التدرج وليس التباطؤ! لم يعرف التاريخ ثورة حقيقية يتوقف حلمها عند انتزاع حق الشعب في حرية الكلمة وحرية اختيار حكامه وإنما يظل الحلم الأكبر هو صنع التقدم وبناء الحضارة وتوفير مظلة العدل والأمان التي تحرض علي إيجابية الفعل والتأثير وتنهي كل مظاهر السلبية. وإذا كانت الثورات عند انطلاقها تحتاج إلي التزود بأكبر قدر من الآمال والأحلام فإنها مطالبة بأن تعي جيدا بأن إحداث التغيير المنشود علي أرض الواقع يقتضي سرعة الانتقال من الكلام بالحماسة إلي العمل بكل معايير الجهد الشاق المستند إلي العلم والتكنولوجيا. والثورات تنجح في البداية بحجم وعمق الالتفاف الشعبي حول مبادئها وأهدافها وغاياتها النبيلة ولكن يظل التحدي الحقيقي لضمان استمرار الثورة وعدم انتكاسها مرتبطا بالممارسة والتطبيق علي أرض الواقع وكلما ازداد حجم التطابق بين المباديء المعلنة والإجراءات العملية كلما ازداد الاطمئنان إلي أن الثورة تسير علي الطريق الصحيح وفاء لعهودها واحتراما لمبادئها! وليست هناك ثورة لم تواجهها عقبات وتحديات وهي تسعي لبناء نظام جديد له مؤسساته وهيئاته المرتكزة إلي سياسات وتصورات تلبي أهداف الثورة التي لابد أن تتوقع عديدا من أشكال المقاومة لمسيرتها سواء من جانب من أضيرت مصالحهم من ناحية أو بسبب ما قد ينشأ من تباينات وتناقضات وخلافات في الرؤي بين قوي الثورة نفسها من ناحية أخري. ومن هنا يمكن فهم منهج الهدوء المتعقل الذي يدير به المجلس الأعلي للقوات المسلحة شئون مصر منذ تسلمه المسئولية حاميا للثورة وهو المنهج الذي يسميه البعض تباطؤا وأري فيه تدرجا يستهدف أن تكون جميع الممارسات امتثالا للقانون وتطبيقا لمباديء الإعلان الدستوري والإعمال به والاحترام الكامل لسلطة القانون. والحقيقة قد تكون مرة ولكن التعرف عليها ضرورة لمعرفة أين نحن الآن.. وإلي أين نحن ذاهبون غدا! خير الكلام: اكتبوا أحسن ما تسمعون.. واحفظوا أحسن ما تكتبون.. وتحدثوا بأحسن ما تسمعون! المزيد من أعمدة مرسى عطا الله