يعاني الكثير من الناس أزمات هذه الأيام؛ نظرا لقلة الدخل وارتفاع الأسعار، وهو ما يضطر البعض إلى العمل بأكثر من مهنة، ولا بأس بذلك ما دام يسير المرء في طريق الحلال شريطة أن يأخذ بالأسباب الأخرى للرزق ولا يتكل على العمل وحده. ويتحرى الحلال في عمله فله بذلك أجر كبير إن شاء الله تعالى، ولا بد من ذكر الله عز وجل والاستعانة به، وأداء الصلوات في أوقاتها جماعة، ومراعاة حقوق الرب والبدن والأهل والضيف، لقد زار سلمان الفارسي -رضي الله عنه- أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة! فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا! فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً، فقال: كل، قال: فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل! قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نَمْ، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نَمْ، فلما كان من آخر الليل، قال سلمانُ: قُمْ الآن فصليا. وقال له سلمان: إن لربك عليك حقًّا ولنفسك عليك حقًّا ولأهلك عليك حقًّا فأعطِ كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "صدق سلمان" (رواه البخاري). فلا بد من التوازن في الحياة بين حق الرب والأهل والضيف والنفس، والعمل مع كل هذا مستعينين بالله تبارك وتعالى؛ فديننا يأمر بالاعتدال والوسطية مصداقا لقوله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:77]. فمن أخلاق الإسلام أنه يحث على الاعتدال والتوسط في الإنفاق والاستهلاك، وينْهَى عن الإسراف فهو دين الوسطية من اتبع نهجه فلن يشقى، يقول تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأعراف:31)، ولا بد من تنمية القناعة والدوافع الداخلية من خلال الرقابة الذاتية الإيمانية وزيادة الإيمان، والتخلص من دوافع والطمع وعدم الرضا ولسان حال أهل الدنيا كما يقول العقاد: صغير يطلب الكبرا *** وشيخ ود لو صغرا وخال يشتهي عملا *** وذو عمل به ضجرا ويشقى المرء منهزما *** ولا يرتاح منتصرا ورب المال في تعب *** وفي تعب من افتقرا فهل حاروا مع الأقدار *** أو هم حيروا القدرا طبعا هم لم ولن يحيروا القدر، فقط لا بد من توفر الرضا بما قسم الله والاستعانة في دفع البلاء بالتوكل والدعاء والأخذ بالأسباب. لمزيد من مقالات د . جمال عبد الناصر