رغم الحروب العرقية التى راح ضحيتها مئات الآلاف فى دول مثل رواندا وبوروندى والكونغو والانتفاضات الشعبية التى أطاحت بنظم حكم مستبدة فى بلاد مثل ليبيا وتونس وإفريقيا الوسطى ومصر مازال بعض الحكام الأفارقة يصرون على البقاء فى الحكم بأى ثمن وبأى وسيلة مُعرّضين شعوبهم لصراعات تزيدهم بؤساً على بؤس دون أن يستوعبوا الدرس مما حدث لغيرهم!. أحدث مثال ما يجرى فى بوروندى بوسط إفريقيا التى فقدت أكثر من 300 ألف من أبنائها فى حرب أهلية بين الهوتو والتوتسى بين عامى 1993 و2005 حيث تجدّدت الاحتجاجات وأعمال العنف بسبب ترشيح الرئيس بيير نكورونزيزا نفسه لفترة ثالثة بالمخالفة للدستور واتفاق أروشا لسنة 2000 الذى أنهى الحرب الأهلية.فهما ينصان على فترتين فقط لكنّ حمَلَة المباخر والمنتفعين زعموا أن الترشح من حقه لأن فترته الأولى تمّت بتعيين من البرلمان وليس بالانتخاب، الأمر الذى دفع آلاف المطالبين باحترام الدستور للنزول إلى الشوارع والاشتباك مع قوات الأمن فسقط قتلى وجرحي.كما هدًد زبانية السلطة بقتل المعارضين التوتسى وقضاة المحكمة الدستورية إذا لم يوافقوا فاضطُر نائب رئيس المحكمة للفرار إلى الخارج وبقية القضاة للحكم بأحقية الرئيس فى فترة ثالثة رغم قول القاضى الهارب إن أغلبية أعضاء المحكمة كانوا معارضين.وزاد الطين بلّةً مشاركة ميليشيا موالية للرئيس المنتمى للأغلبية (الهوتو) مع قوات الأمن فى فض الاحتجاجات مهدّدةً بتجدد الصراع العرقى الدموى مع التوتسي(الأقلية) وربما بإبادة جماعية كما حدث فى رواندا المجاورة عام 1994 حيث لقى نحو 800 ألف مصرعهم فى 100 يوم فقط.وبدلاً من أن يتراجع الرئيس حقناً للدماء ويكتفى بعشر سنوات قضّاها بالسلطة ولم ينجز خلالها شيئاً يستحق الذكر وجدناه يحذّر المحتجين من عقوبات صارمة إذا استمروا فى معارضته.لكن يبدو أنه هو الذى قد يدفع الثمن لأن المحتجين لم يتراجعوا وقد يشجعهم أكثر مطالبة وزير الدفاع بالتوقف عن انتهاك الحقوق الدستورية للشعب وتحذيره السياسيين من أى تصرف يعيد البلد إلى الماضى المظلم ورفضه تدخل الجيش لفض المظاهرات لأن اتفاق السلام يحظر عليه ذلك. لم يتّعظ رئيس بوروندى بما حدث للقذافى أو بن على أو مبارك ولا بما انتهى إليه مصير رئيس إفريقيا الوسطى بليز كومباورى الذى لم يشبع بسبع وعشرين سنة فى الحكم وحاول تعديل الدستور فى أكتوبر الماضى للبقاء فاندفعت الجماهير إلى الشوارع واقتحموا مقار البرلمان والحزب الحاكم ونهبوها وأحرقوها وأجبروه على التنحى والهرب إلى الخارج.ومن قبل تصدّت الجماهير لقيام الرئيس السنغالى عبدالله واد بترشيح نفسه لفترة ثالثة بزعم أن تعديل الدستور الذى قيّد الترشح بفترتين فقط تم بعد فترته الأولى وأيدته المحكمة العليا ولكن الجماهير لم تقتنع وواصلت الاحتجاج حتى يوم الاقتراع وأسقطته بالتصويت لمنافسه.ومازالت الاحتجاجات فى الكونغو- كينشاسا قائمةً على محاولة الرئيس جوزيف كابيلا التمديد لنفسه بالالتفاف على تقييد الدستور الحكم بفترتين باعتزامه تأخير موعد الانتخابات حتى إجراء تعداد سكانى يحتاج إلى ثلاث سنوات على الأقل نظراً لضخامة مساحة الدولة.ولم يكفه بقاؤه فى السلطة خلفاً لوالده منذ اغتياله عام 2001. ومن الأمثلة المستفزة أيضاً تمديد حكم عائلة جناسنجبى فى توجو إلى 53 سنة بالتمام والكمال بفوز فاورى الابن بفترة رئاسة ثالثة الشهر الماضى تُضاف إلى 38 سنة قضّاها والده فى السلطة حتى توفى عام 2005!. وفى الجابون تجثم عائلة عمر بونجو على أنفاس شعبها طوال 47 عاماً حيث تسلّم على (الابن) الحكم من الأب عام 2009!.ولا يختلف الأمر فى غينيا الاستوائية منذ استولى تيودور أوبيانج على الحكم عام 1979 بالقوة العسكرية،فرغم بلوغه الثانية والسبعين من العمر لا يبدو أنه يفكر فى التخلى عنها وإذا فعل فالأرجح لنجله تيودران الذى عيّنه نائباً له.وفى أنجولا يتربع خوسيه دوس سانتوس على الكرسى منذ 1979 وفشلت كل محاولات منافسيه فى زحزحته سلماً أو حرباً وسط اتهامات بقمع شخصيات المعارضة وتكبيل نشاطها.وبلغ روبرت موجابى فى زيمبابوى سن التسعين ومازال يمسك بكرسى السلطة بيديه وأسنانه منذ عام 1980،وإذا فعل فربما لزوجته جراسا التى تتولى منصباً حزبياً مهماً بعد أن أطاح بنائبته جويس ماجورو عندما تردّد أنها تنوى منافسته.وأيضاً تعلّل المنتفعون من استمراره بأن تقييد الدستور الحكم بفترتين لا ينطبق عليه لأن تعديله تم فى عام 2013 فقط.ويجثم بول بيا على أنفاس الكاميرون منذ 1982 وأُعيد انتخابه فى 2011 لفترة سادسة بعد أن عدّل الدستور فى 2008 لإلغاء تقييد الرئاسة بفترتين.ومنذ 1990 فشلت جميع محاولات المعارضة سلماً أو حرباً فى إزاحة إدريس ديبّى من حكم تشاد وكان أخطرها تطويق المتمردين قصر الرئاسة عام 2006 حتى أنقذته القوات الفرنسية.وفى رواندا مازال بول كاجامى قابضاً على السلطة بيد من حديد منذ عام 1994 متهماً بقمع المعارضة مغلقاً كل الأبواب أمامها،ومثله أسياس أفورقى فى إريتريا طوال 23 عاماً. بُقع سوداء كثيرة تلطخ وجه إفريقيا لكنه لا يخلو أيضاً من علامات مشرّفة . لمزيد من مقالات عطيه عيسوى