جامعة القاهرة تكرم وزير العدل ورؤساء الهيئات القضائية    التنمية المحلية: نعمل على توسيع قاعدة المنتجين وتدريبهم على التسويق الإلكتروني    سفير روسيا الاتحادية بمصر: محطة الضبعة النووية ستكون رمزًا جديدًا للعلاقات بين البلدين    الاتحاد يهزم الأهلي ويتوج بكأس مصر لكرة السلة    تشيلسي إلى نهائي دوري المؤتمر الأوروبي بعد تجاوز محطة يورجوردين بسهولة    تصل إلى 40 درجة.. ننشر حالة طقس الجمعة    سميحة أيوب: «حالتي الصحية كويسة والناس بتطلع شائعات وحشة»    حكم إخفاء الذهب عن الزوج والكذب؟ أمين الفتوى يوضح    اكتشاف إنزيم هام من فطر الاسبرجليس لتقليل كمية الكوليستيرول فى الدم    الخطاب الأول للبابا لاون الرابع عشر.. نداء إلى السلام والوحدة    تشيلسى ضد يورجوردين.. البلوز يتفوق بهدف فى الشوط الأول.. فيديو    ترامب يأمل في حل المشكلة النووية الإيرانية دون قصف ويريد للإيرانيين النجاح الكبير    الخارجية الألمانية تنشر بيانا باللغة الروسية في الذكرى السنوية لنهاية الحرب العالمية الثانية    «الصحة» تنظم مؤتمرًا علميًا لتشخيص وعلاج الربو الشعبي ومكافحة التدخين    "أوتشا": عنف المستوطنين بالضفة الغربية فى تزايد    مستشار وزيرة التخطيط: 44% من القوى العاملة بحلول 2030 ستكون من الجيل التكنولوجيا الحديثة    محافظ سوهاج يتفقد مركز الكوثر الطبى ويوجه بخطة عاجلة لتشغيله    كرة يد - قبل مواجهة الأهلي.. الزمالك يتعاقد مع 3 لاعبين    السبت المقبل.. 23 ألف طالب يؤدون امتحانات الفصل الدراسي الثاني بجامعة أسوان    ضربها بحزام وصورها عارية.. علاقة عاطفية تنتهي في جنايات كفر الشيخ    معدات ثقيلة لرفع سقف موقف قوص المنهار فوق 40 سيارة (صور)    رائحة كريهة تكشف عن جثة خمسيني متعفنة بالحوامدية    انطلاق قوافل المراجعة النهائية المجانية لطلاب الشهادة الإعدادية بالأقصر (صور)    «كان يخاف ربه».. هالة صدقي تحسم جدل أزمة طلاق بوسي شلبي من الراحل محمود عبد العزيز    ما تأثير الحالة الفلكية على مواليد برج الحمل في الأسبوع الثاني من مايو 2025؟    أكشن بتقنيات عالية.. الإعلان التشويقي لفيلم المشروع X ل كريم عبد العزيز    فعاليات تثقيفية متنوعة ضمن دوري المكتبات بثقافة الغربية    مسابقة قرائية بمكتبة مصر العامة    محافظ سوهاج يبحث تطبيق الهوية البصرية على الكوبري الجديد بالكورنيش الغربي    علي جمعة: السيرة النبوية تطبيق عملي معصوم للقرآن    ب3 مواقف من القرآن.. خالد الجندي يكشف كيف يتحول البلاء إلى نعمة عظيمة تدخل الجنة    هيبة: مصر أنفقت 550 مليار دولار على تحسين البنية التحتية خلال 10 سنوات| خاص    واشنطن : التعاون النووي مع الرياض لا يرتبط بالتطبيع مع إسرائيل    انطلاق المؤتمر الثالث لوحدة مناظير عائشة المرزوق في مستشفى قنا العام    محافظ سوهاج يوجه بسرعة استلام وتشغيل مركز الكوثر الطبي خلال أسبوعين    الدخان الأبيض يعلن بدء رحلة بابا الفاتيكان الجديد.. الأجراس تدق والاحتفالات تملأ الشوارع    في عيد الوالدين، قافلة الثقافة الكورية تزور مكتبة مصر العامة ببورسعيد    محافظ الجيزة: تحسين كفاءة النظافة بمحيط المدارس استعدادا للامتحانات    الرياضية تكشف موعد انضمام ماركوس ليوناردو لتدريبات الهلال    أبرز غيابات الزمالك أمام سيراميكا كليوباترا في لقاء الغد    خبراء يحذرون: الزمن هو الخطر الحقيقي في النزاع النووي الهندي الباكستاني    طلاب جامعة الدلتا التكنولوجية يشاركون في معرض HVAC-R.. صور    وزارة الشباب والرياضة ... شكراً    رابط نتيجة الاختبارات الإلكترونية للمتقدمين لوظائف معلم مساعد مادة رياضيات    محافظة الجيزة ترفع 150 طن مخلفات في حملات نظافة مكبرة    وزير الاتصالات: إتاحة 180 خدمة حكومية عبر منصة مصر الرقمية    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    الإعدام لمتهمين بقتل شاب بغرض سرقته فى قنا    تعديل لائحة النقابة العامة للعاملين بالزراعة والري والصيد واستصلاح الأراضي    انخفاض عمليات البحث على "جوجل" عبر متصفح سفارى لأول مرة لهذا السبب    زوجة الأب المتوحشة تنهى حياة طفلة زوجها بالشرقية    نائب وزير الصحة يتفقد وحدتي الأعقاب الديسة ومنشأة الخزان الصحية بأسوان    خالد بيبو: كولر ظلم لاعبين في الأهلي وكان يحلم بالمونديال    تركيا: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات الإنسانية وتحاول تهجير الفلسطينيين وتثبيت وجودها في غزة بشكل دائم عبر توسيع هجماتها    أشرف عبدالباقي: يجب تقديم بدائل درامية لجذب الجمهور دون التنازل عن القيم أو الرسالة (صور)    ميدو يفجّرها: شخص داخل الزمالك يحارب لجنة الخطيط.. وإمام عاشور الأهم وصفقة زيزو للأهلي لم تكن مفاجأة    الإسماعيلي ضد إنبي.. الدراويش على حافة الهاوية بعد السقوط في مراكز الهبوط    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الغلط فى البخارى».. أم فينا؟!
نشر في الصباح يوم 16 - 08 - 2014

تقريبًا لا تكاد تنقضى عدة شهور إلا وتثار عاصفة جديدة من الجدل حول الحديث النبوى، ومدى دقة وصحة الأحاديث الواردة فى «صحيح البخارى»، وتنقسم الآراء ما يين فريق يرى ضرورة مراجعة بعض الأحاديث التى يرى هذا الفريق أنها تتعارض والعقل ولا تتفق مع القرآن الكريم، وفريق آخر– يشمل الغالبية- يرى أن «صحيح البخارى» هو أصح الكتب بعد القرآن الكريم، ولا يجوز مناقشة ما ورد فيه، بل أخذ كل ما جاء فيه بالتسليم المطلق، وفى كل مرة تختلف أسباب هذا الجدل، فمرة يخرج كتاب يطالب بتنقية ما جاء فى البخارى، ومرة يصدر تصريح من شخص لديه تساؤلات مشروعة أو شخص طالب شهرة، وخلال الأيام القليلة الماضية أثار شخص غامض يطلق على نفسه «خطيب التحرير» القضية من جديد بعد أن خرج فى إحدى الفضائيات ليهاجم «صحيح البخارى» ويصف الكتاب بألفاظ قاسية تنزع عنه كل المهابة والاحترام و«التقديس» الذى أحاط به المسلمون هذا الكتاب منذ أن انتهى من وضعه «الإمام البخارى» منذ أكثر من ألف عام. و«الصباح» تفتح ملف مناقشة جديدة ومفتوحة حول البخارى وكتابه، ولماذا يعترض البعض على بعض ما جاء فيه؟ ولماذا يرى البعض أن هؤلاء المعترضين إما جهلة أو خارجون تمامًا عن الإجماع الإسلامى؟ وترى الصحيفة أن النقاش الحر المنفتح وسيلتنا الوحيدة لمعرفة دين عظيم أحاطت به الجهالة من كل ناحية وترى أن كل شىء قابل للنقاش طالما كان ذلك يستهدف الصالح العام، خاصة وأننا نحن جميعًا نرى أن فى «حاجة غلط» فى فهم المسلمين للإسلام جعلت من غالبية بلاد المسلمين نموذجًا فى الفشل الحضارى الشامل، والبخارى وصل إلى درجة من التقديس جعلت «الغلط فى البخارى» هى المقولة الأشهر بين المصريين لمن تجاوز كل الحدود... لذا نحن نتساءل هل «الغلط فى البخارى.. أم فينا» بمعنى هل يمكن أن نتواضع قليلاً لنعيد فهمنا للحياة والدين والدنيا أم يظل غالبية المسلمين مقتنعين بالنظرية الخالدة «الحمد لله ربنا خلقنا مسلمين واكرمنا بالإسلام» وهى مقولة ماكرة تنتج رضا فائقًا بالجهل والتخلف والإيمان بأننا الأفضل والأقوى والأكرم والأكثر نبلاً وأخلاقًا وعملاً رغم أن العالم الإسلامى فى غالبيته لا يقدم «الآن» شيئًا يذكر للحضارة والإنسانية.. هذا الملف يفتح بابًا للنقاش تحت قناعة مؤداها أنه ربما كان هناك بعض الغلط فى البخارى «باعتباره عملاً بشريًا فى النهاية» لكن الأكيد أن هناك «غلط أكيد» فينا نحن الذين تركنا العقل والإرادة والعلم، ونمنا منذ قرون، وعندما حاولنا أن نصحو استيقظنا على صوت التفجير والإرهاب والقتل العشوائى من الذين يعتبرون التفكير جريمة تستوجب العقاب!


أحمد عمر هاشم: المشككون فى صحة «البخارى» حلف «الأعداء والجهلاء»
-«الحديث » علم له دقائق وأسرار يعرفها العلماء ولا يمكن أن يستوعبها «الرعاع
-«صحف الصحابة » جمعت أحاديث النبى ودونتها بدقة قبل عصر البخارى بسنوات
قال الدكتور أحمد عمر هاشم أستاذ الحديث فى جامعة الأزهر أن التطاول على «صحيح البخارى» والتشكيك فيه جزء من المؤامرة الدائمة التى ينسج خيوطها أعداء الإسلام، وأن هناك قلة تساند هؤلاء الأعداء «عن جهل شديد».
وأضاف فى حواره ل «الصباح» لو تعلم هؤلاء العلم الصحيح لأدركوا أن علم الحديث من أكثر العلوم التى تمت خدمتها على مستوى الأمة المسلمة، حيث بذلت من أجله جهودًا جبارة ليخرج بهذه الصورة المشرقة، لافتًا إلى أن مثل هذه الشبهات التى تثار من حين لآخر تنمّ عن جهل مروجيها.. حسب وصفه.
ودلل هاشم على كلامه قائلًا: إن نظرة واحدة لجهود الصحابة والتابعين وتابعيهم فى حفظ السُنة لتظهر حجم هذا الجهد الذى لم يحظ به علم فى التاريخ، فقد كان الصحابى يرحل مسيرة شهر ليتأكد من حديث سمعه صحابى غيره من فم رسول الله «صلى الله عليه وسلم».
وعزا عضو هيئة كبار العلماء هذه الشبهات إلى ما قال إنه عدم قدرة على معرفة دقائق هذا العلم وأسراره، قائلًا: علم الحديث شأنه شأن أى تخصص دقيق له أسراره التى لا يعرفها إلا أهل هذا الفن والممارسين له، وبالتالى ينبغى لمن تعرض له أى من تلك الشبهات أن يأتى أهل التخصص متعلمًا ومسترشدًا لا أن يخرج على الناس متحدثًا فيما لا يعلم.. فيضل ويضل.
وطالب أستاذ الحديث بجامعة الأزهر بضرورة محاسبة هؤلاء الذين يتحدثون بغير علم، لأنهم يثيرون بلبلة داخل المجتمعات المسلمة ويطعنون فى تراث الأمة وثوابتها... وإلى نص الحوار:
بداية.. ما تعليقكم على ما أثير مؤخرًا من شبهات تناقلتها وسائل الإعلام حول الإمام البخارى وكتابه.. بغض النظر عن شخصية قائلها..؟
أولا ليست هذه هى المرة الأولى التى يخرج فيها البعض طاعنًا فى الإمام البخارى رضى الله عنه وكتابه الذى يدرك أهل التخصص بل والأمة كلها أنه من أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل، وقد تلقته الأمة بالقبول جيلًا بعد جيل لما بذل فيه من جهد علمى وصل حدًا لا يتصوره أحد.. وبالتالى فإن أى محاولة لهدم هذه القناعة تبوء حتمًا بالفشل.
لكن إن كنت تسألنى عن أسباب مثل هذه الحالات فأنا أؤكد لك أنه الجهل.. نعم الجهل المطبق الذى يحيا فيه هؤلاء، فالطاعنون فى الإمام البخارى جهلاء بجهد الرجل وتاريخه وعلمه وجهاده فى سبيل تصنيف هذا الكتاب، وبالتالى فهم يهرفون بما لا يعلمون.
لكن هناك مطاعن لهؤلاء على مجمل طريقة التعامل مع السُنة وعلى بعض الروايات داخل كتاب الإمام البخارى تحديدًا.. فكيف تراها؟
ليس لدى مشكلة مع أن يكون لدى البعض شبهات ناتجة عن عدم دراية وقلة خبرة بعلم الحديث.. هذا أمر طبيعى لكن غير الطبيعى أن تجعل من هذه الشبهات حقائق مؤكدة وتخرج على الناس لتبلبل أفكارهم وتضعف ثقتهم فى تراث الأمة كلها.
ولذلك فأنا أقول إن هذه الشبهات ناتجة عن عدم قدرة على معرفة دقائق هذا العلم وأسراره، فعلم الحديث شأنه شأن أى تخصص دقيق له أسراره التى لا يعرفها إلا أهل هذا الفن والممارسون له، وبالتالى ينبغى لمن تعرض له أى من تلك الشبهات أن يأتى أهل التخصص متعلمًا ومسترشدًا لا أن يخرج على الناس متحدثًا فيما لا يعلم.. فيضل ويضل.
فلو تعلم هؤلاء العلم الصحيح لأدركوا أن علم الحديث من أكثر العلوم التى تمت خدمتها على مستوى الأمة المسلمة، حيث بذلت من أجله جهود جبارة ليخرج بهذه الصورة المشرقة.. التى لا تخلو لدى البعض مما يعتبره هو هنات أو شبهات، لكنها ناتجة لديه عن قلة علم وعدم معرفة.. وقديمًا قالوا آفة العى السؤال.
بل عرف عن بعضهم الرحلة إلى بعض من أجل طلب الحديث.. فعن جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال: بلغنى حديث عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم لم أسمعه منه فابتعت بعيرًا، فشددت عليه رحلى ثم سرت إليه شهرًا حتى قدمت الشام، فإذا هو عبد الله بن أنيس الأنصارى فأتيته فقلت له: حديث بلغنى عنك أنك سمعته عن رسول الله فى المظالم لم أسمعه، فخشيت أن أموت أو تموت قبل أن أسمعه، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يُحشر الناس عراة غُرلاً بهما» قلنا: وما بهم؟ قال: «ليس معهم شىء، فيناديهم الله نداء يسمعه من بُعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الديان، لا ينبغى لأحد من أهل النار أن يدخل النار وأحد من أهل الجنة عنده مظلمة حتى أقصها منه، ولا ينبغى لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة حتى أقصها منه حتى اللطمة» قلنا: كيف؟ وإنما نأتى الله عراة غرلاً بهما؟ قال: «بالحسنات والسيئات».
فكان الصحابة رضى الله عنهم يبذلون أقصى ما فى الوسع الإنسانى لجمع الأحاديث، حتى وإن انقضى عهدهم ولم تدون السُنة تدوينًا رسميّا اللهم إلا ما كان من بعضهم ممن أذن لهم فى الكتابة.
فالسُنة وإن لم تدون فى عهد الصحابة تدوينًا رسميّا إلا أنها كانت مصونة فى صدورهم الأمينة، وحوافظهم السيالة، وصحف بعضهم التى كتبت منذ العهد النبوى.
تتحدث عن تدوين السُنة فى صحف بعض الصحابة.. ما هى تلك الصحف ومن هم هؤلاء الذين أذن رسول الله لهم بالكتابة، ولماذا لم يتم الاكتفاء بهذه الصحف كونها أوثق المصادر؟
نعم هناك صحف لصحابة اشتهروا بالتدوين، فلم يكن ذلك الوقت الذى ازداد فيه نشاط العلماء فى الجمع والتدوين هو مبدأ زمن التدوين؛ وإنما بدأت كتابة الحديث منذ عهد النبى «صلى الله عليه وسلم» بصورة خاصة وغير رسمية؛ فالسُنة النبوية لم تبق مهملة طيلة القرن الأول إلى عهد عمر بن عبد العزيز؛ وإنما كانت تكتب كتابة فردية فى عهد الرسول والصحابة والتابعين، وحفظت فى الكراريس والصحف بجانب حفظها فى الصدور؛ حيث كانت توجد بعض الصحائف التى شاركت الصدور فى حفظ السُنة.
ومن بين هذه الصحائف: صحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص التى تسمى بالصادقة؛ لأنه كتبها عن رسول الله «صلى الله عليه وسلم» مباشرة، يقول عبد الله بن عمرو بن العاص لمجاهد: «هذه الصادقة فيها ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بينى وبينه أحد، وهى تشتمل على ألف حديث، وكان لسعد بن عبادة الأنصارى صحيفة، ولسمرة بن جندب صحيفة، والصحيفة التى دونت فيها حقوق المهاجرين والأنصار واليهود وعرب المدينة، وكان لجابر بن عبد الله الأنصارى صحيفة، ولأنس بن مالك صحيفة كان يبرزها إذ اجتمع الناس، ولهمام بن منبه صحيفة تسمى الصحيفة الصحيحة رواها عن أبى هريرة.
وكان ابن عباس معروفًا بطلب العلم، وبعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم كان يسأل الصحابة ويكتب عنهم، وكانت تلك الصحف والمجاميع تحتوى على العدد الأكبر من الأحاديث التى دونت فى القرن الثالث.
هنا أيضًا يثور سؤال آخر.. ضخامة أعداد الأحاديث المروية تجعل الإنسان حائرًا بين صغر هذه المدونات الأصدق وهى مدونات الصحابة وكثرة هذا العدد.. فكيف ترون الأمر؟
صحيح.. قد يتعجب الإنسان من ضخامة عدد الأحاديث المروية، فيقال: إن الإمام أحمد بن حنبل كان يحفظ أكثر من سبعمائة ألف حديث؛ والإمام أبى زرعة أيضًا، والإمام البخارى يقال إنه كان يحفظ مائتى ألف من الأحاديث الضعيفة ومائة ألف من الأحاديث الصحيحة، ويروى عن مسلم أنه قال: جمعت كتابى من ثلاثمائة ألف حديث، ولا يعرف كثير من المتعلمين- فضلاً عن العامة- أن الذى يكون هذا العدد الضخم هو كثرة المتابعات والشواهد التى عنى بها المحدثون فحديث: «إنما الأعمال بالنيات..» يروى من سبعمائة طريق، فلو جردنا مجاميع الحديث من هذه المتابعات والشواهد لبقى عدد قليل من الأحاديث.. وقد صرح الحاكم أبو عبد الله- الذى يعتبر من المتسامحين المتوسعين- أن الأحاديث التى فى الدرجة الأولى لا تبلغ عشرة آلاف.

وأنا أرجح هذا الرأى- وهو كتابة الحديث فى القرن الأول-؛ لأن أهل القرن الأول هم حلقة الاتصال بالنسبة لمن بعدهم من أصحاب القرون التالية، الذين انتقلت على أيديهم السُنة.
البخارى: ألف عام من الجدل حول صاحب «أقوى ذاكرة عرفها البشر»
على الرغم من أن «الإمام البخارى» هو صاحب وجامع أهم كتاب بعد القرآن الكريم «صحيح البخارى» الذى جمع فيه الأحاديث الصحيحة عن الرسول الكريم إلا أن شخصيته لم تنل حقها من التعريف وتوالت الكتابات والكتب عن الفقهاء الأربعة أصحاب المذاهب وعن فقهاء آخرين لعبوا دورًا فى التاريخ الإسلامى مثل ابن تيمية فى حين ظل الاهتمام بشخص البخارى محصورًا بين دارسى علم الحديث سواء فى الأزهر الشريف أو فى المعاهد العلمية الإسلامية الأخرى حول العالم.
ولد الإمام البخارى فى مدينة بخارى فى خراسان الكبرى «أوزبكستان حاليًا» فى عام 194 هجرية ومات أبوه وهو صغير فنشأ فى حجر أمه التى تولت رعايته. وتوجه منذ طفولته إلى حفظ الحديث النبوى والاهتمام به وقد أولى الكثير ممن أرخوا لحياته اهتماما بما قاله البخارى عن نفسه من أنه «ألهم» حفظ الحديث منذ الصغر وارتبط هذا الإلهام بقصة أخرى متواترة تؤكد أن نشأته لم تكن عادية ففى أكثر من كتاب من الكتب التى تروى حياته، ويدرسها طلاب علم الحديث أن أمه جزعت من فقده لبصره وهو صغير لكنها «شاهدت إبراهيم الخليل عليه السلام فى المنام وقال لها.. يا هذه قد رد الله له بصره بكثرة دعائك» وهى رواية غريبة رغم إلحاح كل مؤرخى حياته عليها إذ لم يشرح أحد لماذا شاهدت سيدنا إبراهيم دون باقى الأنبياء خاصة أن المسلم قد يرى النبى محمدًا فى منامه لو كان قريبًا إلى الله خالص النية، المهم.. أن البخارى قد توجه فى سن العاشرة إلى حفظ الحديث النبوى الشريف، وقرأ كل الكتب المشهورة وهو فى سن السادسة عشر حتى قيل أنه كان يحفظ وهو صبى 70 ألف حديث سندًا ومتنًا، وقد تفرغ تمامًا واستجمع همته العظيمة من أجل جمع الأحاديث فأخذ العلم وسمع وكتب عن ألف وثمانين عالمًا، وكان «على بن المدينى» أكثر من تأثر البخارى بعلمهم ودان له بالفضل والعرفان طيلة حياته.
وكطائفة من علماء المسلمين كانت حظوظهم المادية جيدة أغنتهم عن العمل وجعلتهم يتفرغون للعمل والعبادة، كان البخارى حيث ورث قطعة أرض عن والده كان يؤجرها كل عام مقابل 700 درهم، وهو ما وفر له حياة كريمة، ومنذ صباه الباكر عُرِفَ البخارى بقوة ذاكرته التى لم يعرف علماء المسلمين لها مثيلًا فيمن عرفوا وأرخوا عن العلماء، فقد حفظ صغيرًا أكثر من مائة ألف حديث صحيح وأكثر من مائتى ألف حديث غير صحيح، وعندما بدأ رحلته الشاقة لمعرفة الحديث والأخذ عن كل العلماء طاف كل الأمصار فقد زار الشام ومصر مرتين وذهب إلى البصرة أربع مرات وأقام فى الحجاز ستة أعوام، وقال البخارى: «دخلت الكوفة مرات لا تحصى مع المحدثين». وعندما استكمل أخذ العلم تفرغ 16 عامًا كاملة من أجل كتابة وجمع «صحيح البخارى»، ويروى علماء الحديث الكثير عن ظروف وضعه للكتاب والدقة والشدة التى أحاط بها نفسه، فقد كان يعرف أنه يقوم بأجل وأخطر عمل بعد «جمع القرآن»، وهو جمع الحديث النبوى ووضع كتاب للمسلمين فى كل العصور لمعرفة كل ما قاله الرسول، وما صح عنه مستبعدًا كل الأحاديث التى وضعها الوضاعون، وذلك وفقًا لمنهج صارم سار عليه العلماء وعلم يضع احتمالات ورود حديث خاطئ أو ضعيف شبه معدومة. ومن بين 600 ألف حديث اختار البخارى 7593 حديثًا فقط استقر علمه ويقينه بصحة نسبها للرسول الكريم. وبعد أن أتم البخارى كتابه سار ذكره واشتهر فى كل ديار الإسلام ونال مكانه لم يدانيه فيها علام آخر، و كما كان صاحب أقوى ذاكرة ضرب بها المثل فقد كان أيضا صاحب محنة كبرى أرقت حياته ودفعته للتنقل والسفر بين أكثر من بلد وجعلت الكثير من العوام والعلماء يتشككون فيه. ففى زيارته ل «نيسابور» كان أن استقبله الآلاف من العوام والعلماء، وأثار هذا حفيظة أحد علماء المدينة فأطلق «شائعة» تقول إن البخارى ممن يقولون بأن القرآن «مخلوق»، وفى هذا العصر، وهذا الزمن كانت هذه القضية مما يمكن أن يخرج المرء عن الملة، وحاول البخارى الدفاع عن نفسه، لكن الأمير والعلماء من حوله هاجموه وسافر إلى أكثر من مدينة، وهو كسير النفس من التشكيك فى دينه وعقيدته لمجرد أن عالما آخر كان يضيق من شهرة وإجلال الناس للبخارى. وطيلة القرون التى انقضت منذ وفاته «فى عام 256 هجرية» نسى الناس تقريبًا عشرات الكتب التى ألفها البخارى مثل «الأدب المفرد» و«التاريخ الكبير»، و«خلق أفعال العباد» و«رفع اليدين فى الصلاة»، وغيرها وظل «صحيح البخارى» هو الكتاب الأرفع والأقدس عند المسلمين ونال من التقريظ والثناء ما لم ينله كتاب آخر حتى وصل الأمر إلى قول أحد الشيوخ المعاصرين «البخارى معصوم وكل ما ورد فيه صحيح ولا يشكك فيه إلا كافر»!

زكريا أوزون... قاتل «الإمام البخارى» المجهول!
أثار الكثيرون فى مراحل تاريخية مختلفة لغطًا حول صحة كل ما ورد فى «صحيح البخارى» من أحاديث، لكن أحدًا لم يضع كتابًا كاملاً للطعن على البخارى واتهامه بأنه ارتكب «جناية» فى حق الإسلام والمسلمين سوى الكاتب زكريا أوزون. ألف أوزون كتابًا صدر فى عام 2008 آثار ضجة هائلة عنوانه «جناية البخارى» تناول فيه عبر صفحاته التى تزيد عن الستمائة صفحة ما اعتبره انحرافًا عن مسار الإسلام الصحيح، وتضليلاً للمسلمين من البخارى قائلا: إنه وضع الكثير جدًا من الأحاديث التى يمكن اعتبارها سلاحًا قويًا لمن يريدون مواجهة الإسلام والتقليل منه كدين سماوى. المفاجأة لم تكن فى حدة الهجوم الذى شنه أوزون على البخارى ولا فى الطريقة التى تم بها «تسويق الكتاب» بحيث انتشر على نطاق واسع فى فترة قياسية بل فى أن «أوزون» نفسه مؤلف مجهول لا أحد يعرفه ولا يعرف جنسيته ولا صورة واحدة منشوره له فى أى غلاف كتاب من كتبه ولا فى كل المواقع على شبكات التواصل الاجتماعى التى تهاجمه ليل نهار منذ أن أصدر كتابه. وقد اعتمد أوزون على منهج قال إنه علمى تمامًا فى تفنيد الأحاديث الكثيرة التى وردت فى صحيح البخارى، وطرح أسئلة بدت للكثيرين منطقية نالت استحسان البعض، وخاصة فى صفحات الملحدين، ولم يفرق أوزون بين ورود بعض الأحاديث التى ربما كانت غير صحيحة فيه وبين التشكيك فى الكتاب كله، قال مثلا إن البخارى ولد فى عام 194 هجرية وتساءل «الحديث قد جمع بعد وفاة الرسول بما لا يقل عن 150 عامًا «الإمام البخارى عاش ما بين 194 و256 هجرية.. فكيف عرف الناس أمور دينهم ودنياهم قبله؟ وكيف عرفوا التابعين وكيف ميزوا بين طبقات الصحابة الكرام» كما ركز على بعض الأحاديث الواردة بالفعل فى صحيح البخارى التى يمكن بالفعل أن تصبح بقليل من الإنصاف بابًا للدعوة لمراجعة بعض الأحاديث، من ذلك مثلا حديث السيدة عائشة «سمع النبى (صلى الله عليه وسلم) قارئًا يقرأ من الليل فى المسجد فقال: يرحمه الله لقد أذكرنى كذا وكذا أية أسقطتها من سورة كذا وكذا» وهذا الحديث أخرجه البخارى كتاب فضائل القرآن باب «من لم ير بأسا أن يقول سورة البقرة وكذا وكذا» وهو بالفعل حديث بالغ الغرابة ويدعو للتساؤل عن كيفية الدفاع عن مثل هذا الحديث لكن الكاتب المجهول لا يريد مناقشة الكتاب ولا الدعوة حتى لتنقيته من بعض الأحاديث، لكنه يريد أن ينصرف الناس تمامًا عنه ليس هو فقط بل كل الكتب التى ألفها الأئمة والفقهاء الكبار فى تاريخ الإسلام فله كتب أخرى عن «جناية الشافعى» و«جناية سيبويه» وغيرها من سلسلة «الجنايات» التى جعلت العديد من العلماء والفقهاء يعتبرون أن هذا الكاتب المجهول تحركه جهات مجهولة أيضًا للتشكيك فى كل ما له علاقة بالإسلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.