في السبعينيات استقبلت سوق اللحوم المصرية كراتين اللحم القادمة من أوروبا الغربية, ولم تغير تلك الكراتين ذوق المستهلك; المصري وظل اللحم البلدي هو الأساس. تغيرت الكراتين بعد سنوات وأصبحت اللحوم البرازيلية والاسترالية تملأ الأسواق ثم حلت اللحوم الهندية ولحوم باراجواي ودول جنوب القارة اللاتينية ضيفا علي سوق اللحوم المجمدة ولم يتغير الذوق المصري الذي ظل يفضل البلدي وإن عز! ورغم أن مصر تستقبل سنويا ما يقارب الربع مليون طن من اللحوم المجمدة وتحتاج لما لا يقل عن100 ألف طن أخري لسد فجوة اللحوم المتزايدة, لا يزال اللحم المستورد بعيدا عن معدة المصريين. وبينما وصلت اللحوم البلدية لأسعار خرافية, فالمستورد لايزال بلا دور حقيقي حتي الآن. وحسب كلام مهندس نادر سويلم أحد كبار مستوردي اللحوم فإن احتياج مصر من اللحوم المجمدة والمبردة يصل إلي350 ألف طن لسد الفجوة بين الاستهلاك والإنتاج المحلي حيث يصل استهلاك مصر إلي850 ألف طن سنويا لا يغطي الإنتاج المحلي للحوم منها سوي500 ألف طن فقط, وبالتالي وكما يقول فإن الأزمة العالية سببها نقص المعروض عن الاحتياج, ولكن لماذا إذا كنتم تعلمون هذا تستوردون ما يسد تلك الفجوة لضبط الأسعار في السوق المحلية؟ سألته وأجاب: ليس لدي الحكومة تخطيط واضح لما يجب فعله بالضبط هي تريد السيطرة علي كل خيوط اللعبة, بينما نحن من نغامر بأموالنا وجهدنا لنحل المشكلة وهو أمر غير طبيعي فأنا أريد أن أربح وأؤدي دورا مجتمعيا في قضية خطيرة وهي الأمن الغذائي, ولكن بدون أن أخسر أموالي وإذا كانت الدولة فشلت علي مدي أكثر من ثلاثين عاما في تقليل الاستيراد وإنماء الثروة الحيوانية فلماذا إذن لا تساعدنا أن نفعل نحن هذا عبر الاستيراد الذي أصبح لا بديل له, بينما في الوقت نفسه نتعرض وبشكل دائم للاتهام بالجشع والربح السريع ولا أحد يسأل عما يحدث في الخارج فالأسعار العالمية ارتفعت كثيرا, فمثلا وصل سعر اللحم البرازيلي لنحو3700 دولار للطن بعد أن كان لا يتجاوز في أحسن أنواعه3 آلاف دولار في العام الماضي. وماذا عن السوق العادية للأفراد الذين يتخوفون من اللحوم المجمدة؟ اللحوم المجمدة تخضع لرقابة صارمة من ثلاث وزارات في الدولة بخلاف الهيئات الدولية, ولكن مشكلتنا أننا نصدق كل شائعة, ولا نعرف أيضا كيف نعرض بضاعتنا بشكل جيد. رسميا وتاريخيا فإن مصر تستورد اللحوم المجمدة من عشرة مناشئ معترف بها وهي البرازيل والهند وكندا وباراجواي وأوروجواي ثم من إيرلندا وهولندا والهند ونيوزيلندا واستراليا, بينما وحتي نهاية الثمانينيات كانت دول أوروبا الغربية هي المصدر الأول وربما, الوحيد لمصر. المهندس محمد فرج عامر أحد كبار المستوردين من البرازيل لا يجد غضاضة في تلك اللحوم. لا.. لحوم فاسدة يضيف: أستطيع أن أؤكد أنه ومنذ عام1980 لم تدخل مصر شحنة لحوم فاسدة واحدة فالدولة وضعت نظاما بالغ الدقة بل والتعقيد لكل من يريد أن يستورد أو يدخل لحوما, والأزمة في رأيي ليست في اللحوم المستوردة فهي موجودة ولها زبائنها بدءا من أفخم الأوتيلات والمطاعم وصولا لمصانع منتجات اللحوم, الأزمة الحقيقية أننا لم ننظر للمستقبل ولم نهتم بتربية الماشية, ومازلنا حتي الآن ندور في فلك قضايا قديمة بدءا من قضية التأمين علي الماشية وصولا لمشروع البتلو. استيراد اللحوم انخفض العام الماضي للنصف ألا يعبر هذا عن رغبة المستوردين في رفع الأسعار؟ بصراحة, المستوردون لا يملكون شيئا كل شيء في يد الحكومة فهي التي تعطي الموافقات الاستيرادية وتحدد المواصفات بل وتتدخل في الأسعار, والمستوردون كل ما فعلوه أنهم احجموا في وقت بسبب الشائعات والخوف من الأزمة المالية وانفلونزا الخنازير.