حين يتحدث الدكتور إسماعيل الدفتار عضو هيئة كبار العلماء وأستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر، عن الأحاديث النبوية وكتب الصحاح ، ينصت الجميع، لم لا والعالم الجليل الذي ناهز الثمانين من عمره قضى حياته في رحاب الأزهر الشريف باحثا ومدققا ومتخصصا في علوم الحديث والسنة النبوية الشريفة. يؤكد في حوار ل « الأهرام» أن الهجوم على السُنة ومحاولات التشكيك في سلامتها منذ القدم، وأن هذه الهجمة هي مجرد زوبعة في فنجان لن تلبث إلا قليلا حتى يسدل عليها ثوب النسيان، كالذي حدث على مر الزمان، كما أن ما يذكرونه عن البخاري أو غيره من الأحاديث التي أثيرت حولها الشبهات كلام لا يقوم عليه دليل، وذلك لأن البخاري وغيره من كتب الحديث لم يتركها علماء الأمة على مر الزمان من غير فحص أو مراجعة وخضع على مدى عقود لدراسات متنوعة ويدركها كل من يعرف مناهج المؤرخين وعلماء الحديث. وقال إن الإسرائيليات والمدسوسات رد عليها الأقدمون، وأنه لا تعارض بين القرآن والأحاديث النبوية . وإلى نص الحوار ..
بما تفسر الهجوم على السُنة وصحيح البخاري الآن؟ الهجوم على السُنة ومحاولات التشكيك فيها قديم جدا، والذين يشككون في الوقت الحالي يخدمون تياراً فكرياً معيناً، وهم جماعات معروفة بالاسم، وهذه الهجمة هي مجرد زوبعة في فنجان، ولن تلبث إلا قليلا حتى يُسدل عليها ثوب النسيان، كالذي حدث على مر الزمان. وأقوالهم التي يذكرونها عن البخاري أو غيره والأحاديث التي يستشهدون بها كلام لا يقوم على ساق، والدليل أن البخاري وغيره من كتب الحديث لم يتركها علماء الأمة على مر الزمان من غير فحص أو مراجعة وبحث، فما من كتاب من الكتب المشهورة إلا وقد خضع لدراسات متنوعة يدركها كل من يعرف منهج المؤرخين، ومنهج علماء الحديث، وفي هذا المقام يمكن أن يرجع الذين ينشدون الحق الى كتاب الدكتور عبدالرحمن بدوي، عن المناهج، وقد وجه إلى مرويات السٌنة كلاماً طائشاً، لكن الله منَّ عليه وفي أخريات حياته كتب كتابه (دفاعاً عن الذين آمنوا)، وفي أثنائه أشاد بما فعله علماء الحديث في كتبهم، و كذلك في كتابه (دفاعا عن القرآن). وهناك موسوعات في نقد البخاري، وعندما درس العلماء في تلك الأزمنة هذه الكتب وجدوا أن الانتقاد المذموم فيها لا يصح في حقيقة أمره، والبخاري وكتابه منه براء، ولكن لم يكن هناك انتقاد يعول عليه إلا انتقادات الإمام (الدارقطني) الذي توفى عام 385، والدارقطني لم ينتقد ما انتقده من صحيح البخاري على أنه يبتعد عن كونه صحيحا، وإنما كان نقده وغاية ما وصل إليه أن تلك الأحاديث التي انتقدها لا تصل إلى الدرجة العليا التي التزم بها البخاري. وأقول لكل من يريد انتقاد البخاري أنه بالرغم من شهرته والإقرار بعلمه وتفوقه على معاصريه، كان له أعداء وخصوم وبخاصة في آخر حياته، ومن بين من كان يقود عملية الخصومة للبخاري، الإمام محمد بن يحيي الزهري، وهو من شيوخ البخاري، ولو وجدوا طعناً أو مغمزاً فيما صنعه البخاري لشنعوا به بين الناس، لكنهم ثاروا وفاروا في قضية لا ترتبط بالكتاب الصحيح، ولا بالأحاديث، ولو كان شيء من ذلك لوصل إلينا تلميحاً. ألم يقر الكثير من قدامى العلماء بوجود أحاديث ضعيفة ومكذوبة ومتعارضة مع صحيح القرآن؟ رد العلماء من قبل على هذه الشبهات التي أثيرت، ومن هذه الأحاديث (حديث السحر، وحديث الذبابة، وصورة عزرائيل عندما أتى موسى على هيئة ملك الموت) فكيف فقأ عينه موسى عليه السلام، وهذا ما تحدثوا فيه، وفي هذا الحديث أراد على لسان النبي، صلى الله عليه وسلم، أن يعلمنا أن الإنسان مهما وصل في درجات التقرب إلى الله فإنه يتعلق بالحياة الدنيا التي يحياها وكي يزداد عملاً صالحاً يقربه إلى الله، فإذا كان موسى، عليه السلام، الذى نزل عليه وحي من الله كره أن يزوره ملك الموت قابضاً لروحه، فإن لغيره أن يستعد لهذا اليوم العظيم. أما وجود أحاديث ضعيفة فهناك ما يسمى بالشواهد والمتابعات، وأما الادعاء في صحيح البخاري ما يخالف بعض الآيات القرآنية، فهذا جهل وضلال، لأن البخاري من أحرص الناس على هذا والقاعدة عند علماء الحديث أن الحديث مهما كان شأنه فإذا تعارض مع القرآن الكريم لا يكون صحيحاً وهذه القاعدة يعرفها المبتدئون في علم الحديث، فكيف في البخاري، ولم نجد تلميذا من تلاميذه اعترض عليه ، ومن يطلع على صحيح البخاري يرى كيف يعرض الآيات القرآنية ويبين معناها، ولو كان هناك تعارض مع أي آية لكان نبهنا إليه البخاري. ألا يوجد في البخاري أحاديث تسيء إلى الصحابة وأمهات المؤمنين يتوقف عندها الشيعة للنيل من المذهب السُني؟ لا يوجد في البخاري ومسلم أحاديث تُسيء إلى أي أحد من الصحابة، وإذا قال الشيعة ذلك فلا يقبل كلامهم، والنبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: (الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً من بعدي فلو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولو نصيفة) وكلمة مد تعني حفنة. هل نحن بحاجة الآن أكثر من أي وقت مضى إلى تنقية تراثنا الإسلامي من تلك الروايات المدسوسة والإسرائيليات التي تحفل بها كتب التفاسير والأحاديث؟ السابقون بذلوا جهودا في ذلك تفوق طاقة البشر، وهناك من التزم في بعض كتبه ألا يخرج إلا الحديث الصحيح بحسب المنهج الذي يراد، ومن هؤلاء البخاري بمشورة وبمراجعة مشايخه، وكذلك الحاكم في كتابه المستدرك وابن خزيمة في صحيحه، وابن حبان في صحيحه، وغيرهم كثيرون، وهناك من التزم أن يذكر بعد تمام الحديث درجتين، وماله وما عليه في جانب التوثيق وهناك من كان يذكر منهجه منفصلا عن كتاب أو مستقلا عن كتاب المرويات، كما فعل أبوداود، وبين العلماء في شروحهم هذا المنهج وطبقوه على كل حديث. وتنقية مرويات السٌنة قام بها العلماء الأقدمون والواجب علينا دراستها والالتزام بها في حديثنا إلى الناس، وما يوجد في كتب التفسير من الإسرائيليات أو الأحاديث المكذوبة، فمؤلف الكتاب نبه إلى ذلك في البداية وقد يكون التنبيه في سياق الكلام أثناء التفسير، مثلا: ابن كثير وهو يروي قصة بناء البيت الحرام، أشار إلى روايات وقال إنها من الإسرائيليات والتي لا يعتمد عليها وينبغي الحذر منها، وكذلك الطبري وغيره. والأمر يحتاج في جميع الأحوال أن يقوم العلماء بعرض دقيق لما ينكره البعض بالنسبة لكل رواية من الروايات، ثم ما يمكن أن يعلم أنه لا يتفق مع الإطار العام أو المسائل المقطوع بها في الدين يراجع مراجعة علمية ويبين أمره للناس. والإسرائيليات يعنون بها كل ما كان عن القدماء قبل بعثة النبي، صلى الله عليه وسلم، سواء من كتب بني إسرائيل أو من غيرهم، فكانت موجودة على ألسنة الرواة وتنتشر بين الناس قبل بعثة النبي، فكان أحد العلماء يختار مجموعة من تلك المرويات ويبين الوجهة الصحيحة فيها. وهل يوجد بيننا الآن من العلماء من هم قادرون على القيام بهذه المهمة الكبرى؟ وهل هم علماء الأزهر وحدهم دون غيرهم حتى وإن كانوا متخصصين في علوم الشريعة؟ نعم هناك علماء يستطيعون القيام بمهمة التنقية، ونقول إن علماء الأزهر هم الأجدر بالمهمة لانشغالهم الدائم بهذه القضايا وتراكم الخبرات لديهم، وإذا وجد من غير علماء الأزهر من يستطيع القيام بذلك فلا بأس، وقد حدث من قبل عندما تكون مجمع البحوث الإسلامية وتمت الاستعانة بغير الأزهريين، وقرر المسئولون عن المجمع ضم عدد من الأساتذة غير الأزهريين، أذكر منهم د. مهدي علام، ود. محمد خليفة أحمد، فهؤلاء بعيدا عن العلوم الأزهرية، ود. على عبدالواحد وافي. تطور وسائل الاتصال وعلوم العصر مقارنة بالأقدمين ألا يستوجب منَّا التعجيل بتنقية التراث؟ تنقية التراث على وجه العموم - كما ذكرت - قد تم منذ قديم الأزل، والأمر يحتاج إلى حُسن العرض من المعاصرين ومن يأتون في مستقبل الزمان، وإذا كان هناك شبهة لبعض الناس في أي مسألة لا بد أن يتحرى الصدق في المعلومات، ولا بد أن يأخذها من مصادرها، (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) والذين يستخدمون الوسائل الحديثة قد لا يحتاجون إلى موسوعات فيما يتصل لما يعرضونه على هذه الشبكات، وإذا التزم الواحد منهم بالتحري بالنسبة لأي موضوع فلا بد ألا يعتمد على مصدر واحد، بل يعدد مصادره، فإن وجد اتفاقاً قاله، وإن وجد اختلافاً فلا بد للأمانة أن يطلب من أكثر منه خبرة في المعلومات. ما ردك على طرح القضايا الدينية على شاشات الفضائيات بدلاً من قاعات الدرس والمناظرة ولماذا لم نجد من علماء الأزهر من يقدر على مواجهة تلك الشبهات والرد عليها بالحجة والبرهان؟ لا مانع من عرض الأمور الدينية على الشاشات، لكن بشرط أن تكون موضوعات لا تحتاج إلى كثير من التفاصيل الفقهية، حتى لا تتبلبل أفكار الناس، وكذلك أمر الوضوح، وحسم الرد على التساؤلات حتى لا تؤدي للسامع إلى التيه، أي أن يكون هناك حسم في الإجابة، وهناك كثير من العلماء قادرون على ذلك ومواجهة تلك الشبهات بالحجة والبرهان. هل تأخرت المؤسسات الدينية في اللحاق بركب التطور ومسايرة ما يستجد في حياة الناس من قضايا فقهية تحتاج إلى اجتهادات عصرية تتماشى مع الواقع؟ ما من مسألة جدت في الحياة وكان لها تأثير بين الناس، إلا وقد سارع الأزهر إلى دراستها وتقرير الوجه الصحيح فيها، وأظن لو أن إنساناً ندب نفسه لمراجعة الأضابير التي تحوي المناقشات بين العلماء منذ الزمن البعيد، سيجد الكثير والكثير غير أن الناس يتذكرون إلقاء اللوم على المؤسسات الدينية دون أن يفكروا في المناخ العام الذي تعيش فيه هذه المؤسسات، ويحيا فيه الجمهور. وكيف نخرج من هذه الأزمة؟ وإلى متى نظل أسرى الجمود والنقل ونهمل العقل؟ أن نعمل بإخلاص ووفق الضوابط التي يحض عليها الدين، وللخروج من هذا الجمود علينا أن نعمل عقولنا فيما وجهنا إليه الله ورسوله، وذلك يتطلب القضاء على مظاهر الفساد بكل صورها، وإعداد الدعاة المؤهلين تأهيلا كاملاً، وبناء الشخصية التي تعمل على بناء المجتمع وصيانته في مواجهة التحديات والأخطار.