تدخل منتجات «ميت غمر» من الألومنيوم كل منازل مصر، وقل أن تجد مطبخا لاتحمل رفوفه أنواعا مختلفة منها صُنعت فى إحدى ورشها أو مصانعها. ورغم ذلك لم يفكر أحد منا فى معاناة صُنَّاعها من مصاعب وأمراض وتعرضهم لإصابات خطيرة أفقدت بعضهم الحياة، أو على الأقل أعجزتهم عن إكمالها بجسد سليم، وكم من مصنع أُغلق بسبب مشكلات هذه الصناعة، ومن أصحابها ممن سُجنوا تنفيذا لأحكام بالحبس لعجزهم عن دفع ضرائب قُدرت جزافيا بغير منطق ، أو لمخالفات ، مسئوليتها مشتركة بينهم وبين الحكومة التى عجزت حتى الآن - عن رؤية كل تفاصيل المشكلة.
غالبا ما يحُرر موظفوها المخالفات العديدة للمصانع مكتبيا كما يقول يحيى عابدين فقط لإظهار أنهم «يعملون»، وذلك فى جهات عديدة مثل مكتب العمل أو التأمينات أو الأمن الصناعى وغيرها من الجهات الرقابية المتعددة، وأهمها الضرائب التى تعاملنا بصلف شديد، ورغبة مؤكدة فى إفشالنا، فهى تفرض أرباحا على كل مراحل العمل بداية من مرحلة صهر الألومنيوم ، ثم مرحلة الدرفلة (السحب) ثم التشكيل وغيرها من المراحل حتى يخرج المنتج إلى السوق، فتحصل عنه ضريبة مبيعات. وبالتالى يتحمل المنتج ما يصل إلى 60% من قيمته أعباء ضريبية، فى حين أن الضرائب المماثلة فى كل دول العالم يضيف يحيى عابدين - تحصل على المنتج وليس على مراحل الإنتاج، رغم الهدر والتالف فى كل مرحلة والتى تصل إلى 10% من إجمالى المادة الخام وإنتاجها. ويضيف : أما أخطر ما تفعله الضرائب معنا فهو مفاجأة صاحب المصنع بربط مبلغ كبير جدا كأرباح وانقضاء مدة الشهر المحددة للطعن أو الاعتراض، فى حين أن إخطار الضرائب فى الغالب لم يصل إلى العميل، وحتى لا يتم الحجز على المصنع وإغلاقه أو حبس صاحبه، فعليه أن يتقدم بطلب مشفوع بمبلغ كبير نقدا أو بشيكات للنظر فى الطلب وقبوله. فهل لا تمتلك مصلحة الضرائب طرقا أخرى بديلة عن خطابات «البريد» لإخطار العميل والتأكد من وصوله، مثل رسائل الهواتف المحمولة، أو البريد الإلكترونى. وهو ما يشير إليه المهندس أحمد دسوقى مؤكدا أن استمرار التعامل اليدوى فى مختلف تعاملات الأفراد مع الحكومة يهدر ما يقرب من 40% من الناتج القومي، يمكن توفيرها إذا تم اللجوء إلى وسائل الاتصال الحديثة بداية من إخطار الضرائب للعميل ومحاسبته عبر حسابه فى البنك إلى دفع فواتير الكهرباء والغاز، مما سيعمل - فضلا عن توفير الوقت وعدم إهدار المال - على وقف الفساد الإدارى. ازدواجية التعامل ويرى محمود راغب الدهتورى رئيس نقابة الألومنيوم ورئيس شعبة المعادن باتحاد الصناعات أن المشكلة الأهم هى ازدواجية التعامل من الدولة مع هذه الصناعة، حيث تتجاهلها تماما وترفض الاعتراف بها رغم تحصيلها كل مستحقاتها من ضرائب وتأمينات ومرافق وتمنع عنها الترخيص بالمهنة التى تصدره الوحدة المحلية بدعوى أنها تقع داخل الكتلة السكنية، فى حين أنها تعمل تحت بصر وسمع كل أجهزة الدولة، وتحصل منها على كل ما تفرضه عليها من التزامات مالية. ويضيف: السؤال الجاد الذى يعلو به صوت أصحاب هذه الصناعة والعاملين فيها هو: إذا كانت الدولة ممثلة فى الوحدة المحلية قد رخصت 700 ورشة ومصنع صغير، فلماذا لا ترخص ل 800 أخري؟ ولماذا رخصت بالعمل ل 4 مسابك ولم ترخص ل 36 مسبكا آخر رغم تحصيل حقوق الدولة؟ فيجب أن يتساوى الجميع فى الحصول على الحق مادام كان ملتزما بالواجب، فماذا يعنى عدم الترخيص درءا للإزعاج والتلوث الذى تسببه هذه الورش والمسابك فى حين أنها فعليا تعمل داخل الكتلة السكنية؟
منطقة صناعية ولأن محافظة الدقهلية تمتلك ظهيراً صحراوياً مجاوراً للساحل، فيمكن نقلها إليه، ولكن البعض يرفض ذلك بحجة أنه غير ممكن مقترحاً البديل الذى تبنته الحكومة قبل ذلك، وتوقف مشروع إنشاء منطقة صناعية بعد أن وضع حجر الأساس لمنطقة استثمارية على مساحة 17 فدانا تدفع هيئة الاستثمار للشركة القابضة للغزل والنسيج 1.200 مليون جنيه إيجارا سنويا منذ عام 2009، ويطالب طلعت محمد الشاعر رئيس جمعية الألومنيوم بميت غمر بتفعيل قرار إنشائها، مؤكدا تمام تخطيطها ووجود المرافق بها وتخصيص الميزانية لها، وهو ما يمكن أن يسهم فى حل أغلب مشكلات صناعة الألومنيوم التى يتوقف حل بعضها على وجود ترخيص. مخاطر صحية المشكلة الأخطر التى لاحظتها «تحقيقات الأهرام» هى الإصابات الفادحة التى يتعرض لها العمال، والمخاطر الصحية فى المسابك بتعرضهم لدرجة حرارة تزيد على 80 درجة مئوية طوال ساعات العمل أمام أفران الصهر، وبتر الأصابع والأعضاء التى تحدث لبعض العاملين على ماكينات الدرفلة والسحب ، والحرائق الناجمة عن انفجار أسطوانات الغاز لدرجة تفحم أحد العمال، وهى كثيرة ومتكررة، وحلها - كما يقول هانى إسماعيل أحد أصحاب المصانع يتمثل فى وجوب اهتمام الدولة بأن يشمل هؤلاء العمال تأمين صحى صناعى، لأن الإصابات تفقد العامل مصدر رزقه، وتكون عبئا والتزاما على صاحب العمل، والمتوفى فى المسبك أو نتيجة هذه الصناعة لا يحصل أهله على أى تعويض ويحصل العامل فى حالة العجز على معاش قدره 100 جنيه فقط، فى حين أن المصاب فى حوادث الطرق يصرف له تعويضا قدره 20 ألف جنيه حسب قانون 7 لسنة 2000، ويحصل أهل المتوفى على 40 ألف جنيه. ويطرح طلعت الشاعر الحل بضرورة دعم الدولة لهذه الصناعة وتنميتها من خلال التمويل من البنوك بفائدة بسيطة تسهم فى تحديثها بخطوط إنتاج حديثة تقى العمال شر الحوادث وتضاعف الإنتاج وتزيد من جودته. فوائد البنوك وعندما سألناه : لماذا لا تتقدمون كأصحاب مصانع من خلال اتحاد الصناعات وبرنامج تحديث الصناعة للحصول على هذه القروض؟ قال: البنوك حددت نسبة الفائدة ب 16%، فى حين أن العائد الصناعى أو الأرباح حسب الدراسات العالمية تؤكد أن الربح من 8 إلى 12%، فكيف إذن نربح 12% وندفع فائدة 16%؟ والدعم بالقروض يصل لأصحاب المصانع الكبيرة ورءوس الأموال الكبيرة لأنهم صنفوا مصانعهم فى السجلات التجارية كصناعات صغيرة ومتوسطة، ومن خلال علاقاتهم وسلطاتهم فى مركز تحديث الصناعة واتحاد الصناعات يحصلون على القروض الخارجية الميسرة الفائدة. ويضيف: طالبنا بدعم الصناعات الصغيرة وتعديل تصنيفها لدى البنوك والحكومة أرسلت شكاوى وطلبات لرئيس مجلس الوزراء ووزير الصناعة مطالبا بتعديل اللائحة المنظمة للتصنيف حتى تشمل مصانعنا وورشنا، ولكن لا مجيب، وتظل القروض والمنح توجه إلى المليونيرات من أصحاب الصناعات الكبرى فى المدن الصناعية ولرؤوس الأموال الكبيرة بها بنسبة فائدة لا تزيد على 6%. استيراد الصيني أما استمرار فتح باب الاستيراد للبضائع الصينية لبعض المنتجات المماثلة لما تنتجه مصانع ميت غمر مثل المفصلات والشباك الحديدية والتى تفتقد الجودة المصرية كما يقول عبد الرحمن مصطفى صاحب أحد المصانع، فإن ذلك يؤدى إلى تراجع هذه الصناعة وركودها. فالمنتج الصينى يصل إلى البلاد بسعر أقل 50% من سعر الإنتاج لدينا، والمواطن المستهلك يقبل عليها نظرا لانخفاض السعر غير عابئ بضعف الجودة وهى مسئولية الحكومة بضرورة رقابة المنتجات الواردة من الخارج لضمان جودتها كمسئولية اجتماعية. .. وبعد، فإذا كانت ميت غمر تنتج أكثر من 80% من الاستهلاك المحلى وتصدر إلى أكثر من 15 دولة عربية وإفريقية، ويعمل بها أكثر من 200 ألف عامل فى أكثر من 1500 ورشة ومصنع صغير ومتناهى الصغر، فلا أقل من أن تهتم الحكومة بها وتوجد لمشكلاتها الحلول ومنها توصيل الغاز الطبيعى الذى لا يبعد خطه الرئيسى عن مدينة ميت غمر سوى 7 كيلومترات فقط، سواء فى كفر شكر أو زفتى لتلافى عيوب الصناعة فى أسطوانات الغاز التى تؤدى إلى الانفجارات المتكررة. ونظل عشرات السنين نئن من المشكلات ولا مجيب، وتتبادل الحكومة والمواطن اتهامات التسيب والتسبب فى الأمراض. فنحن ندور فى حلقة مفرغة لا نبارح مكاننا، ولم تتقدم صناعة الأوانى الألومنيوم التى اشتهرت بها ميت غمر بل شاخت وعلا الشيب مصانعها رغم أن منتجاتها تصدر إلى أكثر من 15 دولة عربية وإفريقية وأحرقت نيران مسابكها قلوب وأجساد صُناعها وبترت ماكينات الدرفلة والسحب أذرعهم وأصابعهم، واستمرت الضرائب فى تحصيل مستحقاتها مضاعفة بشكل استفزازى حتى عجز بعض أصحاب المصانع عن السداد ليقضوا سنوات عمرهم الأخيرة فى السجون، وتكاثرت عليها التأمينات ومكاتب العمل والأمن الصناعي. الرقابة وإذا كانت رقابة الجودة بوزارة التموين تؤكد فى أغلب تقارير فحص العينات التى تحصل عليها من المصانع عدم مطابقتها للمواصفات القياسية، فهل يصح أن يقع العقاب على المصنع وليس على المسبك وهو المسئول عن خلطة الألومنيوم التى تمزج بين الخام المستورد وخامات مصانع ألومنيوم نجع حمادى والتى تتمتع بجودة نقاء مطابقة للمعايير الدولية والمرتجع من أوانى الطهى المستعملة والخردة المجموعة من الأسواق، فى حين أن المسئول عن درجة الجودة هو المسابك التى تهملها الرقابة بجميع أنواعها فتتسرب إليها نفايات خطرة وفى أفضل الأحوال خبث غير مطابق للمواصفات، ولن نتهم أى جهة بالرشوة أو الفساد أو حتى الإهمال، ولكن نتساءل: ما الذى أدى إلى تسرب نفايات خطيرة من خبث الألومنيوم إلى البلاد وهى «الشحنة»، التى رفض جهاز شئون البيئة الإفراج عنها فى خطابه رقم 797 بتاريخ 11 مارس 2014 الموجه إلى مركز الدخيلة الجمركى المطور معتمداً من رئيس الإدارة المركزية للمخلفات والمواد والنفايات الخطيرة المهندس أمين السيد خيال والذى يؤكد فيه أن هذه الشحنة المستوردة من مملكة البحرين عبارة عن نفايات صناعية خطيرة يلزم إعادة تصديرها إلى مصدرها على نفقة المستورد ومن نفس المنفذ الجمركى مع التنبيه بعدم نقلها إلى أى منفذ جمركى أو ميناء آخر من موانئ مصر. ومع غياب الرقابة على المسابك نتساءل: هل هذه الشحنة هى الوحيدة التى وردت إلى البلاد وأدخلت فى صناعة أوانى الطهو؟ وما تأثيرها المباشر على العامل الذى يقوم بسبكها وتصنيعها؟ وعلى المستهلك الذى يقوم بطهى طعامه فى إناء صنع منها؟ أم أن شحنات كثيرة مماثلة دخلت إلى البلاد والمسابك والبيوت فنقلت السموم والسرطانات إلى أكباد المصريين؟ ولماذا تظل الشحنة فى الميناء منذ أكثر من خمس سنوات؟ وما هو تأثيرها الإشعاعى على موظفى الجمارك والميناء فى محيط تخزينها؟ أسئلة يجب على الحكومة الإجابة عنها! وإذا كان قانون 4 لسنة 1994 قد حظر فى أكثر من مادة استيراد أو السماح بدخول النفايات الخطرة إلى البلاد أو حتى مجرد مرورها فى أراضيها، فإن بقاء هذه الشحنة الخطيرة داخل الميناء لمدة تزيد على أربع سنوات مصيبة كبري، ورغم تأكيد جهاز شئون البيئة المتكرر وآخره فى مارس من العام الماضى بضرورة إعادة تصدير هذه النفايات إلى مصدره على نفقة المستورد إلا أن أحدا فى أجهزة الدولة لم ينفذ هذه التوصيات.