كان الشاعر عبد الوهاب محمد – رحمه الله – من أكثر الشعراء تقديرا واعتزازا برائعة شاعر النيل حافظ ابراهيم «مصر تتحدث عن نفسها» (وقف الخلق) وأفضل ما لحن الموسيقار رياض السنباطى وأروع ما غنت أم كلثوم فى حب مصر، وكان حديثه لا ينقطع بين زملائه الشعراء والملحنين عن حافظ ابراهيم فى تجسيده لمكانة مصر وعزتها وأنه تفوق فى تصويره لهذه المكانة العظيمة التى حباها بها الله وخصها بين سائر الأمم، عن كل الشعراء بما فيهم أمير الشعراء أحمد شوقى خاصة البيت الذى تقول فيه مصر وهى تتحدث عن نفسها على لسان أم كلثوم : «أنا إن قدر الاله مماتى .. لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدى»، وكان يرى أن الأجيال القادمة سوف يتأكد لها ذلك وأنه لو تعرضت مصر – والعياذ بالله – لأى مكروه وأصابها ضرر فسوف يتأثر بذلك الوطن العربى كله بل الشرق أيضاً، وكان عبد الوهاب يرى أن مصر محفوظة برعاية الله وعونه وبقوة جيشها الباسل أقوى الجيوش العربية على الاطلاق، وأن كل من يتسبب فى الاساءة إلى مصر أو الإضرار بها أو يحقد عليها سيكون جزاؤه الهلاك كما قال حافظ فى نفس القصيدة : « ما رمانى رام وراح سليماً .. من قديم عناية الله جندى» ، وقد تسببت هذه القصيدة كما يقول فى فتح شهيته فى كتابة أحلى الأغنيات الوطنية لكبار المطربين والمطربات بداية من أم كلثوم وشادية وعبد الحليم حافظ وعفاف راضى وغيرهم، فانشغل بحب الوطن وحمل عاتقه قضاياه وهمومه وكان يرى أن ما حدث فى يونية 1967 ليس نكسة لكنها أزمة أو كبوة وأن جيش مصر سرعان ما يتجاوزها أو يتغلب عليها وهو نفس ما حدث مع جيش مصر أثناء حرب الاستنزاف والدروس القاسية التى أعطاها للعدو فى حرب الاستنزاف والتى توجت بأكبر انتصار فى تاريخ العسكرية المصرية فى أكتوبر 1973 وشهد لها العالم كله وكان من نتائجها المبهرة عودة سيناء الحبيبة إلى أحضان الوطن الأم وفرحة الشعب المصرى عن بكرة أبيه بهذه العودة، والتى ترجمها فى رائعته «مصر اليوم فى عيد» رائعته بمناسبة عودة سيناء فتتلخص حكايتها فى أن شادية الفنانة العاشقة لمصر اتصلت بعبد الوهاب محمد قبل الاحتفال بعودة سيناء بثلاثة أشهر وطلبت منه من واقع حبها وانتمائها لمصر أن يتفرغ لكتابة أغنية تتغنى بها فى هذه المناسبة العظيمة تؤكد فرحة مصر بعودة سيناء بعد ظروف الانكسار الذى حدث لها فى1967 والمعاناة التى قاسى منها المصريون والصبر المصررين الطويل المر الذى عاشوه لعدة سنوات وتطلعهم لليوم الذى تتحقق فيه عودة سيناء الغالية، وكانت فرحة عبد الوهاب بهذا التكليف لا تقدر واعتبره واجب وطنى لا بد أن يتفرغ لانجازه، وألهمه الله بمدخل الاغنية الذى يعبر فيه عن فرحة المصريين الغامرة بعودة سيناء كاملة وكانت علاقته فى هذه الفترة وثيقة بصديقه الموسيقار جمل سلامة فحكى له الحكاية بعد أن كتب المذهب فتحمس جمال بذلك وجلس على البيانو فى شقته وبدأ فى تلحين المذهب وما أن انتهى منه اتصل بعبد الوهاب وطلب منه الحضور إلى الاستوديو بالطابق الثانى عشر بأعلى عمارة أول الزمالك بعد فندق الماريوت، لسماع اللحن الذى صاغه فى شكل جماعى مبهر أثار اعجاب عبد الوهاب فاتص الاثنان بالفنانة القديرة شادية يطلبان منها الحضور إلى الاستوديو للاستماع إلى اللحن الذى انتهيا منه تقريباً، وكان ذلك فى المساء وقد اقتربت الساعة من منتصف الليل فحددا لها موعد فى السادسة مساء اليوم التالى، وكانت المفاجأة التى ابهرت شادية أن جمال سلامة قد أعد فريق الكورال المكون من 12 عضواً 6رجال و6نساء إلى جانب مهندس الصوت لتصل شادية وتفاجأ بأن البروفة جاهزة وعليها أن تدخل الاستوديو للغناء، وبدأ الكورال يغنى أمام شادية قبل دخولها فى المذهب بصوت المجاميع : «ياللى م البحيرة وياللى من أخر الصعيد .. ياللى م العريش الحرة أو من بور سعيد .. هنوا بعضيكم وشاركوا جمعنا السعيد» لتدخل هى فى الغناء وتغنى وهى فى قمة اندماجها فى اللحن واحساسها الرائع وانفعالها الذى يجيش بحب الوطن وسعادتها التى لا تقدر بعودة سيناء لتغنى : «سينا رجعت كاملة لينا .. مصر اليوم فى عيد» ليصفق لها كل الموجودين فى الاستوديو بما فيهم جمال سلامة وعبد الوهاب محمد والكورال، ويطلب منها مهندس الصوت إعادة المذهب مرة أخرى مع الكورال أيضاً ثم تدخل بعد ذلك فى الكوبلية وهى فى قمة حماسها أيضاً لتغنى من النص المكتوب الذى سلمه لها عبد الوهاب محمد من قبل وكانت قد حفظته عن ظهر قلب من كثرة اعجابها بالكلام لتغنى بالتبادل مع الكورال : «ألف 100مبروك علينا بالسلام .. حقنا عاد بين ايدينا بالتمام .. واحنا هنصونه فى عنينا ع الدوام .. أصل ما فى الارادة أى شئ بعيد سينا رجعت كاملة لينا .. ومصر اليوم .. مصر اليوم فى عيد» لينتهى اللحن ويقترب موعد الاحتفال بعودة سيناء 25ابريل1982 ويتصل ممدوح الليثى المسئول عن الاحتفال والمشرف على الأعمال الغنائية التى سيتغنى بها الفنانون والفنانات بهذه المناسبة ويعلم الليثى بأن هناك عملاً غنائياً من كلمات عبد الوهاب محمد ولحن جمال سلامة ستشدو به فى هذه المناسبة دون أن يعلم بتفاصيله التى أخفوها عن الجميع حفاظاً على سرية العمل وكان ممدوح الليثى قد اتفق مع المشاركين فى الاحتفال بتجهيز أنفسهم للانتقال إلى الصالة المغطاه لبدء إجراء البروفات الكاملة لأعمالهم تمهيدا لتسجيلها، ولم يكن قد تبقى على الاحتفال سوى بضعة أيام وتبدأ البروفات النهائية للأعمال المشاركة تحت اشراف الليثى وتصاحب الفرق المشاركة المطربين والمطربات ويحدث زحام شديد فى القاعات ابتهاجاً بهذه المناسبة وفى ركن صغير من الصالة المغطاة تظهر شادية وجمال سلامة مع فرقة مصغرة لا تزيد عن عشرة عازفين مع الكورال وما أن عزفت جملة « ياللى م البحيرة وباللى من أخر الصعيد إلى سيناء رجعت كاملة لينا ومصراليوم فى عيد « حتى اندفعت الجماهير إلى الفنانة شادية لتغنى معها هذا اللحن الجميل وتردده القاعة بأكملها، لتنتقل الفرق فى اليوم التالى إلى استوديوهات الاذاعة والتليفويون للتسجيل استعداداً لتقديم أعمالهم للاحتفال بذكرى عودة سيناء، وتنتشر الأغنية على مستوى الجمهورية تتغنى بها الجماهير فى المدن والقرى والنجوع لتصبح أجمل الأغنيات التى أنتجت فى هذه المناسبة، ويتحدث النقاد فى ذلك الوقت عن الشاعر الوطنى عبد الوهاب محمد فى ذلك الوقت الذى أبهر الجميع بأشعاره الوطنية التى توالت بعد ذلك خاصة الأغنية التى وصف فيها مصر بمفردات كلماته التى لم تفوق فيهاعلى كل الشعراء والتقطها كما الطويل لتشدو بها عفاف راضى «مصر هى أمى .. نيلها هو دمى .. شمسها فى سمارى .. شكلها فى ملامحى .. حتى لونى قمحى .. لون خيرك يامصر» ، أما رائعته الوطنية الكبرى التى تقدمها الان الاذاعة والتليفزيون - رغم مرور أكثر من اربعين على انتاجها – «حق بلادك « التى تقول كلماتها «قوم بايمان وبروح وضمير .. دوس على كل الصعب وسير .. حق بلادك وحده عليك .. عايز منك سعى كتير.. دوس على كل الصعب وسير ..ادى لعملك جهد زيادة .. ده الاخلاص بايمانا عبادة» وكأنها مكتوبة الآن بعد ثورة 30يونيو ولحنها الموسيقار الكبير رياض السنباطى وتغنت بها أم كلثوم فلها حكاية أخرى ليس موعدها الآن ..رحم الله الشاعر عبد الوهاب محمد شاعر الوطنية الأصيل.