بعيدا عن العواطف والبكاء والتأثر بزمن الأحداث العربية المؤلمة من الكويت إلى تونس، مرورا بالعراقوسوريا وليبيا واليمن، فإن العمليات الإرهابية الأخيرة فى «سيناء» تأتى ضمن مخطط دولى عام لتقسيم المنطقة ضمن الخريطة الجديدة، وما لم نتحرّك بشكل جماعى سنجد سيناريو «الرمادي» و«تدمر» يتكرر فى سيناء، لذلك علينا أن نخرج من الوصف والتحليل إلى العمل الجاد والحسم، لأن الخريطة العربية الجديدة تؤسس على الفعل الإجرامى للجماعات والتنظيمات الإرهابية، وعلى أخطاء قادة وحكام لم يدركوا بعد أننا نغرق جميعا، وإن بدت بعض الدول العربية سالمة إلى حين. هنا لا بد من تأكيد أن المواجهة الحاسمة التى يقوم بها الجيش المصرى ميدانيا وليس لديّ أدنى شك فى انتصاره مهما طالت الحرب أو دٌعّمت من قوى الشر فى الخارج أو ساندتها قلة فى الداخل لا تتناقض مع العمل العربى العام لمواجهة الإرهاب فى دولنا، على أن يتم ذلك بمنتهى الصراحة، إذ لايجوز مثلا أن يصنف الإعلام العربى الإرهابيين فى سيناء بأنهم مٌسلّحون، وكذلك الحال بتسمية أحد عشر فصيلا إرهاييا مسلحا فى سوريا يحارب الجيش العربى السورى من أجل الاستيلاء على حلب بأنه تكتل للمجاهدين، فى الوقت ذاته يتم الادعاء بمحاربة الإرهاب. مهما يكن فإن هناك أحاديث تدور فى العلن عن مخطط استعمارى جديد لتقسيم الوطن العربي، تقوم فكرته الأساسية على إزالة الحدود بين الدول العربية، بدأت التجربة بين العراقوسوريا من خلال العمل الإجرامى لداعش، ومن خلالهما قد تمتد إلى لبنان والأردن، وهناك نموذج آخر لتمديد التقسيم من خلال الوحدة أى بسيطرة الإسلاميين المتطرفين على مساحات مشتركة بين الدول، وهو ما نراه فى تشكل بعض من ملامحه بين ليبيا وتونس وإن كانت العملية تتم ببطء، وقد تمتد إلى الجزائر، لكن ما علاقة سيناء بسيطرة الإسلاميين وتمددهم من خلال إلغاء الحدود؟. ما يراد لسيناء أكبر من مسألة إلغاء الحدود، لأن أيّ تنظيم سيفشل فى الوقت الراهن على الأقل بتنفيذ الخريطة الجديدة، خاصة أن مصر دولة مواجهة، وتعرف أن العدو الإسرائيلى يتربص بها، وكونها دولة مواجهة رغم وجود معاهدة سلام بينها وبين إسرائيل فإن ما يراد لسيناء هو فصلها من خلال حرب طويلة الأمد، وتحويلها إلى دويلة يسكنها العديد من الجنسيات، مهمتها الفصل بين مصر وإسرائيل، ما يعنى وجود دولة فاصلة، من منطلق أن مصر إذا أصبحت قوية ومستقرة ستقوم بإنهاء الوجود الإسرائيلي، فمصر لا تحاسبها الدول المتحالفة مع إسرائيل عن الماضى والحاضر فقط، بل عن المستقبل أيضا. أعرف أن هذا النوع من التحليل قد لايروق لكثيرين فى مصر وحتى فى باقى الدول العربية، ويرون فيه نوعا من الترويج لفكر المؤامرة، لكن الوقائع تشهد على انتشار الجماعات الإرهابية بدعم دولى علنى وخفي، وهنالك من الدلائل ما يؤكد القول السابق، من ذلك مثلا، العمل على إشغال الجيوش العربية فى بؤر توتر، ومع طول المدى يتم إضعافها، وقد ينتهى بها الأمر إلى الحل على غرار ما شاهدنا فى العراق أثناء حكم بول بريمر، والجيش المصرى يتم أشغاله اليوم من خلال عمليات متفرقة تستنزف قوته، إضافة إلى الخلط بين محافظته على أمن البلاد وبين الشرعية السياسية، وقد بدأت حملة عليه من الخارج من دول ومنظمات وهيئات ومن بعض وسائل الإعلام العربية، لا تكتفى بالطعن فى صدقية ما يقوم به من أجل حماية بلاده، بل تعمل جاهدة للتشكيك فى وطنيته. من ناحية أخرى فإن تكاثر الجماعات الإرهابية وتعدد أدوارها وتنوع عملياتها فى سيناء يشى بخطر داهم فى الأفق المنظور، إذ بغض النظر إن كانت العمليات الإرهابية من نتاج القاعدة أو داعش ولاية سيناء، أو أنصاربيت المقدس، أو جند الإسلام، أو التكفير والهجرة، أو أجناد مصر، أو أنصار جند الله، أو جيش الإسلام .. إلخ، فإن جميعها يحارب الدولة المصرية من خلال علميات إرهابية ضد الجيش، ويشكل بذلك امتدادا دوليا داخل الأراضى المصرية، و تلك الجماعات هى الحامية لإسرائيل، ليس فقط لأنها لا تحارب ضد إسرئيل، بل لا تشكل إزعاجا لها، وإنما تعمل لمصلحتها من خلال عملياتها الإرهابية المتواصلة. إن مواجهة الجماعات الإرهابية فى سيناء جزء من المواجهة العربية الشاملة للإرهاب، لذلك فإن دعم الجيش المصرى ماديا ومعنويا يمثل ضرورة،تماما مثلما هى الحال فى تونسوسورياوالعراق واليمن وليبيا، لأن أيّ تراجع لدور الجيش سيؤثر سلبا على وحدة مصر، ومن ثمَّ على دورها القومي. لقد رأينا نتيجة سقوط الرمادي، وقبله بسنوات احتلال العراق حين حلّ جيشه، وسقوط تدمروقبله بأربع سنوات الحرب على الجبش السوري، وسقوط درنة وقبله بأربع سنوات تدمير ليبيا من طرف الناتو لعدم وجود جيش، وكلها أصبحت اليوم تحت أيدى داعش، ولسنا على استعداد للقبول بسقوط مدن ومناطق أخرى، وكوننا بعيدين اليوم عن مثل هذا السقوط فى سيناء حيث تدور هذه الأيام حربنا العربية المقدّسة، لا يعنى عدم وجود هذا المشروع، سواء لاستنزاف الجيش المصري، أو لفصله عن قاعدته الشعبية، لذا فإن مساندة الجيوش العربية جميعها تعدٌّ عملا وطنيا وواجبا قوميا، والبداية مع الجيش المصرى فى سيناء، حتى لا تضيع منّا الأوطان أو تقسّم، أو نحرم من الاحتفال بانتصارالعاشرمن رمضان كما حدث الأيام الماضية. لمزيد من مقالات خالد عمر بن ققه