كم الإنهيار الأخلاقى والقيمى فى عالمنا العربى بما لا يقاس. والتكنولوجيا تفضح ذلك الدرك الذى انحط إليه عدد لا يستهان به من الأصوات لشخصيات بعضها معروف وأغلبها أسماء مستعارة تتخفى وراء صورة رئيس أو أمير أو وزير أو حتى وحش رسمى أو خنجر ودبابة وصاروخ. من هؤلاء وماذا يريدون وكيف يجرؤون على حرمات وخصوصية وسمعة وآدمية شخصيات معروفة ومعظمها ثقافى أو سياسى. أن أى متخصص فى علم الإجتماع يستطيع أن يفسر مدلولات ذلك كله كترجمة لفاشية ووحشية همجية إنتابت بعض العقول وتمارس ذلك أحيانا بشكل موجه وغامض أو غبى وعشوائى أو بمجانية مطلقة. لا شك أننا فى زمن التخويف والترهيب والوعيد والإذلال بل والإستباحة أيضا.ولا شك أننا أيضا فى زمن القوة فيه للأقوى ماليا وعسكريا وهيمنة وسطوة دون أن يترافق ذلك بأيديولوجية سياسية محددة أو منظومة أخلاقية فلسفية, يشبه الأمر إرهاب بعض الدول لبعضها البعض, أو ربما إرهاب جماعات وضيعة للمجتمعات مثل داعش والنصرة والقاعدة. وينشط هؤلاء اللاأخلاقين على مواقع التواصل الإجتماعى والفضائيات وبعض الصحف والكتب. ومهمتهم واضحة زرع الفرقة والتشرذم والإرهاب الفكرى والفتنة السياسية والطائفية ومحاصرة حرية التعبير والتخويف وتشويه سمعة الآخرين بما يشبه, بل هو, نفسه الإغتيال المعنوى والإعتبارى للأشخاص ربما تمهيدا لتصفيتهم الجسدية أيضا. ما الذى وصل بنا إلى هذا الحال كعرب, وكيف وظفنا المنجز التكنولوجى الرائع الذى طوره الغرب ودول آسيا ليصبح آلة تدميرية وغوغائية لنشر أقذر ما فى البعض من أمراض التعصب الشخصى والسياسى والطائفى وروح الكراهية والمقت فى مجتمعاتنا. البعض يسميهم نبيحة, زعران , همج,شبيحة, أمن الكترونى, مخبرين, أعداء النجاح,وغيرها من نعوت وصفات. فيهم أشباه الرجال والغلمان وأشباه النساء أيضا. هؤلاء فى الأغلب يقودون حملة على شخص ما يختلفون معه أو يظنون أن نظام دولتهم يختلف معه ويسرعون لتمزيقه إربا بإختلاق قصص وحكايات وإقتطاع جمل وكلمات من موقعه الألكترونى أو مقاله ويتسارع السب والتهديد والوعيد ويدخل على الخط جهلاء مثلهم ليروج لنفس السباب والإغتيال المعنوى دون أن يعرفوا أفكار الشخص ودون أن يقرأوا أعماله أو يعرفوا خلفيته الشخصية والفكرية.وهم يمنحون صكوك الوطنية والانتماء لمن يريدون ويسلبوا ممن يريدون أيضا! وقد تتصاعد حملتهم لتأجيج تعصب طائفى أو عرقى أودينى , ويتعدون ذلك ليشعلوا الحرب الكلامية بين الدول. وقد يسمحون لأنفسهم بنهش أعراض عائلات حاكمة أخرى أو روؤساء دول يختلفون معهم من دول أخرى. ماذا حدث للحوار؟ ماذا حدث للمحاكمات الرسمية والقضاء؟ ماذا حدث لحرمة وخصوصية الناس؟ التكنولوجيا تمنحنا المعرفة والمعلومة الممكنة, والقوانين تمنحنا حق التعبير عن الرأى وحماية حقوق الفرد, والمدارس والجامعات تمنحنا منهجية التفكير والعائلة والمجتمع يمنحنا التربية ومبادئ الأخلاق بين الأفراد فى المجتمعات. فلماذا اللجوء المتزايد إلى الترهيب والوعيد وسفك الأخلاق والتحضر فى التواصل الإنسانى؟! يتعدى الأمر وإن بنسبة أقل الحملات الصحفية الضارية لتشويه أفراد أو مفكرين أو طوائف ومذاهب و دول. أما فى الفضائيات فحدث ولا حرج فالتعليمات تسمح وتحجب البعض عن المنابر. كما يتم إختلاق برامج حوارية مهمتها النباح إلى درجة مزرية بإسم الإختلاف وكل ذلك تشويش للرأى العام وإهدار للفكر وآداب الحوار. نحن نعرف أننا نعيش فى مجتمعات غير ديمقراطية, وغير حرة , وابوية وأولغاركية.نحن نعرف أن تاريخ مفكرينا ومبدعينا معجون بالسجون والمنافى وقطع الأرزاق والرقاب والمصادرة والمنع والتهميش منذ مئات السنين.نحن نعرف أن أجيالنا عوقبت بكبت الحريات الفكرية والسياسية وأن من يخرج من بلاط الحمد والشكر والتسبيح والنفاق لا دار له ولا ملاذ فى أوطان العرب. معظم الكتاب العرب عانوا من المصادرة ومنع الكتب وإحراقها والمنع من العمل والزج بهم إلى السجون لأقل اختلاف فى الرأى أو الرؤى. كنا نظن أن الحال سيكون أفضل للأجيال الجديدة بسبب التطور المعرفى, والعولمة الثقافية, وسهولة البحث والمعلومة وحرية الإنترنت وتوفر الكتب وتتداخل الأفكار فى العالم. كنا نظن أن الحريات ستكون أكثر بسبب القوانين الدولية المنظمة لذلك من حقوق الإنسان إلى الملكية الفكرية وإلى قرارات دولية أطلقتها الأممالمتحدة ومنظمات كاليونسكو وغيرها. كنا نظن أن الأجيال الصغيرة ستكون أرقى لأنه توفر لفئة كبيرة منهم الجامعات المتطورة بل والغربية التى تواجدت فى دول عربية كالجامعات الأمريكية والبريطانية والأسترالية والسوربون بل وحتى أفرع من جامعات الهند والصين. كما تم إنشاء الكثير من المؤسسات الثقافية الحكومية والخاصة وتم طرح أفكار مثل حوار الحضارات والثقافات والأديان فى العشرين عام الماضية بشكل غير مسبوق فى الماضى. كما نشط سوق الكتاب والترجمة وتبادل المعارف واستضافة المفكرين والمبدعيمن من الشرق والغرب. كانت ثورات الربيع العربى فى الخمس أعوام الماضية تنشد الحرية والكرامة وحق العيش, فإذا بنا نحاصر بعدها فى تفتت دول وعصبيات وحروب طائفية وخنق حريات وإنهيار مأساوى. وإقترن ذلك بالإرهاب وتنامى التعصب الدينى ومشاريع الإسلام السياسى المناوىء للعروبة والقومية ومفهوم الدولة الحديثة. ما المشكلة فى أن نختلف بإحترام, وأن نحتج أو نشجب أو نغير الأمور بالمشاركة؟ لماذا علينا أن نكون أعداء فقط لتعدد الرؤى والآراء. إن دور الشبيحة والنبيحة هو إرهاب آخر لا يقل فى خطورته عن داعش, ولا يخدم دولة ولا نظاما ولا وزراء ولا حكام وسيقود حتما للمزيد من الفوضى القاتلة. فليرعى صاحب الإبل إبله, وليتاجر التاجر بأمواله, وليترك الناقد والكاتب والمبدع والشاعر لدوره الطبيعة دون تداخل بين الثلاثة! آن للنبيحة أن يعالجوا من سعارهم, وللهمج أن يتنحوا عن دور التفتيش فى ضمائر الناس وتوزيع صكوك الوطنية والغفران!