ماشاهده المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء من إهمال فى معهد القلب منذ أيام، ومابثه بعض شباب الأطباء على مواقع التواصل الاجتماعى من صور مذهلة للأوضاع البائسة داخل المستشفيات الحكومية تحت شعار «علشان لو جه مايتفاجئش» أمر ليس بجديد، ويعلم به القاصى والدانى وأولهم الدكتور عادل عدوى وزير الصحة.ولكن للحقيقة نحن ندفع ثمن إهمال وفساد أكثر من ثلاثين عاما، تفشى فى كل شيء ودمر جميع مكونات المنظومة الصحية فى مصر. ورغم أن دستور 2014 نص لأول مرة فى تاريخ مصر على أن تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة لا تقل عن 3 % من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية (المادة 18)، كما نص على أن تضمن الدولة تنفيذ التزامها بتخصيص الحد الأدنى لمعدلات الإنفاق الحكومى على التعليم، والتعليم العالي، والصحة، والبحث العلمى المقررة فى هذا الدستور تدريجيا اعتبارا من تاريخ العمل به، على أن تلتزم به كاملا فى موازنة الدولة للسنة المالية 2016/2017 (المادة 238)، إلا أن الواقع الموجود الآن يختلف عن النص الدستوري. فحسب دراسة للدكتور أحمد فتحى أمين الصندوق المساعد بنقابة أطباء القاهرة فإن ما تم فى ميزانية 2014/2015 كان مؤسفا جدا .. حيث صار نصيب الصحة فى هذه الميزانية 42.4 مليار جنيه ، فى الوقت الذى كان الناتج القومى الإجمالى لهذا العام المالى 243 مليار جنيه، وبحساب نسبة نصيب الصحة للناتج القومى الإجمالى تكون 1٫76 % فقط، فإذا كان من المفترض أن نصل بالنسبة فى ميزانية العام المالى بعد المقبل إلى 3% حسب الدستور, فإن هذا يعنى أن تكون النسبة المخصصة للصحة فى الموازنة التى سيبدأ العمل بها فى أول الشهر المقبل 2.38 % من الناتج القومى الإجمالي، أى مبلغ يتراوح بين 57 مليارا و 66 مليار جنيه على حسب الزيادة فى قيمة الناتج القومي. وفى بعض الإحصائيات المنشورة نجد أنه فى الوقت الذى زادت فيه عدد الأسرّة فى القطاع الخاص من 15 ألفا و 259 سريرا عام 1998 إلى أكثر من 30 ألف سرير ، نشهد انخفاضا ملحوظا فى عدد الأسرّة بالمستشفيات الحكومية التابعة لوزارة الصحة، حيث تراجع العدد من 71 ألفا و694 سريراً عام 1998 إلى نحو 42 ألفا ، لتعانى مصر نسبة عجز تصل إلى 50% فى عدد الأسرّة بالمستشفيات الحكومية. والحقيقة أن مشكلات المنظومة الصحية فى مصر أكبر من ذلك، وترتبط بعدة أطراف منها العامل البشرى والمستشفيات وتجهيزاتها و النظام الصحي، وكل طرف من هؤلاء يحتاج إلى منهج متكامل للإعداد ليكون على المستوى المطلوب. فمشكلة الأطباء ومعاونيهم ليست فقط فى تدنى الرواتب التى يتقاضونها، وهو أمر مهم يحتاج إلى تصحيح، ولكن أيضا فى عدم وجود نظام إجبارى للتدريب الطبى المستمر لضمان استمرار تطور المستوى المهنى للطبيب، وتخلى وزارة الصحة ونقابة الأطباء عن دورهم فى الرقابة على تنفيذ اللائحة الاسترشادية لأجور الأطباء فى العيادات الخاصة، والتى لم يعد لها وجود فى الواقع. ناهيك عن الرقابة على المستشفيات الخاصة ومايقع بها من أخطاء طبية متكررة، فى معظم الأحيان يكون من الصعب على المريض المسكين إثباتها بشكل قطعي، وأذكر فى هذا السياق ماجرى لأحد الأصدقاء منذ عدة أسابيع عندما أجرى عملية جراحية نزف خلالها كثيرا، وكان من المفترض حسب الأصول الطبية أن تجرى له عملية نقل دم وقتئذ لتعويض ما فقده، لكن المستشفى أهمل فى ذلك، رغم أن هذا المستشفى سبق أن تم اتهام طبيب وممرضة بالتسبب فى وفاة مريضة به نتيجة خطأ طبي، وكانت النتيجة أن صديقنا المريض تدهورت حالته ولم يكتشف السبب الحقيقى إلا بعد أن لجأ إلى طبيب آخر لمعالجة آثار نتيجة ماحدث له بسبب عدم نقل دم له فى الوقت المناسب. والخلاصة أننا إذا كنا نسعى لرفع المستوى المادى والمهنى للطبيب، فإن الأمر يستوجب السعى أيضا للتعامل مع الأخطاء الطبية للحد منها ومعاقبة مرتكبيها، ومراقبة أوضاع المستشفيات الخاصة أيضا. وهناك مقترح آخر فى غاية الأهمية سبق أن تقدمت به المبادرة المصرية للحقوق الشخصية العام الماضي، خاص بإنشاء مجلس أعلى للصحة بدلا من المجلس الأعلى للخدمات الصحية، برئاسة وزير الصحة الذى انشئ بمقتضى القرار الجمهوري، رقم 61 لسنة 1966 لرفع المستوى الصحى للمواطنين، فى نطاق الخطة العامة للدولة، لكن دوره انحسر فى التنسيق بين الجهات المختلفة داخل الوزارة، واقتصرت وظيفته على تقديم توصيات غير مُلزِمة، دون أى دورٍ فى متابعة وتقييم سياسات الصحة. على أن يكون المجلس الأعلى للصحة المقترح كيانا مستقلا، وبيتًا للخبرة وهيئة التمثيل للمعنيين بالشأن الصحى فى مصر، وينعكس هذا على عضوية المجلس الذى يتشكل من مجموعة متنوعة من الشخصيات بصفاتهم المهنية، وذلك بقصد توفير أعلى المستويات الصحية للمواطنين، وتكون قراراته ملزمة للجميع. وهناك أفكار ودراسات كثيرة تمثل «روشتة» علاج للمنظومة الصحية التى تعانى منها الأغلبية الساحقة من الشعب، تتطلب استجابة سريعة من الحكومة. # كلمات: إذا نزل بك مكروه فانظر فإن كان لك حيلة فلا تعجز، وإن لم يكن فيه حيلة فلا تجزع على بن أبى طالب لمزيد من مقالات فتحي محمود