ثمة خيط واصل بين حوادث الجمعة الدامى التى نفذتها داعش وشقيقتها القاعدة فى كل من تونس والكويت وفرنسا والصومال، وتوزعت الدماء، ما بين أشلاء تتطاير على يد انتحارى داعشى فى مسجد بالكويت، وأخرى على شاطيء بأحد الفنادق التونسية، وثالثة فى مصنع بفرنسا، أما فعل القاعدة فلم يك بعيدا عن ذلك كله، حيث استهدفت قوات حفظ السلام فى الصومال وقتلت أكثر من خمسين جنديا، لم ترد القاعدة إذن أن تخرج من مزاد الدم فى يوم هو والحزن سواء!. أما خيط الدماء الواصل بين الحوادث الأربع، فيبدو عقائديا بامتياز، نتاج لجملة من التشوهات والتفاسير المغلوطة للمقدس، والتصورات الماضوية عن العالم والأشياء، فى سياق يقدم الموت على الحياة، ويجعل من العمليات الانتحارية التى ينفذها الداعشيون والقاعديون ومن لف لفهم من تيارات الإسلام السياسى هدفا وغاية للفوز بالجنان، والحوريات الحسان اللواتى ينتظرن الشيخ الداعشى الذى يعتقد فى أنه يذود عن الإسلام! فى مفارقة مؤسفة ومخزية تذكرك على الفور بما حدث فى اليوم نفسه فى مصرنا العزيزة من وقوع عملين إرهابيين أحدهما تفجير سيارة أمام كنيسة فى أسيوط، والآخر وضع قنبلة على قضبان السكك الحديدية أمام قرية فى دمنهور مما أدى لتعطل حركة القطارات لأكثر من ست ساعات، ولكن الله سلم. فواضعو القنابل ومفجرو السيارات والمحرضون على القتل والذين يقتلون جنودنا فى سيناء ليسوا سوى وجه ثان لداعش، والتصور الرجعى الدموى عن العالم محرك للأطراف كافة، واستباحة الدماء نتاج لاعتقاد راسخ بأنهم المؤمنون حقا، وكل ما خلاهم إما مارقا أو مرتدا أو كافرا، والكل فى عرفهم يستحق القتل، وما رءوس الناس إلا قربان للمقدس وللسلطة معا. إنها حالة من التماهى الغريب الذى تصنعه هذه الجماعات الإرهابية بين المقدس والسلطة، حالة تنطلق أساسا من خلط عمدى بين الدينى والسياسي، بين الثابت والمتغير، وعلى الرغم من التلفيق اللانهائى لأفكار هذه الجماعات المتطرفة بشيوخها المباشرين، أو بمنظريها من أصحاب الرطان الثقافي، الذين تصفهم ساخرة القريحة الشعبية المتوهجة بأنهم «ليسوا من المتطرفين، بل ممن يحترمونهم!!»، فإن ثمة تعاسة مطلقة فى تصورات هؤلاء الظلاميين، ربما تكشف عنها الممارسات الإجرامية التى تقترفها الجماعات الإرهابية بحق المختلفين، فالاختلاف وحده كفيل بإطاحة الرأس لدى داعش وأخواتها من التيارات التكفيرية، وكأنها تمارس انتقاما دمويا من البشرية، ولعل التسجيل الصوتى الذى بثته مواقع عدة لأبى محمد العدنانى المتحدث باسم تنظيم داعش- ، والذى يبارك فيه لجموع المسلمين قدوم شهر رمضان، ثم يحثهم فى مفتتحه على المبادرة بالأعمال الصالحة وتحرى القربات، ثم يلقى بجمله الصاعقة، فيذكر نصا: «وإن أفضل القربات إلى الله الجهاد، فسارعوا إليه، واحرصوا على الغزو فى هذا الشهر الفضيل والتعرض للشهادة فيه». تتبلور الفكرة الداعشية إذن حول فكرة » الجهاد«، تلك الفكرة التى يصنعون تأويلا خاطئا لها، وهذا ما يوجب على المشتغلين بالشأن الدينى فى بلداننا حتمية إيضاح المراد من مدلول «الجهاد»، المرتبط بسياقات مختلفة عن راهننا المعيش، ثم يتابع العدنانى حديثه الدموي، معبرا عن عقيدته التكفيرية التى ترى فى كل المخالفين كفارا، يتوجب جهادهم، والنيل منهم: «وهبوا أيها المجاهدون فى كل مكان، واقدموا لتجعلوا رمضان بإذن الله شهر وبال على الكافرين»، ثم يخص أصحابه من مجاهدي/ مكفرى داعش منبها إياهم بأن ساحات الوغى الجهادية مفتوحة على مصراعيها، ورمضان يحب تجديد النية!!: «هذه الساحات أمامكم، وهذا سلاحكم، وهذا رمضان. جددوا نياتكم لله عز وجل». إن الخطاب الداعشى السابق ليس خطابا يزدرى المخالفين فى العقائد فحسب، ولكن المخالفين فى التصور حول جوهر الإسلام ذاته أيضا، وهو لا يطرح نفسه بوصفه خطابا بشريا قابلا للنقد والمساءلة، ولكن يطرح نفسه بوصفه خطابا سماويا، ينفذ مراد الله، ويقدم نفسه بوصفه مالكا وحيدا للحقيقة المطلقة، ومتحدثا أصيلا باسم المقدس، وتنامى هذه الأفكار وتغلغلها فى البيئات العربية وفى المجتمعات العالمثالثية بشكل عام لا ينفى أن ثمة صلة موضوعية بين هذه التنظيمات التكفيرية التى تعمل كأذرع للتخلف وقوى الاستعمار الجديد، والتى تمثلها على نحو لا لبس فيه الإدارة الأمريكية الداعمة للتطرف فى العالم العربي، والتى دعت فى أحاديث إنشائية من قبل لما أسمته ب «استيعاب المتطرفين»، وهو الأمر الهزلى الذى أثبتت الوقائع فى مناطق مختلفة الحالة التونسية التى لم يزل يضربها الإرهاب مثالا على ذلك-، عبثية هذا الخيار الذى حاولت أمريكا أن تسوقه للعالم العربي، من أجل تفتيته من الداخل جراء التطاحن المنتظر بين التيارات الكهفية، والشعوب التى تنشد العدل والحرية والمساواة. إن الخطاب الداعشى الدموي، لم يزل يجلب أنصارا من الموتورين والمقموعين، من جهة، ومن المضطربين من جهة ثانية، وقوى الاستعمار الناعم تبارك الخطو الداعشي، وتوظف خدمها الصغار فى المنطقة سواء أكانوا دويلة نفطية، أو دولة عثمانلية، لدعم التمدد الداعشي، والعالم العربى يتفرج لأنه لم يزل غارقا حتى النخاع فى الطائفية، والقبلية، فضلا عن الظهير الرجعى المتشدد فى فهم العالم، وليس ثمة أمل دون مصر فى إيقاف التمدد الداعشي، فضلا عن كل الأحرار فى العالم ممن يؤمنون بالإنسان، وجدارته، أكثر من إيمانهم بصفقات السلاح والهيمنة الرأسمالية وصوغ العالم على النحو الذى يريده ساكن البيت الأبيض وخدمه الصغار. لمزيد من مقالات د.يسرى عبد الله