استكمالا للحلقة السابقة من هذه اليوميات نتواصل مع سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم التي أمرنا بإتباعها هي كل قول أو فعل أو تقرير أو صفة أضيفت إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم، ولقد قام الصحابة الكرام وهم الذين اجتمعوا بالنبي صلي الله عليه وسلم في حياته وآمنوا به وماتوا علي ذلك بفضل ما سمعوه أو رأوه أو شاهدوه من اقوال و أفعال النبي صلي الله عليه وسلم وكذلك موافقاته وما حدث امامه فلم يعترض عليه، وكذلك أوصافه وما نسب اليه، وهذا الذي نسبوه و نقلوه عن النبي صلي الله عليه وسلم تحدثوا به للجيل الذي بعدهم، وهم الذين يسمون بالتابعين، ثم جاء جيل بعد اولئك فأخبروهم بما سمعوه من الصحابة وعند ذكرهم لأي كلام سمعوه كانوا يخبرون عن الشخص الذي نقل لهم هذا القول من الصحابة وكذلك كان يفعل تابعوا التابعين فيذكرون انهم سمعوا من فلان من التابعين يذكر انه سمع علانا من الصحابة انه سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول كذا.إن جيل الصحابة قدر بعدد 114 الف شخص، علي ان الناقلين لكلام النبي صلي الله عليه وسلم وما له منهم لا يتجاور الألفين، وهو الجيل الذي منه أبو بكر وعمر وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وأنس بن مالك ومعاذ بن جبل وأبو هريرة وغيرهم وكل أولئك الصحابة منزهون عن الكذب، فكلهم صادق حيث تبين صدقهم من سلوكهم المتميز، والتزامهم الشديد بأوامر الدين وتأثرهم بالتربية النبوية التي رباهم عليها النبي صلي الله عليه وسلم. والتابعون هم الذين شاهدوا الصحابة وهم طبقات: كبار ومتوسطون وصغار وذلك حسب معاصرتهم لعدد اكبر من الصحابة فمن ادرك أبا بكر وعمر وعثمان وعلي فأولئك هم كبار التابعين وهم كالصحابة كلهم ثقات، وهناك المتوسطون وهم الذين رأوا معظم الصحابة وأولئك الاصل فيهم الثقة والصدق. توثيق الاحاديث ومن أجل توثيق الاحاديث والتثبت من نسبتها إلي سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم دون المسلمون الاحاديث، ووضعوا علوما تخدم هذه العملية التوثيقية فوضعوا علم الرجال وهو علم يتكلم فيه عن الرواة من هم؟ أين ولدوا، ومتي ماتوا ومن هم اساتذة كل راو ومن هم تلامذته وبمن التقي وتقابل وما هي درجة ضبطهم وحفظهم ودقتهم في الرواية، وما هي درجة صدقهم ونشأ من ذلك علم اخر يسمي بعلم الجرح والتعديل وهو يهتم بالقواعد التي يتم بها الحكم علي اولئك الرواة وكذلك الطرق التي تتخذ عند اختلاف الناس في احد الرواة فيقول بعضهم إنه ثقة وآخرون إنه ليس بثقة سواء أكان غير الثقة هذا قليل العلم أو التقوي أو الضبط أو الصدق أو انه كاذب. وقد قال الشيخ مصطفي صبري رحمه الله في هذا المقام: انه الطريقة المتبعة في الاسلام لتوثيق الاحاديث النبوية لا تدانيها في دقتها وسموها أي طريقة علمية غربية اتبعت في التوثيق، ففي صحيح البخاري مثلا الفان وستمائة واثنان من الاحاديث المسندة انتقاها البخاري من مائة ألف حديث صحيح يحفظها، فهل سمعتم أو سمعت الدنيا أن كتاب تاريخ في هذا الحجم ويروي ما فيه سماعا من الفي رجل ثقة يعرفهم المؤلف بأسمائهم وأوصافهم وسمعها فلان وهو من فلان إلي أن اتصل بالنبي صلي الله عليه وسلم فيقام لكل سطر من سطور هذا الكتاب مشهود من الرواة فيتحملون مسئولية روايته. يكفي أيها السادة ان يعلم العالم الغربي عن أشياء مثل هذه اختص بها الاسلام تثبت حجية السنة الشريفة ولا نظير لها في العالم. ونشأت عند المسلمين علوم أخري لخدمة الحديث النبوي منها علم المصطلح والذي يبين انواع الروايات المختلفة ودرجاتها وكيفية الحكم علي الحديث سواء علي سلسلة الرواة وهو ما يسمي بالسند أو علي المتن وهو نص الحديث نفسه ونشأت من ذلك علم الحديث رواية وعلم الحديث دراية فعلم الحديث رواية هو العلم الذي يهتم بسوق الحديث من ناحية سنده ومتنه، وعلم الحديث دراية هو الذي يهتم بالحكم علي هذا المنقول بالقبول أو الرفض ومن تلك العلوم الكلام عما يتعلق بالحديث من ناحية اللغة: النحو والصرف وغريب اللغة وشكل الالفاظ، ومنها ما تحدث عن الاختلاف الواقع بين حديثين وكيف نزيل هذا الخلاف الظاهري حيث انه لاخلاف حقيقي بين الاحاديث بل أن علم الفقه من العلوم التي خدمت الحديث يعد الفاقه تفسيرا لأحاديث الأحكام الواردة في السنة المشرفة. انتهاء عصر الصحابة إنتهي عصر الصحابة بموت آخرهم وهو الطفيل بن عامر سنة 011 ه وإنتهي عصر التابعين بموت آخرهم وهو أبو حنيفة وطبقته سنة 15 ه وظلت الرواية قائمة من جيل إلي جيل حتي أواسط القرن الخامس الهجري فكان من اواخر من سجل الاحاديث في كتبهم البيهقي »ت 854ه« الخطيب البغدادي »ت 364ه« فلم نجد رواية شفوية بعد عصر هؤلاء ولم تسجل في الكتب بل اصبحت كل الاحاديث مروية في كتب ومدونة في مجاميع. وتلا هذا رواية للكتب نفسها واستمر ذلك من القرن الخامس إلي يومنا هذا، ولكن قبول الحديث ورفضه مبني علي نقد السند والمتن المسجل في كتب الرواية، ولا ينظر إلي سند الكتاب إلينا، فعلماء الحديث في عصرنا الحاضر معهم رواية لكتاب مثل السنن الكبري للبيهقي فلا ينظر لنقد الحديث في رواة الكتاب من محدث عصرنا حتي البيهقي بل ينتظر في رجال السند من البيهقي حتي رسول الله صلي الله عليه وسلم وبناء علي ذلك يقبل الحديث أو يرفض. واثناء الرحلة الطويلة للحديث النبوي سجل ذلك الحديث في كتب كثيرة تعددت اغراضها ومداخلها لوجود الحديث في كتب الصحاح وهي كتب اقتصرت علي جمع الاحاديث التي صححها مصنفوها مثل صحيح الإمام البخاري وصحيح مسلم، وصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن السكن وغيرها، في كتب السنن وهي كتب جمعت الاحاديث النبوية مرتبة علي الابواب الفقهية من الايمان والطهارة والصلاة والزكاة إلي اخر تلك الابواب وهي مثل سنن الترمزي وابي داود والنسائي وابن ماجه وسند الشافعي والدارمي والبيهقي وغيرها ومنها كتب المصنفات والجوامع وهي كتب تشتمل علي جميع الانواع المحتاج اليها من العقائد والاحكام الفقهية والرقائق والآداب، وما يتعلق بالتفسير أو التاريخ والسير وأخبار الفتن القائمة في المستقبل ومناقب الانبياء التي ستحدث والصحابة ومثال بعض الاشخاص أو الأمم وغير ذلك، ومن هذه الكتب المصنف لابن أبي شيبة ومصنف عبدالرزاق وكتاب الآثار لمحمد بن السنن الشيباني وكتاب الأمم للإمام الشافعي وتهذيب الاثار لأبي جعفر الطبري وشرح السنة للبغوي وجامع مسلم بن الحجاج وغيرها كثير، ايضا هناك كتب المستدركات والمستخرجات. منها كتب المساند، والمسند كتاب جعل الاحاديث المرورية علي صحابي واحد في مكان واحد سماه المسند مثل سند أحمد بن حنبل ومسند ابي داود والطيالسي وغيرها، ومنها المعاجم وهي كتب جعلت احاديث كل شيخ من شيوخ المؤلف علي حدة مثل معاجم الطبراني الثلاث. الاضحية أو الجهاد ومنها كتب في التفسير جمعت الاحاديث التي وردت في تفسير القرآن مثل ابن جرير الطبري وابن مردوية ومنها كتب في التاريخ كتاريخ بغداد للخطيب البغدادي وذيلة لابن النجار ومنها كتب المغازي والسير كسيرة ابن اسحق ومنها كتب في مسائل مفردة كجامع بيان العلم لابن عبدالبر وحلية الأولياء لابي نعيم الاصبهاني. ومنها أجزاء حديثة كأن يجمع عالم احاديث مسألة معينة كالوضوء أو الاضحية أو الجهاد في كتاب واحد وهذه منها آلاف الكتب ومنها ان يجمع حديثا واحدا بكل طرقه في كتاب واحد وهي المشهورة بالاجزاء الحديثية وهي كثيرة جدا. وهذه الكتب التي ذكرت فيها الاحاديث بأسانيدها حاول حصرها الشيخ محمد بن جعفر الكتاني في كتابه المانع »الرسالة المستطرفة في بيان شهور السنة المشرفة« فأورد فيها اكثر من ثلاثمائة كتاب مسند. ومن القرن الثامن حتي الثالث عشر الهجري ألف كثير من العلماء والمحدثين كتبا أوردوا فيها الاحاديث بأسانيدها يحفظونها لنا ولو ضاعت اصولها منهم الحافظ السيوطي »119 ه« في كتب كثيرة كترجمان القرآن وهو تفسير بالمأثور مع ذكر الاسانيد ومنهم الحافظ الغاوي في شرحه علي الجامع الصغير للسيوطي والزبيدي »5021ه« في شرح احياء علوم الدين المسمي »باتحاف السادة المتقين شرح احياء علوم الدين«. كما ان كثيرا من شراح الاحاديث ساهموا في حفظ السنة المسندة كالحافظ ابن حجر »852 ه« في كتبه الكثيرة وخاصة فتح الباري شرح صحيح البخاري. وكذلك هناك من جمع الكتب وأنشأ المجاميع، منهم الحافظ ابن كثير 477 في كتاب جامع المسانيد والسيوطي في الجامع الكبير وابن حجر في المطالب العالمية ونور الدين الهيثمي »708 ه« في مجمع الزوائد، وهذه تعد محاولات في طريق موسوعة الحديث التي راودت المسلمين من القرون الأولي كما سنري. كما ظهر علم الرجال في قرون الرواية ليحصد الرواة ويحكم عليهم وبين مدي الوثوق بعلمهم ونقلهم وضبطهم فقد ظهر ايضا علم الاثبات والفهارس وهو مختص بذكر رواة الكتب إلينا وهي المساحة التي سبق ان ذكرنا انها ليست محلا للنقد والتصحيح والتصنيف وهي المزية التي انفردت بها امة محمد صلي الله عليه وسلم عن باقي امم وأديان الارض. كتاب البخاري فأسماء الرواة إلي الإمام البخاري مثلا سندا وسلسلة يروي بها كتاب البخاري وهي ليست محلا للنقد ولا لبحث عدالة أولئك الرواة من عدمها ولا يحكم علي الحديث بناء علي ذلك، وهي سلسلة مهمتها استمرار تلقي كل جيل العلم عن الجيل الذي قبله، واتصال الاسانيد للحفاظ علي مزية الأمة حيث لاتهتم اي امة ولا أي دين بنقل تراثهم عن طريق الاسناد. أما من البخاري إلي سيدنا رسول الله فهو السند الذي ينظر فيه ونبحث عن كل راو من الرواة وعن تاريخ حياته ومدي مكانته في العلم ومدي ثقته وعدالته ووعيه لنقل الاحاديث وهل قابل من قبله وقابله من بعده أو أن هناك أسماء ساقطة من ذلك السند، فاذا كانت الرواة ثقات والسند متصل بعضه ببعض لينظر في المتن هل هو مخالف لباقي الروايات في نفس الموضوع أو مخالف لأصل من الاصول المقررة في القرآن أو السنة أو مخالف للواقع المحسوس المتطوع به فإن كان كذلك كان حديثا مردودا مرفوضا وإن كان خاليا من تلك المخالفات وسنده سليم كما قدمنا فهو حديث صحيح علي ان تلك الشروط قد لا تتكامل بصورة تامة بل تحقق بعض الشروط بصورة غير تامة وان كانت موجودة وحينئذ يقال للحديث حسن. وقد لا تتوفر تلك الشروط »كلها أو بعضها« وحينئذ فالحديث ضعيف وهذه الأحكام الثلاثة نصف بها الاحاديث المختلفة والصحيح نسميها الاحاديث المقبولة والضعيفة نسميها الاحاديث المردودة، والضعف درجات أسوأها الحديث الموضوع وأحسنها الضعيف المنجبر سمي منجبرا لانه شبه بالشئ المكسور الذي جبر حتي يلتئم كسره. فإذا سرنا مع الحديث من عصر النبوة والصحابة الكرام تري انهم كانوا حريصين علي سماع الحديث من رسول الله صلي الله عليه وسلم وكانوا يقومون بتمحيص الرواة، فمن ذلك ان عليا رضي الله عنه كان يستحلف الرواه هل سمعوا ذلك من رسول الله صلي الله عليه وسلم. وحرص الصحابة ان يذكروا اسناد الحديث ولم يكتفوا بنسبة الحديث إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم مباشرة. علي ان بعض الصحابة كره كتابة الحديث منهم أبو سعيد الحذري وامتد ذلك إلي التابعين فكرة كتابة الحديث أيضا محمد بن سيرين والقاسم بن محمد وابراهيم النخعي وابي العالية والضحاك. تدوين السنة ثم جاء دور التابعين فاقتدوا بالصحابة في اتخاذ الحيطة مع انفسهم ومع الآخرين وزادوا في الاهتمام بالاسناد بقول ابن سيرين »لم يكونوا يسألون عن الاسناد فلما وقعت الفتنة قالوا« سموا لنا رجالكم فينظر إلي أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلي اهل البدعة فلا يؤخذ حديثهم وكان للتابعين دور في تدوين السنة لا يقل اهمية في توثيق الحديث عن دور الصحابة ان لم يزد عليهم ويطول بنا الامر ان استقرأنا صحف هؤلاء وكتبهم وما فيها من علم ومن سنة، إذ اننا ننبه إلي ان هؤلاء كانوا همزة الوصل بين الصحابة في القرن الاول والمصنفين الاوائل في بداية القرن الثاني وقد حفظ لنا التاريخ مثلا »صحيفة همام بن منبه« التي كتبها عن ابي هريرة ونقلها المصنفون بعد ذلك في القرن الثاني وما بعده وقد نقلها الامام أحمد بن حنبل في مسنده في موضوع واحد، وبسند واحد في اوائل الاحاديث. وهكذا هيأ هؤلاء بتدوينهم علم الصحابة المادة المدونة لمن تصدوا لتصنيف المؤلفات الجامعة في الحديث، في النصف الاول من القرن الهجري. وقد وضع التابعون مع هذا التدوين ضوابطه واسسه التي تجعل الاحاديث تنتقل به انتقالا صحيحا فلا يعتريها تحريف أو تبديل. وظل الحديث ينتقل من قرن إلي قرن حتي نهاية الرواية في القرن الخامس كما قدمنا. ثالثاًَ: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ابدا كتاب الله وعثرتي اهل بيتي، رواه الترمزي، وفي رواية في مسند أحمد، كتاب الله وسنتي، ولقد رأينا كيف حفظ الله كتابه معجزة باقية، وكيف حفظ الله سنة نبيه معجزة باقية، ومن آياته سبحانه ان حفظ آل البيت في انسابهم وليس يعرف تاريخ البشرية احدا قد حفظ الانساب علي مر الزمان سوي اهل النبي صلي الله عليه وسلم ليصبح الدلالة عليه حسية قطعية حيث ان بيته لايزال باقيا موجودا، فأهل البيت ظاهرة عجيبة فريدة تمنع الضلال والانحراف عن الإيمان بالله ورسوله، ويثبت وجودهم حقيقة النبي صلي الله عليه وسلم لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد. ولقد من الله بذلك علي نبيه صلي الله عليه وسلم وهو صلي الله عليه وسلم يذكر كل يوم خمس مرات في كل مكان علي وجه الأرض حيث يعلو الأذان بالصلاة وفيه الشهادتان واشهد ان محمد رسول الله ولقد دخل اسمه الشريف محمد موسوعة جنز للارقام القياسية حيث تسمي به اكثر من 06 مليونا من البشر فكان اكثر اسم تسمي به الناس »ورفعنا لك ذكرك« صلي الله عليه و سلم والحمد الله رب العالمين.