تريد التنظيمات الإسلامية المتطرفة فى سورياوالعراق مثل "داعش" و"جبهة النصرة" و"جيش الفتح" و"أحرار الشام" وغيرهم تجنيد المزيد من الشباب الأوروبى للمجئ إلى "دولة الخلافة" من أجل "ترك بصماتهم فى التاريخ" كما يروجون. فالمقاتلون الأجانب بلغاتهم الأوروبية وملامحهم الغربية، و انصياعهم بشكل كامل لأوامر قادتهم يفعلون أى شىء، بما فى ذلك القيام بأنفسهم بتنفيذ الجرائم الأكثر بربرية مثل قطع الرأس والأطراف والرجم والحرق ضد السكان المحليين. وهى الممارسات التى يرفض غالبية المقاتلين المحليين تنفيذها كما يعترف بذلك قادة وأمراء تنظيمات "داعش" و"النصرة" و"جيش الفتح"، وكما تؤكد المعلومات الميدانية، ففى العراق مثلا 90% من العمليات الانتحارية قام بها مقاتلون أجانب ونفس الشىء ينطبق على سوريا0. أما الأوروبيون الذين ما زالوا يتدفقون على سورياوالعراقوالصومال وليبيا فأهدافهم ليست بالضرورة واحدة، فهناك من يتطلع لتجربة"جهاد الخمس نجوم" التى سمع عنها عبر معارفه ووسائل التواصل الاجتماعي، وهناك من يبحث عن "يوتوبيا إسلامية" بحد السيف، وهناك من يبحث عن "مغامرة وبطولة" تعوضه عن اخفاقاته الشخصية. ويختصر رئيس المركز الدولى لدراسة الراديكالية والعنف السياسى فى جامعة "كينجز كولدج" البريطانية بيتر نيومان هؤلاء إجمالا فى 3 فئات هم: المغامرون، والموتورون، والمخدوعون. وفى بريطانيا فيض من الفئات الثلاث0. فخلال ال 48 ساعة الماضية أستيقظت بريطانيا على خبر توجه ثلاث شقيقات من برادفورد مع أطفالهن التسعة، الذين تتراوح أعمارهم بين 3 إلى 15 عاما، من السعودية إلى أسطنبول إلى سوريا. ووفقا لمحامى العائلة فقد توجهوا إلى السعودية لأداء العمرة مع أطفالهن وكان من المفترض عودتهم الأسبوع الماضي، إلا أنهم لم يعودوا وهواتفهم النقالة مغلقة منذ ذلك الحين، مما أثار قلق أزواجهن والسلطات البريطانية التى علمت أن النساء وأطفالهن أستقلوا طائرة من المدينةالمنورة إلى أسطنبول وأن المرجح هو أنهم توجهوا إلى سوريا، حيث يوجد شقيق للسيدات الثلاث يحارب بالفعل فى صفوف "داعش". وجاء ذلك الخبر بعد يوم من مقتل شاب بريطانى مراهق من منطقة غرب يوركشير يدعى طلحة أسمال يبلغ من العمر 17 عاما فجر نفسه فى العراق فى عملية انتحارية. ووسط كل هذا، أعلنت السلطات البريطانية أن شابا يدعى توماس ايفينز من منطقة باكنجهام شاير يبلغ من العمر 25 عاما، قتل فى كينيا قبل أسابيع خلال هجوم نفذه مع مجموعة من مقاتلى "تنظيم الشباب" المتطرف فى الصومال. وايفينز الذى أعلن إسلامه قبل سنوات، هو واحد من أصل نحو 50 بريطانيا يقاتلون الآن فى صفوف "تنظيم الشباب"الذى أعلن ولاءه لتنظيم القاعدة ويريد إقامة دولة إسلامية فى الصومال0. موجات المقاتلين الأجانب التى تتدفق على سورياوالعراق فى تزايد، خصوصا منذ إعلان ما سمى ب"دولة الخلافة" فى يونيو 2014. لكن مصدر القلق ليس فقط أن الأعداد تتزايد، بل أيضا أن الموجة الجديدة من المتدفقين على سورياوالعراق "أكثر راديكالية" من الموجات التى سبقتها. وبريطانيا معنية أكثر من غيرها، فهى إلى جانب المانيا وفرنسا ضمن أكبر الدول الأوروبية التى يخرج منها مقاتلون ينضمون لتنظيمات متطرفة فى الشرق الأوسط0. وحاليا يوجد نحو 700 بريطانى توجهوا للقتال فى سورياوالعراق، نحو ثلثهم غير معروف أساسا للسلطات البريطانية. أما المعروفون والمسجلون لدى السلطات الرسمية فنحو نصفهم عاد إلى بريطانيا، وقتل نحو 50 آخرين، ويحاكم ما يقرب من 15 حاليا أمام المحاكم البريطانية بتهم تتعلق بالانتماء لتنظمات ارهابية، بينما الباقى ما زال يعيش ويقاتل فى العراقوسوريا0. لكن هذه الأرقام لا تشمل بالضرورة المقاتلين فى "داعش" لان السلطات البريطانية، التى تقول إنها لا تتواصل مع "داعش" لا يمكنها التأكد من أى أرقام متعلقة بالمقاتلين فى ذلك التنظيم. كما لا تشمل الارقام البريطانية الرسمية من يذهبون، أو يقولون أنهم يذهبون فقط لدواع إنسانية أو لتقديم المساعدات الغذائية والطبية0. ومع ذلك وبرغم غياب معلومات كاملة حول صورة المقاتلين البريطانيين من حيث الدوافع والأيديولوجيا ومنابع التأثير، فإن هناك بعض المشتركات العامة من بينها أن غالبية هؤلاء يذهبون "جماعات وليس فرادى"، مثل افشكار جمان الذى كان أول من توجه من مدينة بورتسموث للقتال فى سوريا، ثم تبعه معارف وأصدقاء من نفس المنطقة، ونفس الشىء ينطبق على مدينة كوفنترى التى ذهب 3 من أبنائها تربطهم علاقات وثيقة إلى سورياوالعراق وكانوا يتحركون كمجموعة0. ويقول بيتر نيومان فى هذا الصدد:"وسائل التواصل الاجتماعى مهمة لا شك فى تجنيد مقاتلين من الغرب. لكن فى رأى وفى ضوء المعلومات الميدانية التى نجمعها عبر مقابلات أو شهادات، فإن 90% من حالات التجنيد تتم عبر الشبكات الاجتماعية الضيقة والتواصل المباشر عبر الأسرة أو المعارف أو الأصدقاء0". ووفقا للمعلومات المتاحة لدى السلطات البريطانية فإن لندن خرج منها العدد الأكبر من المقاتلين الذين توجهوا إلى سورياوالعراق حتى الآن. ويأتى بعدها مانشيستر، ثم بورتسموث، وبرايتون، وبرمنجهام، وكرديف، وكوفنترى وبرادفورد، وبريستول وغرب يوركشاير وبالذات منطقة داوسبيرى التى تعتبر "معقل الجهاديين" فى غرب يوركشاير، وخرج منها محمد صديق خان أحد القادة المسئولين عن تخطيط هجمات لندن فى 7 يوليو 2005. ومنطقة داوسبيرى هى ربما نموذج للمجتمع المغلق الذى يمكن أن تنمو فيه هذا النوع من الشبكات. فالمنطقة غالبيتها العظمى بريطانيون من أصول باكستانية وهندية توافدوا على بريطانيا فى خمسينيات القرن العشرين وأستقروا هناك، ثم بدأوا يحثون معارفهم وأبناء قريتهم أو مدينتهم فى الهند أو باكستان على المجئ إلى بريطانيا. وفى هذه المنطقة، تقلص عدد الإنجليز البيض تدريجيا حتى بات اليوم نحو 48 شخصا فقط. ومن الملامح الاجتماعية البارزة فى داوسبيرى ارتفاع نسبة ارتداء البرقع واللباس الأفغانى حتى بين الفتيات ممن لا تتجاوز اعمارهن ثمانى سنوات، وهيمنة المدارس الإسلامية الخاصة0. اليوم هناك فى سورياوالعراق نحو 21 الف مقاتل أجنبي. البعض عاد إلى بلاده الأم بعد اكتشاف الجانب المظلم من تجربة "اليوتوبيا الاسلامية"، لكن بالمقابل يتم تجنيد مقاتلين جدد كل يوم. وفيما يشكل المقاتلون من الشرق الأوسط نحو 60% من الموجودين داخل سورياوالعراق، فإن نحو الخمس يأتى من أوروبا0. وكانت أعداد المقاتلين الأجانب من ديسمبر 2013 حتى ابريل 2014 تجمدت، السبب وراء ذلك على الأرجح هو الاقتتال الداخلى بين الفصائل الإسلامية فى سوريا. لكن بعد يونيو 2014، بدأت أعداد المقاتلين الأجانب فى التصاعد مجددا0. وما يجذب غالبية هؤلاء بحسب ما يكتبونه على مواقع التواصل الاجتماعى أو المقابلات التى تجرى معهم لفهم الظاهرة، هو فكرة "البطولة" و"الموت من أجل هدف نبيل" و"الأخوة الإسلامية" و"المغامرة". وكان هناك قبل فترة "هاشتاج" منتشر على "توتير" بعنوان "جهاد الخمس نجوم"، حيث كان مقاتلون أجانب يسترخون حول حمام سباحة فى أحد منتجعات اسطنبول بانتظار سفرهم إلى سوريا، بينما يتناولون وجبات متنوعة من الأطعمة المشوية، وبعضهم يحمل أحدث الأسلحة، وبعضهم يتم تداول اسمه على مواقع التواصل الاجتماعى ك"بطل" مستعد للموت من أجل "الأمة الإسلامية". هؤلاء وبحسب ما يقول نيومان بمجرد أن يستقروا "يبدأون فى حث معارفهم وأصدقائهم فى لندن ومانشيستر وبرادفورد على المجئ إلى سوريا للجهاد0". وكما أن فكرة "الرجولة" و"البطولة" و"الجهاد" مهمة جدا لتفسير الظاهرة، هناك أيضا أسباب أخرى من بينها الدين والهوية. فالكثير من الدعاة المتشددين فى الغرب يروجون لفكرة ال"مؤامرة الكونية" ضد السنة فى المنطقة وأن "الفرض الدينى يقتضى أن يترك المجاهد كل شىء ويذهب لمساعدة وإنقاذ أخوته السنة". إيضا ومنذ إعلان "داعش" إعادة إحياء "الخلافة الإسلامية"، أصبح الأفتتان بفكرة الخلافة أحد الأسباب الرئيسية وراء تجنيد المقاتلين الأجانب. وبالنسبة لهؤلاء الخلافة لهم "يوتوبيا إسلامية" تتحقق على الأرض. وهم راغبون فى المشاركة فيها بأى ثمن0. والمحرك والدافع الأساسى لهؤلاء غالبا ايديولوجى - دينى - شخصي، لا علاقة له بالعداء للغرب وأمريكا. وفى مقابلات مع عدد من المتشددين العائدين من سورياوالعراق يقول بيتر نيومان:"تحدثت مع أحدهم أكثر من ساعة دون أن يذكر كلمة واحدة عن العداء لأمريكا أو الغرب. فالعداء لاوروبا وأمريكا لم يكن مركزيا فى ايديولوجية هؤلاء المقاتلين خلال أول عامين من الحرب فى سوريا. لكن مع ذلك يجب تسجيل أنه بسبب تباطؤ الغرب فى مساعدة هذه التنظيمات الجهادية، فإن خطابها بدأ يحمل لغة عداء للغرب بوصفه ايضا متواطئا ضد السنة0". منذ عام 2011 تم تدريب اكثر من 160 الف شخص فى بريطانيا كى يعملوا ميدانيا على تحديد منابع التطرف، وبناء على معلوماتهم تم استبعاد ما يقرب من 100 رجل دين من دعاة الكراهية، وتم سحب اكثر من 90 الف موضوع ومادة على الانترنت ذات صلة بالارهاب والتطرف. كما تم سحب نحو 30 جواز سفر بين عامى 2013 و2014 لاعتبار سفر اصحابها إلى العراق أو سوريا خطرا على الأمن البريطاني، غير أن المد الراديكالى ما زال مخيفا للبريطانيين... ، فالتجربة أثبتت أن هذه الموجة الجديدة أكثر راديكالية من الموجات السابقة ، والسوريون والعراقيون أول من يدفعون الثمن0