عندما يتحصل تياران سياسيان ينتميان إلي الاسلام السياسي علي نصف مقاعد اللجنة التأسيسية المنوط بها كتابة دستور البلاد, وينجحان في ترتيب عملية اختيار النصف الآخر من أعضاء اللجنة القادم من خارج المجلسين, بحيث يكون للأغلبية البرلمانية التي يشكلانها معا القول النهائي في اختيار الخمسين في المائة الاخري من أعضاء اللجنة, يصبح من واجب كل القوي السياسية في مصر أن تعبر عن قلقها الشديد, لان لجنة كتابة الدستور سوف تكون غير محايدة وغير متوازنة, لا تمثل بعدالة كل ألوان الطيف السياسي في مصر, ومن المشكوك فيه أن يأتي الدستور الجديد تعبيرا عن إرادة الأمة يعزز وحدتها وترابطها, علي العكس ثمة مخاوف حقيقية من أن يفتح مشروع الدستور الجديد بابا جديدا للخلاف يزيد الوضع تمزقا وتعقيدا.., وإذا كانت الأغلبية البرلمانية استخدمت آليتها الميكانيكية علي هذا النحو من اجل إحكام السيطرة علي كتابة الدستور, فان أنصار الاسلام السياسي سوف يحشدون قوتهم في الاستفتاء علي الدستور لتمرير المشروع الذي يريدونه, تحت الشعارات الدينية ذاتها التي يستخدمونها في حملاتهم الانتخابية ابتداء من الاستفتاء علي الإعلان الدستوري إلي الانتخابات البرلمانية الأخيرة! ولا أعرف لماذا يمارس أنصار الاسلام السياسي خاصة ممثلي حزب الحرية والعدالة هذه اللعبة الخطرة, التي تكرس صورتهم باعتبارهم القوة الغالبة التي تزيد التحكم والسيطرة, ولماذا هذا الإصرار علي أن يوقظوا لدي الجميع مشاعر التوجس والخوف مما هو آت ؟!, وماذا يفيدهم دستور يكتبونه علي هواهم لا تتحمس له باقي القوي السياسية والاجتماعية؟! وإذا كان صحيحا أن الأغلبية البرلمانية يسيطر عليها الآن هاجس عدم دستورية انتخاب البرلمان للأسباب التي أعلنتها المحكمة الإدارية العليا وأقر الخبراء الدستوريون بصحتها, فأغلب الظن أن لجنة كتابة الدستور سوف تغلق باب الاجتهاد في كتابة الدستور الجديد, بحيث يجيء الدستور الجديد ترديدا لدستور 71 مع اختصار بعض من سلطات الرئيس, يبقي علي مجلس الشوري رغم هبوط حماس الناخبين المصريين لوجوده, ويحافظ علي نسبة الخمسين في المائة للعمال والفلاحين, لان إقرار أي من هذه التعديلات المهمة لقضية الإصلاح السياسي سوف يعزز فرص انتخابات برلمانية جيدة, ويزيد من احتمالات حل البرلمان الراهن, بينما يحرص أنصار الاسلام السياسي علي غلق هذا الباب بالضبة والمفتاح. المزيد من أعمدة مكرم محمد أحمد