لسنوات عديدة عانى "فانوس رمضان" ذلك العمل الفنى التراثى المصرى الأصيل من أمراض شتى، حتى كاد يختفى ويستبدل بأشكال أبعد ما تكون عن روحانيات وجماليات هذه الصناعة، التى أضحت من العادات المصرية القديمة التى توارثتها الأجيال جيلاً بعد جيل. وأصبح الفانوس الصينى والمستورد لا يمت من بعيد أو قريب للفانوس العريق الذى ظهر منذ أكثر من ألف عام، فى رمضان عام 358ه عندما اصدر القائد جوهر الصقلى أوامره بخروج الناس لاستقبال الخليفة المعز لدين الله الفاطمى عند مدخل القاهرة ليلاً.. وجاء قرار وقف استيراد الفوانيس كقبلة الحياة فمنحته الفرصة للعودة، ولكن هذه الصناعة التى تكاد تختفى مع هلال شوال ويعانى أصحابها من هموم ومشكلات نحاول إلقاء الضوء عليها فى هذا الموضوع. عودة الفانوس المصرى تعرضت صناعة الفانوس المصرى خلال الأعوام السابقة إلى التراجع وخاصة بعد ثورة يناير نتيجة لقلة السياح وكذلك ظهور الفانوس الصينى الذى ابتكر أشكالا جديدة وتقنيات حديثة جذبت أعين الأطفال فأقبلوا عليه، ولكن مع مرور الوقت عاد الحنين إلى الفانوس المصرى، بالإضافة إلى قرار الدولة الذى اتخذته مؤخرا بحظر استيراد الفوانيس حماية للصناعة المصرية، فتربع على القمة من جديد، ولكن بالرغم من ذلك تواجه صناعة الفوانيس ماتهددها وتجعلها عرضة للاندثار، أهمها ارتفاع سعره، مما يجعل الكثير من الأسر تعزف عن شرائه، ونعرض فى هذا الموضوع بعض المشاكل التى تواجه العاملين فى هذه الصناعة. ممدوح وأسامة ابو العدب ورثا المهنة أبا عن جد يصنعان الفوانيس فى ورشتهما بمنطقة "بورتس" بالوراق "محافظة الجيزة"، وتعرض بعد ذلك فى منطقة الدرب الأحمر بالقاهرة، تعول الورشة حوالى 15 أسرة، يقول أسامة: صحيح إن قرار منع استيراد الفوانيس جاء فى مصلحة الصانع المصرى ولكن كان لابد أن يصاحبه قرار بعمل تسعيرة للخامات الأساسية المستخدمة فى الصناعة، من قصدير وزجاج وصفيح وأقمشة وقطان، «خيوط المكرمية» فمثلا ارتفع سعر توب القماش من 210 ج فى العام الماضى الى 270 ج هذا العام، وكذلك متر الزجاج وصل إلى 24ج للمتر، فارتفاع الأسعار جعل المنتج يخرج بتكلفة عالية جدا مما أدى إلى اتجاه كثير من العاملين فى صناعة الفوانيس إلى ترك المهنة، ويضيف شقيقه ممدوح: فى العامين التاليين لثورة يناير كنا نبيع الفوانيس بأسعار اقل من تكلفتها الحقيقية، وتحسن الوضع قليلا منذ العام الماضى، ولكن الغلاء يهدد الصناعة بأكملها. ويشير عبدالنبى الدسوقى احد العاملين فى صناعة الفوانيس إلى ان المشكلة الأساسية بالنسبة للعاملين فى صناعة الفوانيس تكمن فى إنها صناعة موسمية وعلى الرغم ان الصناعة مستمرة طول العام إلا أننا نصنع الفوانيس لبيعها فى شهر رمضان، ففى معظم شهور السنة تقل حركة البيع والشراء ويقل الدخل، وتزدهر فقط فى شهر رمضان مما يجعلنا غير قادرين على تلبية الاحتياجات الأساسية لبيوتنا. ويقول عصام محمد حسن من العاملين ايضا فى صناعة الفوانيس: عانينا فى الأعوام السابقة من الركود فى تجارة الفوانيس ولكنها تحسنت منذ العام الماضى وأصبح الفانوس المصرى فى الصدارة واتجه معظم الناس الى شرائه بدلا من الصينى، وقد استطاع الصانع المصرى تطوير صناعته بان تفنن فى عمل أشكال جديدة من الفوانيس مثل فوانيس الخيامية والخشب والقطان وإضافة الزخارف المتنوعة للفوانيس، ولكن تبقى مشكلة الغلاء التى باتت تهدد الصناعة فمثلا الفانوس الصغير تكلفته تتعدى ال25 ج والمتوسط 40 ج مما يجعل كثيرا من الأسر تعزف عن شراء الفوانيس.