في اعترافات قد تلقي بتبعات وخيمة علي فرنسا وتحملها مسئولية الوضع في ليبيا دعا الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند بلاده –مؤخرا-الي تحمل مسئوليتها فيما اسماه تصحيح اخطاء الماضي في ليبيا. فقد انتقد الرئيس الفرنسي سياسة سالفه في الاليزيه نيكولا ساركوزي محملا اياه مسئولية اسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، وتسليح الميليشيات في ليبيا في اشارة ضمنية الي تفاقم الوضع فيما يخص انتشار الفوضي بالمنطقة وتنامي الارهاب وما نجم عنه فرار المواطنين وتزايد اعداد المهاجرين غير الشرعيين تجاه السواحل شمال المتوسط سعيا للجوء الي دول اوروبا. ويري اولاند ان مبادرة شن الهجوم الدولي علي ليبيا بزعامة نيكولا ساركوزي-2011- لم تترك خلفها سوي الدمار،فبعد ثلاث سنوات ونصف من التدخل العسكري وإجهاض سلطة القذافي مازالت البلاد في حالة عدم استقرار بل أصبحت مرتعا للإرهاب. ومن دون شك تحل تصريحات اولاند كالصاعقة علي الرئيس السابق ساركوزي،ورئيس حزب الاتحاد من اجل حركة شعبية اليميني،وهو الطامح في خوض سباق الاليزيه في الانتخابات المقبلة المقرر لها 2017. ويري المحللون ان اولاند يغازل الناخبين من اتباع اليمين بالكشف عن حجم الكارثة التي ارتكبها ساركوزي في مجال مكافحة الهجرة وبالتالي تقليل ثقة اتباع اليمين الجمهوري في الرئيس الطامح لدخول الاليزيه لحقبة رئاسية ثانية،من منطلق انه وعد بتبني خطة لمكافحة الهجرة غير الشرعية،الا انه اثبت العكس بسكب الزيت علي النار،ليفتح ابواب جهنم عليهم أمام المئات من النازحين الفارين من مناطق النزاع في ليبيا عبر قوارب الموت التي تستقبلها ايطاليا بصفة يومية ليعبر الناجون منها حدودها الي فرنسا او المانياوبريطانيا. والواقع ان حادث غرق المهاجرين غير الشرعيين الأخير كان مأساويا خاصة ان مئات الضحايا من الشباب والنساء والاطفال كانوا بين الجثث التي تم انتشالها من البحر..لذا بادر اولاند بهذه التصريحات متفاعلا امام كارثة انسانية ضخمة،كونه زعيما فرنسيا علي رأس القاطرة الأوروبية والمحرك لها جنبا الي جنب المستشارة الألمانية انجيلا ميركل. وقد دعا الرئيس فرانسوا اولاند لاجتماع اوروبي عاجل واستثنائي بغية دارسة ووضع خطط من شأنها تصحيح وايجاد حلول قاطعة لهذه الأزمة وهو التوقيت ذاته الذي استخدم فيه اولاند تعبير”تصحيح اخطاء الماضي”معلنا عن السماح لاستقبال 500 الف لاجيء بصفة تقريبية كنصيب فرنسا من اللاجئين المحتمل توزيعهم علي دول الاتحاد الاوروبي فى إطار برنامج مكافحة قوارب الموت والهجرة غير الشرعية. والواقع ان فرانسوا اولاند طرح فكرة استقبال النازحين من دول النزاع المسلح والفارين من الموت كخطة بديلة للمقترحات التى قدمتها بعض دول الاتحاد اثناء القمة الاستثنائية الخميس الماضي،وعلي سبيل المثال لا الحصر،جاء ضمن الحلول المطروحة وضع ترسانة للمراقبة في حوض المتوسط من اجل إجهاض رحلات الموت قبل اقلاعها والقبض علي تجار هذه القوارب بعد تحطيمها فضلا عن التحضير لعملية امنية دفاعية محتملة بما يتوافق مع القانون الدولي،الا ان اولاند يري ان مساعدة المهاجرين الفارين خير وسيلة لان هذه البلاد تعمها الفوضي،فهو بهذه السياسة يدافع عن مبادئ حزبه الاشتراكي دون النظر لتداعياتها علي تفاقم الهجرة في بلد اصبح يعاني من تضخم البطالة. ومن اجل فهم الدور الذي لعبته الصهيونية واسرائيل وتوجهات سياسة نيكولا ساركوزي في إسقاط نظام القذاقي فلا بد من قراءة السيناريو من خلال شهادة شاهد من اهلها وهو الكاتب اليهودي الفرنسي –والصهيوني المعروف- برنار هنري ليفي.في اطار خطة لتخريب المنطقة العربية وليبيا ضمنها. حيث سجل ليفي كل اعترافاته ودوره في كتاب تحت عنوان “الحرب دون ان نحبها..مذكرات كاتب من قلب الربيع الليبي”روي فيه بالتفصيل (في مؤلف حجمه 627 صفحة)كيف قدمت فرنسا بشكل مباشر او غير مباشر كميات كبيرة من الاسلحة إلى الثوار الليبيين الذين كانوا يقاتلون للاطاحة بالعقيد القذافي. كما كانت فرنسا برئاسة ساركوزي اول المعترفين بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي. ولايخفي ايضا الخلاف والفضائح التي فجرها الرئيس الراحل معمر القذافي والخاص بقضية تمويله للانتخابات الرئاسية لساركوزي في 2007, وقد نقل ذلك علي مسامع الفرنسيين خلال مقابلة سجلها العقيد معمر القذافي في طرابلس قبل التدخل العسكري باربعة ايام،ويذكر ان هذه المقابلة بثتها القناة الثالثة للتليفزيون الفرنسي في 29 يناير 2011.ومن مفارقات القدر ان ينجح ساركوزي في القضاء علي القذافي ونظامه الا ان قضية التمويل الليبي المشبوه مازالت تلاحقه!!. وبالعودة لمذكرات ليفي عن الحرب في ليبيا فقد استعرض كيف اتخذت المساعدة الفرنسية منحا جديدا بالزيارة التي قام بها عبد الفتاح يونس, القائد العسكري للمتمردين ووزير سابق في عهد معمر القذافي إلى باريس،ليتم اغتياله في 28 يوليو في بنغازي في ظروف لم تتضح بعد. وذكر ليفي انه رافق سرا وفدا من القادة العسكريين الليبين وبينهم القائد الاخير–يونس- في 13 ابريل للقاء ساركوزي في قصر الاليزيه. ويشار الي ان الرئيس الفرنسي اكد ان المساعدة الفرنسية تم تسليمها من قبل قطر أو عبر قطر وان المدربين الفرنسيين أصبحوا على الأرض. وحسب القائمة التي ذكرها ليفي في كتابه نشير الي بعض الاسلحة التي ارسلها ساركوزي للميليشيات.تضمنت 100 آلية رباعية الدفع وأجهزة للبث و200 جهاز لاسلكي و100 سيارة بيك آب- على اقل تقدير- بالاضافة الي 700 و800 قذيفة (آر بي جي7+) و1000 رشاش ،وخمس قاذفات صواريخ ميلان. ولم يغفل الكاتب ذكر المكاسب المادية التي كانت تصب في خزائن موردي السلاح من فرنسا او بريطانيا او امريكا.وربما يجدر بنا الاشارة الي ان برنار ليفي هذا الكاتب والمخرج اليهودي الفرنسي معروف انه ناشط سياسي وله ادوار واضحة في ثورات الربيع العربي فقد كان ليفي ضمن قائمة زعماء العالم في اجتماع الاليزيه الذي دعي له الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي. والمتابع لتاريخ وتحركات هنري ليفي يجد انه من قادة التحركات الصهيونية لتحقيق المخطط اليهودي بتقويض المنطقة بأثرها فقد نشرت له مؤخرا صور بأحد الفنادق بتونس-اواخر 2014- وعلل هنري ليفي وقتها ان وجوده هناك للقاء اصدقاء من ليبيا من اجل حوار المصلحة الوطنية!!. وفي النهاية يتبين لنا ان الهجرة والارهاب صناعة الغرب..وان ملايين البشر ضحايا الارهاب والفوضي الذين يلقون بأنفسهم في البحر ليس كما كان في الماضي هروبا من الفقر والديكتاتوريات الحاكمة بل سعيا للنجاة من جحيم الارهابيين والصراعات المسلحة.