هل نحن في مواجهة عصر جديد من الإعلام الرقمي تسيطر عليه وسائل الاتصالات الحديثة؟.. هل هي نهاية وسائل الإعلام التقليدية التي طالما اعتدنا عليها كالصحافة المطبوعة والتليفزيون والراديو؟..أم أن المجال يتسع للجمع بين الإعلام الرقمي والتقليدي في منظومة متكاملة ، وليست تنافسية، تكمل بعضها بعضا تكون فيها الغلبة ل"الخبر" والمادة الإعلامية؟.. وما هي الاستراتيجيات المطلوبة لخلق حالة من التواصل والتكامل بين كل ما هو قديم وحديث في عالم الإعلام ؟.. كانت هذه التساؤلات محور المناقشات والندوات التي شهدتها قمة الإعلام في شمال إفريقيا والتي استضافتها القاهرة قبل أيام وشارك فيها مجموعة من أبرز الإعلامين وممثلون عن أهم القنوات التليفزيونية وشركات الاتصالات في مصر والعالم العربي. وفى البداية ، لابد من الإشارة إلى أن الإحصائيات والأرقام العالمية التي رصدها التقرير السنوي لرابطة الصحافة العالمية لعام 2015 تؤكد أن 80% من مستخدمي الهواتف الذكية يتفقدون هواتفهم كل 15 دقيقة بشكل منتظم يوميا. وهو ما يعني أن الصراع أصبح محموما للاستحواذ على اهتمام المستهلك المعاصر، والذي أصبحت تطبيقات هاتفه المحمول هي نافذته الرئيسية على العالم. ورصد التقرير أيضا إحصائية لقياس نسبة الاطلاع على المواد الإعلامية عبر الهواتف الذكية ، والتي أشارت إلى أنه،عالميا، يمضي المستهلك العادي نحو 97 دقيقة على تليفونه المحمول و37 دقيقة على جهاز الكمبيوتر اللوحي، وهو ما يمثل نحو 37% من الوقت الذي يمضيه في تفصح وسائل الإعلام بكل أشكالها يوميا. ووفقا للتقرير، فإن نسبة اطلاع المستهلك على التليفزيون لا يتجاوز 81 دقيقة يوميا، مقابل 70 دقيقة على جهاز الكمبيوتر التقليدي و44 دقيقة يمضيها في الاستماع للبث الإذاعي، وذلك في مقابل 33 دقيقة فقط يطلع فيها على وسائل الإعلام المطبوعة. ولدعم هذه الطفرة التكنولوجية في الإعلام ، يؤكد محمد حسام مدير التسويق في إحدى شركات الاتصالات الكبرى أن مصر مقبلة على ثورة في عالم الإنترنت مع تدشين البنية التحتية للألياف الضوئية كبديل عن كابلات التليفون النحاسية التقليدية، والتي لا تتمتع بالكفاءة اللازمة لاستيعاب الضغوط المتزايدة للمستخدمين. ويضيف في تقرير طرحه خلال المؤتمر أن الألياف الضوئية ستكون أكثر قدرة على تحمل العوامل البيئية المتغيرة ، نظرا لأنها مجرد شعاع ضوئي يمر عبر أنابيب زجاجية معالجة بشكل خاص وتتسم بالمرونة. وبالتالي، فإن مثل هذه البنية التحتية ستساعد على توفير خدمة أكثر سرعة وكفاءة وبأقل الأسعار للمستهلك المصري بشكل عام ، لتواكب بذلك خدمة الإنترنت في مصر في سرعتها وكفاءتها نظيراتها في كبرى دول العالم. وهو ما سيساعدها على توفير خدمات إضافية للمؤسسات الإعلامية المختلفة بأقل التكلفة. وضرب مثالا على ذلك بالبث المباشر لمباريات كرة القدم العالمية ، حيث ستتمكن وسائل الإعلام من بثها على منصاتها الرقمية في نفس توقيت المباراة وبكفاءة عالية للمشاهدة. كما أن الألياف الضوئية ستساعد في توسيع نطاق المنصات الرقمية للقنوات المحلية، بحيث تتمكن من توصيل بثها إلى مختلف أنحاء العالم بكفاءة متناهية. ومن ناحيتها، تؤكد خلود أبو حمص المديرة التنفيذية للبرمجة والابداع باحدي القنوات الفضائية، أن الاعتراف بسيطرة وسائل الاتصالات على العصر الحديث أمر لا مفر منه، ومن ثم كان لابد من التعامل مع هذا الواقع والاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية المختلفة وإخضاعها بحيث تتحول إلى عامل مساعد لخدمة المادة الإعلامية التليفزيونية المطروحة ، بدلا من التعامل معها كعامل منافس. وهو ما أدى إلى المزيد من التفاعل مع الجمهور بشكل عام وساعد على زيادة العائدات سواء فيما يتعلق بالاشتراكات أو العائد الإعلاني. كما يشاركها في هذا الرأي موكوند كايريا رئيس مجلس إدارة إحدى القنوات الفضائية الهندية البارزة، والتي تتمتع بنسب مشاهدة عالية في الشرق الأوسط، حيث أكد أن وسائل التواصل الاجتماعي مثل موقع “يوتيوب” وغيره من المواقع الإليكترونية تعتبر بمثابة المقياس الأكثر دقة لمعرفة توجهات المشاهدين. كما أنها ترصد بكفاءة المادة التليفزيونية التي تستحوذ على اهتمام المشاهدين في كل دولة على حدة ومواعيد كثافة المشاهدة. وهو ما يساعد إدارة القناة على اختيار المادة التليفزيونية وتحديد توقيت عرضها بما يتناسب مع الجمهور المستهدف. وبالتالي، فهناك علاقة تكاملية في الوقت الراهن بين الفضاء الإليكتروني والتليفزيون التقليدي. ويشير كايريا إلى أنه في ظل الزيادة المفرطة في الاختراعات الجديدة والمتلاحقة التي تسهل من عملية تصفح الإنترنت والاطلاع على كل ما يعرضه من مواد، فلابد من الاعتراف بأن شركات الاتصالات ربما تكون هي صاحبة اليد العليا على وسائل الإعلام في المستقبل. ولكن حتى هذه اللحظة، فإن هناك علاقة من الاستفادة المتبادلة بين الجانبين. وفي هذا السياق، تؤكد إلهام العمري الرئيسة السابقة لوسائل التواصل الاجتماعي بالخدمة العربية لهيئة الإذاعة البريطانية أن وسائل التواصل الاجتماعي تحولت إلى منصة إعلامية رئيسية. وهو ما دفع كل وسائل الإعلام للتواصل مع جمهورها عبر هذه المنصة الحديثة ، الأمر الذي يسهم في الحفاظ على وجودها كوسيلة إعلامية بارزة. وهذا لا يعني التخلي عن الوسائل التقليدية في تقديم المادة الخبرية ، ولكن هناك علاقة تكاملية. ويشير كل من نارت بوران ومحمد برهان عن شبكتين اخباريتين عربيتين أن مهمة القناة الإخبارية التي تحترم جمهورها أن تستفيد من المادة الخبرية التي ربما يبثها الأفراد على مواقع التواصل الاجتماعي ولكن بعد التأكد من صحتها من خلال مصادر موثوق فيها. وأكدا أن مثل هذه المواقع الإليكترونية تلعب دورا ملموسا في لفت الانتباه إلى المزيد من الأخبار ذات الطابع المحلي خاصة في منطقة ساخنة تموج بالأحداث مثل الشرق الأوسط. لا يمكن أن ننكر أن سيطرة التكنولوجيا الحديثة على حياتنا المعاصرة، ولكن هذا لا يعني نهاية وسائل الإعلام التقليدية كما عهدناها، والتي بقيت أمامها مهمة صعبة لترويض الإعلام الرقمي ليكون عنصرا مكملا وليس منافسا لها.