رغم أنهم أيتام فإن الحزن لم يستطع أن يهزمهم أو يقتل ابتسامتهم أو يطفيء شعلة ذكائهم وطموحهم.. العامل المشترك بينهم هو الرضا بالقضاء والقدر الذي حرمهم نعمة الأب. لكنه أنعم عليهم بالتفاؤل والمرح والأمل والصحة ونعم أخري كثيرة لا تعد ولا تحصي فلم الحزن إذن؟! ورغم أن الاحتفال بيوم اليتيم رسميا يقام في اليوم الأول من شهر أبريل كل عام, فإن الاحتفالات لا تتوقف قبل هذا اليوم وبعده, ومنها الاحتفال الذي أقامته كلية رياض الأطفال بجامعة القاهرة بصالة الألعاب الرياضية بالكلية, واستقبلت خلاله أكثر من مائة طفل وطفلة من أيتام إدارة العجوزة التعليمية تحت رعاية الدكتور حسام كامل رئيس الجامعة والدكتور مصطفي النشار عميد الكلية. الدكتورة ابتهاج طلبة مستشار اللجنة الاجتماعية بالكلية المشرفة علي الحفل قالت إنه أقيمت مسابقات وأنشطة ترويحية للأطفال المشاركين الذين استمتعوا بالألعاب والموسيقي والتمثيل أيضا. هؤلاء الأطفال الأيتام رأيت فيهم رجالا صغارا وفتيات واعدات يتحملون المسئولية, يعتمدون علي أنفسهم, ويتعاملون مع مشكلاتهم بوعي زائد وذكاء. فأحمد شريف في السنة الثالثة ابتدائي, توفي والده منذ سنتين, ورغم شعوره بالحزن الشديد عقب وفاة والده, إلا أن والدته وقفت إلي جانبه ولم تتركه وحيدا, كثيرا ما تقول له: لا راد لإرادة الله, وأن والده في الجنة هذا أفضل من أن يعيش مريضا ومعذبا, وأمه تبث فيه القوة, وتشجعه, وتعتني به, وتساعده في مذكراته وحل مشكلاته, تستضيف أصدقاءه دائما حتي لا يشعر بالوحدة, وتقتنص المناسبات والأعياد لتجلب له كل ما يرغبه ويتمناه, ويقول أحمد: نعم أبكي أحيانا كثيرة لعدم وجود أبي, وتبكي أمي, لحظتها ويكثر عناقنا ونمسح دموعنا لبعضنا, وما هي إلا لحظات حتي نتبادل الدعابات والضحكات, فتحضر لي الحلوي, وأنشد لها الأناشيد والنصوص من كتابي المدرسي. يارب خليلي أمي!! علي محمد علي خامسة ابتدائي يقول: توفي أبي وأنا في بطن أمي, فبكت أمي كثيرا ومرضت كثيرا, وكانت خائفة أن تفقدني من كثرة حزنها لكنها تماسكت وعندما خرجت للحياة, ووعيت علي الدنيا أدركت اني يتيم ولست كغيري من الأطفال, وكان أكثر ما يحزنني عندما أجد أصدقائي يمسكون بأيدي آبائهم يتباهون بهم في أول يوم للذهاب للمدرسة أو في الحفلات المدرسية, ولكني حمدت الله فما زالت يد أمي ممسكة بيدي ولا تتركني في أي مناسبة, وهي نعمة, فكثير من الأطفال حرموا من آبائهم وأمهاتهم في الوقت نفسه, لهذا أدعو دائما قائلا: رب خليكي يأمي.. ومدرستي.. ومدرستي.. واجعل كل من حولي يحبونني.. فهذا وحده يعوضني فقداني لأبي!! أما محمد رمضان خامسة ابتدائي فيقول: فقدت أبي منذ سنتين.. ولكني لا أبكي أبدا.. فأنا رجل وأمي تحتاجني وكثيرا ما تقول أنت رجلي وأخويا وأبويا!! فهل أبكي وأنزوي وأتركها بمفردها؟! فكثيرا ما تحكي لي ذكرياتها مع أبي, وكيف كان يتمني أن يراني ويري أبنائي في المستقبل, وقالت لي انني أشبهه.. وأنها تتمني أن تراني ناجحا مثله!! مروة سيد.. في السنة الثالثة الابتدائية تقول: تمنيت دائما أن أنتظر أبي علي العشاء كغيري من البنات, أتعلق في عنقه عند عودته في المساء, فيلعب بي في الغرفة وأدوخ في حضنه وأقول له كفاية يا بابا!! يطعمني بيده ويربت علي رأسي, يأخذني لغرفة نومي فأتدلل عليه ليسمح لي بأن أنام في حضنه, يقولون الآباء حنينين علي بناتهم أكثر حتي من الأمهات ولكن لا أعرف فلم أوعي عليه فقد توفي وعمري سنة, أحلم كثيرا أنه كان مسافرا ورجع ولكن هذه مجرد أحلام, أمي وحضنها يعوضني عن هذا الحرمان, تقول أمي: إن أبي لو كان حيا فإنه سيصبح سعيدا عندما يراني حاجة كبيرة في المجتمع ويراني ناجحة.. وشاطرة.. وحاجات ثانية كثيرة!! وتقول ماجدة محمد أحمد بمكتب خدمة اجتماعية مدارس ادارة الدقي والمسئولة عن هؤلاء الأطفال الأيتام في هذه الاحتفالية انهم من أجمل الأطفال الموجودين في المدارس وأنهم الأكثر تفوقا ومشاركة في مختلف الأنشطة, ولكنهم في حاجة دائمة للشعور بمزيد من الحب والرعاية النفسية أكثر من الآخرين.. وتضيف ابتهاج طلبة أن هؤلاء الأطفال أصبحوا أكثر استقرارا وأكثر ثقة في أنفسهم, وأنهم تقريبا راضون عن حياتهم, وذلك بفضل مؤسسات ودور الأيتام والمدارس والمجلس القومي للطفولة والأمومة الذي ترعاه السيدة سوزان مبارك.. وإن كانت مشاعرهم متقلبة, وشعورهم بالفرحة منقوصا لعدم وجود سند كاف في الحياة!!