الكل يتحدث في مصر هذه الأيام عن صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي تبدو واضحة للعيان.. وهذا أمر طبيعي, ولكن عندما يتحول الحديث إلي لغط وعشوائية في التفسير فإن الأمر يبدو خطيرا ومزعجا لأنه يسهم في انتشار الشائعات التي تؤدي بدورها إلي هز الاستقرار وهز الثقة في مجمل المنظومة الاقتصادية المصرية. وليس يعنيني التوقف أمام بعض جوانب اللغط المفتعل الذي يتجاهل مردوده أننا جزء من اقتصاد عالمي يمر منذ عدة سنوات بأسوأ مراحله نتيجة الأزمة المالية العالمية التي تفجرت عام 2008 ووصولا إلي تراجع الجذب السياحي للمنطقة بشكل عام ولمصر بشكل خاص نتيجة الأحداث الساخنة في معظم دول المنطقة. لكن الذي يهمني هو أن جانبا آخر من جوانب اللغط يستحق أن نتوقف أمامه بالتأمل والدراسة للبحث عن أسبابه وسبل مواجهته وكيفية تخفيف سلبياته علي مجمل الوضع الاقتصادي العام في مصر. أريد أن أقول صراحة: إن القضية ليست فقط قضية ضبط وترشيد سعر الدولار والحيلولة دون عودة السوق السوداء ولعبة المضاربة المدمرة لقيمة الجنيه المصري, وإنما القضية تتركز أساسا في الرؤية الشاملة والمتكاملة لأوضاع الاقتصاد المصري ككل! إن من غير المعقول أن يظل باب الاستيراد مفتوحا علي مصراعيه في بلد لا يعاني فقط من تراجع في رصيد احتياطي النقد الأجنبي, وإنما يعاني من عجز عن تصريف بعض إنتاجه المحلي وارتفاع معدلات الطاقة العاطلة في المصانع المحلية التي تنتج سلعا مثيلة لتلك السلع التي يتم استيرادها وتستنزف رصيد مصر من العملات الأجنبية. إنني أفهم أن تكون هناك مواجهة جريئة وشاملة وعاجلة تغلق تماما سياسة الاستيراد غير الضروري التي تحولت إلي فوضي قد تنذر بحدوث كارثة لا يقتصر أثرها علي اللغط الدائر حول احتمالات استمرار زيادة سعر الدولار في الأشهر المقبلة بمعدلات مزعجة, وإنما سوف تهدد الإنتاج المحلي الذي تراجعت معدلاته نتيجة توقف العمل في بعض المصانع وهو أمر يمكن أن تترتب عليه تداعيات تؤدي إلي زيادة عبء البطالة في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلي مزيد من المشروعات والتوسعات التي تستوعب الفوائض المتراكمة في سوق العمل عاما بعد عام. وغدا نواصل الحديث.. خير الكلام: محاولة إرضاء كل الناس أول خطوة علي طريق الفشل! المزيد من أعمدة مرسى عطا الله