ما المدهش في أن تخرج بنت ما، فتهز أعطافها، وترجرج كنوزها المخفية، وتتقصع، وتتمايص، فتغني:«سيب إيدى»؟ هل لسعكم الابتذال؟ وهل هي المرة الأولي التي ترون فيها هذا الفحش وذاك الابتذال؟ إن المدهش- بجد- هو تلك الانتفاضة اللوذعية التي انتفضها إعلامنا الرائد، فأرغي وأزبد، وتعملق واستأسد في نقد البنت التي راحت تتلوي، فكأنما الحرب الثالثة الكبري قد قامت! بالله عليكم؛ هل «سيب إيدى» هي أهم القضايا التي تشغل بال المصريين الآن؟ كيف وأنت مقدم علي حقبة جديدة تصحو فيها مصر من رقدتها، فتطلق مشروعات عملاقة ستعيد بها كتابة تاريخها من جديد؟( نتحدث هنا عن قناة السويس الجديدة كمثال) هل هذا هو الإعلام الذي كم تمنينا عليه أن يواكب الزمن الجديد؟ قل لي: أيهما أكثر ابتذالا؛ «الكليب» المايص أم الإعلام الذي أفشي بيننا المياصة والتفاهة والميوعة حتي كدنا نعتقد أن ذلك هو أصل الأشياء، وأساس سياق الحياة، الذي يجب أن نصحو عليه وننام؟ إن هذا النوع من غناء «هز الوسط» موجود عندنا منذ الأزل، لكنه كان دائما مجرد جملة اعتراضية، وموضة استثنائية، وصرعة مؤقتة، ما تلبث أن يخرج عليها النهار فتسيح، فلماذا هذا التكالب الممجوج عليه الآن؟ وللتذكير، فإننا في أعقاب مأساة 67 سمعنا ترهات عن الطشت الذي يتكلم، وعن العتبة الجزاز، وعن السلم النايلو في نايلو، كما سمعنا« ادّلع يا رشيدي علي وش الميّة.. سيب شعري وامسك إيدي.. علي وش الميّه».. فلم تتوقف الحياة عند هذا الهزل، ومضينا نبني حتي انتصرنا.. انتصرنا.. انتصرنا! ثم.. ما الفرق بين سيب إيدي.. وامسك إيدي علي وش الميّة؟ أليس المسك و«السيبان» وجهين لعملة واحدة؟ يا سادة.. نحن أمام إعلام تائه سائب فقد البوصلة، وضاع منه الكاتالوج، وإلا فلماذا كل هذا الغضب العنتري المزعوم من «سيب إيدى»؟ وما رأيك- دام فضلك- في إعلام يوجه مؤخرته يملأ بها فراغ الكاميرا كله بحجة قراءة الطالع؟ وهل سنعرف الغيب من قراءة المؤخرات يا أمة ضحكت من جهلها الأمم؟ إعلام هو.. تاه تحت قدميه سلم القيم، فلم يعد يعرف سوي البحث عن مضاعفة عدد المشاهدين، وزيادة كعكة الإعلانات، و«الترافيك».. حتي لو كان ذلك علي حساب تحطيم السلم كله( سلم القيم) فوق رءوسنا جميعا. كل الإعلاميين( إلا من رحم ربي) هبوا هبة رجل واحد ضد فيديو علي الفيس بوك مدته ثلاث دقائق و58 ثانية.. ولم يسأل سائل منهم نفسه: هل يستحق هذا الهزل كل هذا العناء؟ كيف سمح الإعلام عندنا لنفسه بأن يتدني فينساق خلف ما يطفحه الفيس ليل نهار.. مع العلم بأن «الفيس» ما هو إلا مراهقات صبيانية، تفتقر إلي التوثيق والرصانة والمهنية؟ الفيس بوك شغلة عيال.. فهل سنظل طويلا نمشي وراء العيال؟ اسمعوا.. إن إعلام التسلية مطلوب، خاصة في هذه المرحلة التي يخيم عليها الشك وتسودها الحيرة.. إلا أن التسلية ليست كل شيء، والمنطق يقتضي أن يكون الإعلام في طليعة النخب التي ينبغي عليها قيادة المجتمع إلي الخروج من التوهان، والتخلص من الحيرة. إن ترك الحبل علي الغارب لكل من هب ودب هكذا لا يمكن السكوت عليه، أو التسامح معه.. ولا تحدثني أرجوك عن الحرية! كنا نتعشم أن يقود القطاع الخاص قاطرة التنمية الاقتصادية في المجتمع.. لكننا لم نر حتي اليوم أي بادرة للنهوض بهذا الدور.. وها هي «الدولة» هي التي تفعل كل شيء. وطبعا- وكما يعرف الجميع- فإن لجام الإعلام عندنا الآن هو في قبضة القطاع الخاص.. فهل أحسن إعلام القطاع الخاص توجيه اللجام؟ لابد- يا أساطين الإعلام- من وقفة جادة مع النفس حتي لا ينصرف عنكم مشاهدوكم الذين بلغ بهم السأم كل مبلغ حتي صار معظمهم يغيرون الروموت بحثا عن الأبيض والأسود ترحما علي زمن فات.. وحبذا لو كانت البداية مراجعة المنهج من جديد بحيث لا يكون الفيس بوك هو قبلتكم، ومنجم معديكم، وشغف المذيعين. إن إعلام «سيب إيدى» ليس حلا.. فاستيقظوا يا إعلاميينا قبل فوات الأوان!. لمزيد من مقالات سمير الشحات