بداية أقول: إنه لا توجد صورة واحدة للديمقراطية يمكن وصفها بالصورة المثالية والعملية في آن واحد... ومن ثم فإن فكرة الديمقراطية المنقولة من مكان لآخر فكرة غير عملية وغير منطقية. وبالنسبة لنا في مصر أستطيع أن أقول بضمير خالص إن من الممكن أن نفهم قلق وتحفظ البعض علي ما يعتبرونه من وجهة نظرهم غيابا لبعض الضمانات اللازم توافرها في تشكيل اللجنة الدستورية لصياغة الدستور ولكن مثل هذه المخاوف والتحفظات حتي لو كانت صحيحة لا تبرر التشكيك في أهلية أحد وكفاءته لأداء هذه المهمة! إن أهم ملامح الديمقراطية هي الحرية وحق الإنسان في التعبير عن رأيه وتحديد موقفه مما يجري علي الساحة... فهل لو لم تكن لدينا ديمقراطية وإننا كما يقول البعض مازلنا محلك سر أو أننا نرتد إلي الوراء كان يمكن أن تندلع كل هذه الزوابع والعواصف منذ الإعلان عن تشكيل اللجنة التأسيسية! إن الديمقراطية هي سعة الأفق وليست الانغلاق وهي حق التنافس وليست خطيئة الصراع لأن العمل السياسي الصحيح يعطي مشروعية للتنافس وليس من مفرداته الصراع الذي يفتت الأوطان ويشرذمها! والديمقراطية هي الالتزام الصارم من جانب الجميع بمظلة القانون يستوي في ذلك الدولة والأحزاب والأفراد حيث لا ينبغي أن يتصور أحد أن له وضعا خاصا يحصنه من القانون أو أن بيده سلطة تعلو فوق سلطة القانون. والديمقراطية شأنها شأن أي عمل سياسي تحتاج إلي مراعاة المراحل والظروف وما يراه البعض تباطؤا في الخطي قد يراه آخرون تدرجا محسوبا في حين أن ما يراه البعض انطلاقا قد ينظر إليه الآخرون علي أنه تسرع واندفاع باتجاه المجهول. وتلك هي عظمة الديمقراطية التي تتباين فيها الآراء إلي درجة التصادم ولكن بشرط أن يظل التصادم محصورا في إطار الرأي والرأي الآخر وليس تصادم الصراخ والصياح الذي يؤدي إلي المواجهة والشقاق! وما لم يحدث التوافق المجتمعي بشأن الدستور الدائم فربما يكون من الأوفق الاكتفاء مرحليا بصياغة الدستور المؤقت مثلما فعلت دول عديدة لكي تعبر المرحلة الانتقالية بهدوء وأمان! وغدا نواصل الحديث خير الكلام: الأذي ليس في سلاطة اللسان وإنما في النطق بالبهتان! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله