن للشعب, ولصناديق الاقتراع التي تنتظر أكثر من40 مليون مواطن مصري, يحددون مصير الأمة, فأصواتهم هذه هي الكلمة الأولي والأخيرة, وهي القول الفصل في تحديد هوية الرئيس القادم, وبذلك تكون مصر قد قطعت صلتها بلا رجعة مع الماضي الذي كان يأتي فيه الرئيس عبر الوراثة أو الحروب أو القوة أو الاغتيالات. نعم إن القوة التي تحدد رئيس مصر هي قوة الجماهير المصرية, ولكن لمصر المكانة في نفوس العرب والأفارقة وشعوب العالم بأسره, باعتبارها قلب العالم النابض وأم الدنيا وقائدة الأمة العربية ورائدة الأمة الإسلامية وبوابة إفريقيا للعالم وبوابة العالم لإفريقيا, لذلك ظل سؤال من هو الرئيس القادم لمصر؟ يدور في أذهان وعقول السواد الأعظم من كل هؤلاء وذلك يوضح بجلاء أن اختيار رئيس مصر القادم ليس شأنا مصريا فقط, فرئيس مصر القادم والحرص علي النجاح في اختياره أمر يتعدي المصريين الي ما سواهم من شعوب العالم. وقد رصدت خلال الأيام الفائتة جملة من الرؤي بهذا الخصوص تختلف باختلاف منطلقات وخلفيات من قالوها ولكنها تتفق في أهمية أن يكون الرئيس القادم لمصر شخصية قوية وقومية ومقنعة ومحبوبة ورجل دولة لديه الاستعداد لحمل الامانة والقدرة علي الاضطلاع بالمسئولية والاستطاعة لدفع التضحيات والتكاليف الباهظة. نحن كعرب وأفارقة وبعيون غير مصرية ننظر بأمل للعملية الانتخابية الرئاسية في مصر ونتمني أن تحمل خيرا لمصر وشعبها وان تجعل منهما نبراسا مضيئا للديمقراطية في المنطقة ونموذجا عصريا يحتذي للحرية, وندعو الي ان يتم انتخاب الرئيس القادم لمصر بالعقل بعيدا عن العاطفة والشعارات, وأن يدرك الناخب أن لا مجال للمجاملة في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به مصر. فعلي رئيس مصر القادم أن يدرك أن مصر ليست للمصريين وحدهم بل للعرب وللأفارقة, ولذلك فعلي شعب مصر الشقيقة وهو يتجه الي صناديق الاقتراع لاختيار الرئيس الجديد ان يعي ويدرك حقيقة ان رئيس مصر ليس ككل الرؤساء, لابد ان تكون لديه رؤية ثاقبة لمستقبل مصر وتصور واضح لاسترداد دورها الاقليمي وبرنامج محدد لضبط حالة الانفلات الأمني بالبلاد, وقدرة علي كبح جماح التطرف الديني واستعداد لحماية الأدب والفن من الإرهاب الفكري.