تقف مصر على مفترق طرق ما بين استعادة دورها الاقليمى المركزى فى الشرق الأوسط ومؤامرات تهميش هذا الدور وبخاصة فى القضايا المصيرية بالمنطقة. التحديات والآفاق أمام دور مصر الإقليمى يرصدها د.عبدالمنعم المشاط عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة المستقبل، فى دراسة بعنوان «تأثير المتغيرات الدولية على الدور الإقليمى المصرى». وطرحها أمام موتمر «دور مصر الإقليمى بعد الثورات العربية» الذى عقد بمناسبة مرور 30 عاما على إصدار التقرير الاستراتيجى العربى بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. وباستعراض رحلة السياسية الخارجية المصرية منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، يكشف د.المشاط اللثام عن الأخطاء التاريخية التى انزلقت إليها السياسة الخارجية المصرية مما جاء على حساب دورها الإقليمي. وبحسب الدراسة، فإن الثنائية القطبية التى أعقبت الحرب العالمية الثانية أتاحت لمصر (ما بين عامى 1952-1973) المبادرة بسياسات إقليمية مستقلة نسبيا، مما مكنها من المساهمة فى تكوين النظام الإقليمى العربى الذى لم يكن معروفا من قبل. لكن بدء مرحلة التسوية السلمية مع إسرائيل انطوت على خطاب سياسى مصرى شوه العلاقات المصرية - العربية والمصرية - السوفيتية، بينما أعلى من العلاقات المصرية - الأمريكية. وكان ذلك مقدمة للتركيز على البعد القطرى والإعلاء منه على حساب البعد القومي. وأصبح الدور المصرى «غائبا» خلال الفترة الأولى من حكم الرئيس الأسبق مبارك ما بين عامى 1981و 1991. وكان من أبرز الأخطاء التى شهدتها هذه المرحلة: عدم القدرة أو الرغبة فى القيام بدور إقليمى فعال وغياب المبادرات المصرية الفعالة. أضف إلى ذلك تدنى لغة الخطاب السياسى القومى والإقليمي. والعجز الإدارى والفساد السياسى وغياب الإرادة للإصلاح مما أغرق صانع القرار فى بحر لجى لامخرج منه. وأوضح د. المشاط أن الانحياز للولايات المتحدة والتدليل المخل لإسرائيل فى هذه المرحلة، أصاب السياسة الخارجية المصرية بشلل تام فى قضايا وملفات حيوية. كما أنه دفع بالسياسة الخارجية المصرية إلى التنازل عن دورها التقليدى لغيرها من الدول الأقل أهمية التى استخدمت أموالها ومذهبها الدينى فى تحدى الدور المصرى والحلول محله. وتوضح الدراسة التى أعدها د. المشاط أن الدور الإقليمى لمصر تأثر بشدة فى الفترة ما بين 1991-2011. وكشف عن أن هذه الفترة شهدت تحولات خطيرة فى التوازنات الإقليمية، قامت فيها أمريكا وإسرائيل بتوظيف القدرات العسكرية والاستراتيجية الإيرانية ضد الدور المصرى التقليدي. وبعد ترويج أمريكى علنى لدور إقليمى فاعل لإيران، لم يعد لمصر دور مؤثر فى فلسطين والعراق ولبنان والسودان والصومال. وأشار د.المشاط إلى إمكانية النظر للمحاولات التركية لإعادة الإمبراطورية العثمانية بنفس المنظور، حيث أن هذه المحاولات تستهدف أساسا الحد من الدور الإقليمى لمصر. ولعل فى موقف تركيا الداعم لجماعة الإخوان دليل قاطع على ذلك. ويحذر د. المشاط من أن إدارة السياسة الخارجية المصرية بذات الأسلوب الذى أديرت به فى عصر النظامين السلطوى والثيولوجى ليس من شأنه فقط تأخير مصر عن الوصول إلى دورها الإقليمي، وإنما الأخطر؛ حيث أنه يسيل لعاب دول الجوار الجغرافى ودول عربية أخرى للحد من الدور المصري. أما بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو، فإن مجموعة من المتغيرات قد نشأت على رأسها التحول الديمقراطي. وانهيار المركزية المطلقة فى عملية اتخاذ القرار وشخصنته، فى مقابل درجة أعلى من التعددية، ووجود رؤية مصرية أكثر انطلاقا للتفاعل مع الآخرين. ولم تغفل الدراسة الإشارة إلى التطورات المرتبطة بالعملية السياسية والتى خلقت أزمات داخلية حادة تضع قيودا على الدور الطموح لمصر. وحددت الدراسة مجموعة من التوصيات فى سبيل الوصول إلى الدور المصرى الواعد والمستقبلى تتضمن صياغة سياسة خارجية فعالة تتولى فيها وزارة الخارجية المصرية الملفات الرئيسية مثل الصراع العربى الإسرائيلى ومياه النيل. وتوازن العلاقات مع الفاعلين الرئيسيين فى النظام الدولى دون الانحياز المطلق للولايات المتحدة، وهو ملف بدأه النظام السياسى الجديد. ثم صياغة استراتيجية جديدة تجاه دول الجوار التى تهدد الدور والمصالح القومية المصرية وبخاصة تركيا وإيران. مع تنشيط الدور المصرى فى أفريقيا. والقيام بمبادرات غير تقليدية فى المنطقة. ودعت الدراسة إلى التحول الكيفى ليس فقط فى إدارة السياسة الخارجية وإنما فى تصميمها والرؤية الثاقبة لأطرها.