في حديث بمكتبه في مقر صندوق النقد الدولي في واشنطن قبل أيام من إطلاق التقرير الجديد حول التوقعات الإقتصادية لمصر والمنطقة، اختص مسعود أحمد مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا "الأهرام" بحوار حول آخر المستجدات الإقتصادية والمالية التي تؤثر في خطط النمو وحصيلة مناقشات الصندوق مع كبار المسئولين المصريين بعد إجتماعات الربيع للصندوق والبنك الدوليين مؤخراً وتوقعات اقتصاديات الشرق الأوسط في المدي القصير في ظل أوضاع مضطربة. ويؤكد المسئول الرفيع في المؤسسة الدولية أن أجندة الإصلاح في مصر تتحرك إلي الأمام وأن المجتمع الدولي يقدم الدعم الفني لخطة الحكومة المصرية ويسعي إلي مزيد من الخطوات لتشجيع الإستثمار من خلال استيعاب القوانين الجديدة وقدرة مصر علي تجاوز عقبات البيروقراطية التي تعرقل الإستثمارات الخارجية والمحلية. ويشير مسعود أحمد إلي ضرورة تشجيع الحصول علي رد فعل دائم من القطاع الخاص حول خطط الإصلاح الراهنة حتي يمكن تصحيح المسار علي الدوام ويقول أن المشروعات الصغيرة تستمد الثقة من المشروعات الكبري حيث المشروعات الصغيرة هي قاطرة خلق الوظائف في أي إقتصاد حديث.. وكان التقرير الجديد قد توقع ارتفاع معدلات النمو في الدول المستوردة للنفط في المنطقة، ومن بينها مصر ولبنان والمغرب والسودان وتونس إلى 4 بالمائة عام 2015 مقابل 3 بالمائة عام 2014 مع توقع ارتفاع الصادرات بسبب التعافي التدريجي في منطقة اليورو وهي الشريك التجاري الرئيسي لتلك الدول.. - ما هو رأيكم في مسار الإصلاح الإقتصادي في مصر بعد مؤتمر شرم الشيخ؟ من وجهة نظرنا الإصلاحات السياسية الاقتصادية التي تنتهجها مصر تمضي في طريقها بشكل جيد وحال النمو الإقتصادي يمر بمرحلة ايجابية رغم الأوضاع السياسية والأمنية في مصر والشرق الأوسط. وقد كانت المناقشات الأخيرة مع مسئولي الحكومة المصرية في واشنطن، خلال اجتماعات الربيع للصندوق والبنك الدوليين، صريحة ومثمرة وأظهرت جدية كاملة من الحكومة المصرية في طريق الإصلاح. ومن المتوقع أن يصل الفريق الفني للصندوق إلي مصر في مطلع شهر يونيو المقبل لاستكمال المناقشات مع الحكومة وتقديم المشورة الفنية. - كيف يمكن للصندوق في ظل تلك الأجواء التركيز علي "سياسات النمو التي تدفع في سبيل زيادة الوظائف" في دول الشرق الأوسط؟ في بداية الأمر هناك فرضيات أساسية، فيجب في بداية الأمر أن نعمل مع كل دولة وفقا لخصوصيات الوضع بها عندما نتقدم للمساعدة. ففي حالة بلد مثل مصر، فهي بلد كبير يتأثر بما يحدث في الإقليم من صراعات، وهناك أجندة اطلقتها الحكومة تحاول أن تتعامل مع أوضاع عدم التوزان في الإقتصاد الكلي، ثم التحرك إلي الإستثمار والنمو. وما يجب أن نفعله هو توضيح ما يمكن القيام به لدعم اصلاحات الإجندة المطروحة. ولو نظرنا إلي بلد مثل لبنان نتعامل مع المخاطر التي تتعرض لها نتيجة وجود صراعات ومخاطر في دول مجاورة. في تلك الحالة، يحاول صندوق النقد أن يوفر لها نوعا من "جدار حماية" مالية ضد المخاطر والصدمات القادمة من الخارج. الأمر الآخر، في الدول التي توجد بها صراعات مثل اليمن والعراق توجد مشكلات متعلقة خاصة بالإدارة الإقتصادية، حتي لو كانت في قلب أزمات وأوقات صعبة طويلة المدي، فهي تحتاج إلي مساعدة الصندوق. ففي حالة العراق، توجد حاجة للتعامل مع التحديات الإقتصادية مثل أسعار النفط المتراجعة التي تؤثر علي الموازنة وأيضا تتعامل مع مسألة زيادة النفقات المالية من أجل مواجهة الأوضاع الأمنية. ويتدخل الصندوق هنا لمساعدة الحكومة في تحقيق التوازن في الإقتصاد الكلي في ظل تلك الأوضاع الأمنية. والأمر الثالث، دعم الدول المتأثرة بتصدير التوتر من دول الجوار مثلما هو الحال في تونس والأردن ولبنان وكلها يتعين عليها زيادة الإنفاق من أجل مواجهة تدفق اللاجئين عبر حدودها ومع الحالة الأمنية ونتعامل مع البرامج الموجودة في تلك الدول بمرونة من أجل التوافق مع الحاجة إلي زيادة الإنفاق، ونسعي لدعم تلك الحكومات لتوفير التمويلات اللازمة وهو ما أكدت عليه في اجتماعات الربيع حيث قلت أنه لا يمكن توقع تحمل تلك الدول تكلفة فاتورة اللاجئين كاملة لأن المجتمع الدولي له دور والصندوق له دور في تحديد التكلفة التي سيتحملها الإقتصاد الكلي في تلك الدول ومساعدتها في تأمين تمويل إضافي. -.. وفي حالة بلد مثل مصر، كيف يمكن وسط تلك الظروف المعاكسة الحفاظ علي التطبيق المتواصل للإصلاحات في المدي القصير علي الأقل؟ لو قرأت تقرير المادة الرابعة الذي أعدته بعثة الصندوق بعد الزيارة الأخيرة لمصر، ستجد أنه يقول أن الحكومة الحالية في مصر قد قامت بتحديد وتشخيص المشكلات الحقيقية التي يتعين التعامل معها، وتتحدث عن الإستقرار المالي واستقرار الإقتصاد الكلي وخفض حالات العجز في الإقتصاد الكلي في المدي القصير ووضع أساسات الإستثمار والنمو وهو ما يتطلب إصلاحات بعينها لإنجاز الأهداف السابقة. والآن، تركيزنا أن تلك الإصلاحات لن تحدث في عام واحد، فيمكن أن نشهد نجاحات علي مستويات خفض العجز في الإقتصاد الكلي العام الحالي بعد الإجراءات الأخيرة، حيث تراجع العجز في الموازنة إلي أقل من 12 ٪ في العام المالي 14\2015 وهناك نمو يتزايد وتنام في الثقة، وبصورة عامة هناك مؤشرات علي التحسن وهناك وعود مهمة بأكثر من 6 مليارات دولار من الإستثمارات بعد المؤتمر الإقتصادي في شرم الشيخ، والتي لو ضٌخت سيكون لها تأثير كبير في المدي المتوسط. ولكنك لا تريد بالتأكيد البقاء عند مستوي عجز 12 ٪ أو الإبقاء علي الدين عند مستوياته الراهنة، فخلال عامين أو ثلاثة أعوام، تحتاج مصر إلي مزيد من الإجراءات التي تصب في صالح خفض العجز حتي يصل إلي المستوي المرجو من الحكومة المصرية وهو أقل من 8 ٪ وخفض الدين العام ليصل إلي 8.85 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي- وهو رقم مرتفع نسبيا. وحتي تصل إلي تلك النسب، يجب المضي في مزيد من الإجراءات بشأن الإنفاق والضرائب وهي الطرق الوحيدة لتحقيق التوازن في بنود الموازنة العامة ومن الإجراءات أيضا استمرار خفض الدعم. والجزء الثاني من جدول الأعمال هو المضي في إقامة مشروعات كبري ومنها مشروعات الطاقة، بعضها سوف يولد فرص عمل في المدي القصير مشروع قناة السويس علي سبيل المثال- ولكن الأمر الأهم عند الحديث عن "الإستمرارية" هو قدرة المشروعات الكبري علي تحسين مناخ الإستثمار حتي يمكن لمشروعات الأعمال الصغيرة، والتي هي المصدر الرئيسي لخلق الوظائف في أي إقتصاد، أن تحقق تقدما إيجابياً. ولو نظرنا إلي موقع مصر في ترتيب مؤشر مناخ الاعمال من البنك الدولي سنجدها في المرتبة ال 112 وهو ما يعني أن هناك 111 دولة تسبقها في تقديم بيئة افضل للأعمال، عندها يكون من الصعب عليك جذب رؤوس الأموال للإستثمارات الجديدة ومؤشر علي صعوبة قيام أصحاب الأعمال الصغيرة "المحليين" البدء في مشروعاتهم وتوظيف المزيد من العمالة، ويتعين القيام بخطوات لجعل مناخ الإستثمار أكثر ملاءمة وأكثر سهولة للمشروعات الصغيرة حيث النجاح هو أفضل وسيلة لتشجيع المزيد من الإستثمارات. وأري أن الحصول علي رد فعل دائم من القطاع الخاص حول خطط الإصلاح الراهنة مسألة مهمة حتي يمكن تصحيح المسار علي الدوام. - هناك تضارب بين التفاؤل والتشاؤم إزاء الأوضاع الإقتصادية للدول في المنطقة العربية. كيف تتوازن توقعات صندوق النقد مع الواقع الفعلي في عدد من الدول التي تشهد صراعات سياسية وحروبا تهدد سائر الشرق الأوسط؟ التحديان الرئيسيان في المنطقة العربية في تلك المرحلة هما، تراجع أسعار النفط والثاني هو استشراء الصراعات السياسية في سائر المنطقة. في الآونة الأخيرة، أسعار النفط بدأت تظهر قدرا من التحسن التدريجي، ولو نظرت في التعاقدات المستقبلية في أسواق البترول ستجد تحسنا ملحوظا. وربما يتراوح السعر ما بين 70 و75 دولارا للبرميل بحلول عام 2019 ولكن في السنوات الثلاث أو الأربع المقبلة ستظل الأسعار منخفضة وكل دولة عليها أن تتوافق مع الواقع والتطورات الأخيرة في السوق ولا يمكن اليوم توقع أن يصل سعر البرميل إلي 100 دولار مثلما كان في السابق. والصراعات المستمرة في المنطقة تؤثر في الداخل وفي المحيط الإقليمي وهو ما يؤثر في تقديرات الدول والشركات حول الأداء الإقتصادي في السنوات المقبلة. فدولة مثل المملكة الأردنية، علي سبيل المثال، تدرك أن عليها أن تتعايش وتتكيف مع حالة الصراع الداخلي في دول الجوار وأن تلك الحالة ربما تتحول إلي حقيقة لفترة من الزمن. ولا يمكن التنبؤ اليوم بنهاية الصراعات ولكن تعمل الدول والشركات علي تكييف أوضاعها.