كان من المفترض أن أكتب هذه السطور فى إطار استعراض لتاريخ العلاقات المصرية والأردنية كمقدمة للولوج فى استكشاف الآفاق المستقبلية المحتملة لعلاقات البلدين ولكننى رأيت أن أتناول هذه القضية من أرضية الرؤية الشاملة لأوضاع أمتنا العربية التى لم تعد تسر حبيبا أو عدوا. وأبدأ بسؤال تمهيدى هو: لماذا وصلنا كأمة عربية وإسلامية إلى ما وصلنا إليه وما نشكو بل ونعانى منه؟هل يا ترى هو آفة العجز عن مواجهة الحقيقة وإصرارنا على الهروب إلى الأمام من خلال تجاهل مفضوح لحجم التحديات والمخاطر والاكتفاء بطرح شعارات وطرح رايات لا هى معقولة ولا هى مقبولة فى عصر المعرفة!لقد كشفت أحداث السنوات الأربع العجاف الأخيرة التى تعرضت فيها الأمة لمحنة الانقسام والاقتتال تحت رايات مزيفة رفعها من أرادوا استثمار انتفاضات الغضب المشروعة فى معظم أقطار الأمة للادعاء بوجود ربيع عربى حتى يتمكنوا من تمرير مخططات الفوضى الهدامة وإعادة رسم خريطة منطقة الشرق الأوسط من جديد. ولعل أكثر ما ساعد على إطالة عمر هذا الزيف والخداع قبل أن تنتفض مصر فى 30 يونيو 2013 أن خبثاء لعبة الأمم اعتمدوا على كراسة استعمارية قديمة ترتكز إلى إعادة النبش فى الماضى وإحياء الرواسب والعادات والعقليات السلبية والمريضة فى الثقافة العربية التى تجذب المجتمعات العربية بأفكارها ورؤاها إلى الوراء وتستحدث قيودا جديدة تكبل بها الأمة وتشل إرادتها وتعطل إبداعها وتشوه صورتها أمام المجتمع الدولي. وهنا يجوز القول بأن مصر والأرد ن – رغم اختلاف الظروف واختلاف المعطيات – نجحتا بالحكمة والروية فى التعامل مع عواصف الفوضى الهدامة بتجنب المغامرات وتفادى كمائن الاستدراج ووضع هدف حماية الدولة الوطنية كخط أحمر لا يجوز لأحد الاقتراب منه مهما علت أصوات الهستيريا المرتدية أقنعة الثورة والتغيير! والحقيقة أن مصر والأردن تنهجان منذ سنوات – ودون اتفاق مكتوب – منهجا عقلانيا فى التعاطى مع هموم الداخل وتحديات الخارج وعدم الالتفات إلى المزايدات التى كلفت الأمة العربية أثمانا باهظة نتيجة الانسياق وراء السياسات الصبيانية غير المدروسة والبعيدة تماما عن قراءة الواقع. وربما يكون ضروريا ومفيدا أن أشير هنا إلى من كانوا ولازالوا يدعون إلى إزالة إسرائيل من الوجود والدخول فى صدام مباشر مع أمريكا التى تدعمها وتحميها بينما تبنت القاهرة وعمان – من خلال قراءة استراتيجية صحيحة – منهج هجوم السلام بدلا من هجوم الجيوش الذى يدفع بأمتنا العربية إلى صدام غير متكافيء مع أقوى قوة عالمية عرفها التاريخ ومعها حلفائها الأوروبيين وحليفتهم إسرائيل.. وكأن هؤلاء الصبية وحديثى العهد بالسياسة لم يفهموا درس العراق الذى جرى تدميره وإعادته للوراء بأكثر من قرنين من الزمان! ولعل هذه القراءة العقلانية من جانب مصر والأردن فى التعامل مع المشهد الإقليمى المعقد والملتبس هو امتداد لقراءة عقلانية مماثلة فى سعى البلدين للخروج من مستنقع العجز الاقتصادى والتخلف الاجتماعى والإحباط المعنوى بروشتة ذاتية تناسب كل بلد حسب ظروفه ولكن القاسم المشترك هو الإيمان العميق بأن الإسلام المعتدل لا يتناقض مع الديمقراطية والحرية والمساواة واحترام حقوق الإنسان وعدم التمييز وتداول السلطة. وعندما يجييء الوقت الملائم لكتابة تاريخ هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الأمة العربية فسوف يكون هناك بالقطع إنصاف للحقيقة بأن مصر والأردن أثبتا على أرض الواقع خطأ وخطيئة الذين يبالغون فى تخويف شعوب أمتنا من خطر انتشار فيروسات الديمقراطية والحضارة الغربية على أمتنا.. مثلما أثبت البلدان أيضا خطأ بل وجريمة أمريكا والغرب فى نشر «الإسلامو فوبيا» لتخويف شعوبهم من الإسلام والمسلمين وتصويرهم على أنهم خطر يهدد الحضارة الغربية والسلام والاستقرار العالمي. ولعلها فرصة لكى نلح على من بيدهم الأمر فى بلدينا ضرورة تثبيت صحة اليقين لدى المواطن العربى بأن الديمقراطية تقوم على ركيزتين أساسيتين هما : الدولة القوية والمواطن الواعى وإنه إذا اهتزت أو تآكلت إحدى الركيزتين تصبح الديمقراطية عرجاء لأنه فى غياب الدولة القوية القادرة على بسط الأمن والاستقرار وضمان العدالة يصبح الوطن أشبه بغابة تسودها الفوضي... وبالمثل فإنه فى غياب المواطن الواعى الذى يتولى رقابة الدولة وممارساتها تصبح الدولة كيانا مستبدا يغيب عنه الوجه الإنسانى نتيجة شراسة الأجهزة وتراجع مفهوم المصلحة الوطنية. أتحدث عن الحلم المشروع والممكن والوارد بإذن الله فى مصر والأردن وسائر بلدان أمتنا العربية فى حكم ديمقراطى يجمع بين المواطنة ودولة القانون من خلال أنظمة للحكم لا تتجاوز الدستور أو تفكر للحظة فى تجميد أى قانون. [email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله