أكد الشيخ محمد زكي، الأمين العام للجنة العليا للدعوة الإسلامية ومقرر لجنة المصالحات فى قضايا الثأر بمشيخة الأزهر، أن تجديد الخطاب الدينى يجب ألا يخالف الشريعة ومقاصدها، وإلا كان مرفوضا، مستنكرا التطاول على الثوابت وجرأة غير المتخصصين على الدين. وقال إن أصواتا كثيرة انطلقت لتبليغ الإسلام وهداية الناس، ولكن جزءا منها لم يحمل صفات الدعاة الفقهاء، مما أدى إلى اختلال الميزان الدعوي، وأن جرأة غير المتخصصين أثار البلبلة بين عامة الناس ودفع كثير منهم إلى الاهتمام بالشكل والمظهر أكثر من المضمون.وحذر الشيخ محمد زكى من انتشار جرائم وقضايا الثأر التى باتت تمثل خطرا بالغا على الأمن المجتمعى ولا تقل خطورتها عن الإرهاب، موضحا ان لجنة المصالحات بالأزهر الشريف نجحت فى نزع فتيل الفتنة فى كثير من القرى والنجوع بالصعيد والوجه البحري.ما رؤيتكم لتطوير الخطاب الدينى ليكون خطابا شاملاً وواعياً يسعه أمر الدنيا والآخرة؟ وما خصائصه؟تطوير الخطاب الدينى هو أن نُحسن الفهم عن الله، ونبلّغ مراد الله إلى خلقه بلغة مؤثرة ومعبرة تفجر طاقات العبد، ليقوم بمهام الاستخلاف اعماراً للأرض وعبادة للواحد القهار، بلغة يسيرة ومؤثرة يفهمها الجيل الجديد توائم مستجدات العصر وتحافظ على ثوابت الدين وهوية المسلمين، وتعيد للمسلمين ثقتهم فى دينهم، وإصلاح الحياة بهذا الدين، بالإضافة إلى اكتساب المواهب العلمية والمعرفية الجامعة لمقاصد الشريعة الإسلامية وأسرار اللغة العربية، وتقديم وتبليغ هذا إلى جميع خلق الله بخطاب بليغ ومؤثر وواقعى وشامل يخاطب الفطرة الإنسانية وضميرها، والقلب ومشاعره والعقل ومنافذه، وذلك يكون بالحكمة والموعظة الحسنة، بعيدا عن العصبية الجاهلية والحزبية البغيضة، وأن يكون خطابا عالمياً يخاطب البشرية جمعاء، ويشمل جميع مناحى الحياة المتعلقة بتنظيم علاقة الإنسان بخالقه وبنفسه وغيره، وفيه الخطاب العقائدي، والسياسي، لما فى قوله تعالي: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك)، كما يجب أن يكون خطابا تنمويا، ووحدويا، يقوم على صهر الناس من خلال المفاهيم فى بوتقة العقيدة الإسلامية، ليكونوا أمة واحدة تربطهم عقيدة الإسلام. وما دور المؤسسات الدينية فى ذلك؟ بتأهيل الداعية وتوجيه الجماهير الإسلامية فى الداخل والخارج لما يحقق وحدة الأمة الإسلامية، وتنقية الموروثات الثقافية للأمة الإسلامية، وكبح جماح الحركات المضادة للإسلام، والارتقاء بذوق الناس أدبيا وفكريا واجتماعيا وثقافيا، وتصحيح مسار الدعوة الإسلامية فى الداخل والخارج، والاهتمام بالداعية والاعتناء به. وهناك ضرورة تجعل التجديد ضرورة واجبة، وذلك بسبب الأحداث المستجدة واختلال فهم مراتب الأعمال الشرعية فى الخطاب الإسلامى لدى كثير من المعاصرين. وما ضوابط التجديد وأساليبه؟ مراعاة التخصص، فعلوم الإسلام أرفع العلوم، وأعظمها نفعا، وعلو شأنها ومكانتها يأتى من كونها تتعلق بالبلاغ عن المشرع، هذا بالإضافة إلى الموضوعية والتجرد من الأهواء، وهذا من الضوابط المهمة لأنه ضابط إيمانى أخلاقي، من داخل النفس، فإنه التجرد لطلب الحق، على معنى أن يكون الاهتداء إلى الحق المجرد نصب عينيه وقبلة عقله وضميره، هذا بالإضافة إلى الاعتصام بالأصول والثوابت الإسلامية، والاعتراف بمحدودية العقل البشرى وعدم إحلاله محل الوحي، وعدم الاعتماد على نص واحد فى الحكم، وإغفال بقية النصوص الدينية التى وردت فيه، وذلك لأن القرآن يفسر بعضه بعضا، والتجديد من خلال مراعاة هذه الضوابط لا يأتى بشيء يخالف الشريعة الإسلامية ومقاصدها وإلا كان مرفوضا لأنه بذلك يدخل تحت مفهوم البدعة، والتجديد ليس قائما على الهوى والتشهي، وإنما يكون الدافع إليه تحقيق المصالح المعتبرة التى تعود على الأمة بالخير فى أمر الدنيا والآخرة. وما الذى تنصح به من يزاحم الدعاة اختصاصهم وهو غير مؤهل؟ أقول لهم إياكم وإيانا أن نحدث عن الله بغير علم حتى لا نكذب على الله، «ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس فى جهنم مثوى للمتكبرين»، إياكم أن تكذبوا على النبي، صلى الله عليه وسلم، « من كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» والكذب يتأتى إما عمدا وإما جهلا، وعمدا لتحريف الكلم عن مواضعه، أما الجهل، فيكون بمقاصد الشريعة، وأسرار البيان، فرحم الله امرأ عرف قدر نفسه، وانشغلوا بمهام استخلافكم فى الحياة، فكل ميسر لما خلق له، وأنصح الناس بألا يستمعوا لهؤلاء وتوجهوا على الفور إلى علماء الأمة الربانيين، «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» . ما دور اللجنة العليا لشئون الدعوة الإسلامية فى حل مشكلات الثأر.. وما مخاطر تلك النوعية من الجرائم على الأمن المجتمعي؟ مع بداية عام 2015 أصدر الإمام الأكبر الدكتور احمد الطيب شيخ الأزهر قرارا بإنشاء لجنة المصالحات بالأزهر بهدف النظر فى الخصومات الثأرية والعائلية فى كل أرجاء مصر والقضاء على العادات والتقاليد التى نشأت مع الزمن وتغلغلت داخل المجتمع المصرى وأصبحت تمثل عبئا كبيرا على الأمن المصرى من ناحية واستقرار القرى والنجوع من ناحية أخري. والبداية كانت مع المشكلة الكبرى التى حدثت فى أسوان بين قبيلتى الهلايل والدابودية وعجز كثير من الأجهزة عن مواجهة الأزمة وارتضاء الطرفين بالاحتكام إلى الأزهر وقبول وساطة شيخ الأزهر ليكون رأيه الفيصل فى حل هذا النزاع، وتحقيق الكثير من المصالحات بين العائلات فى جميع إنحاء مصر والقضاء على عادة الثأر التى حولت الكثير من القرى إلى أماكن مهجورة مع حلول الظلام. ولم يكن صلح برديس فقط بل كانت هناك عدة مصالحات أخرى فى الخرقانية بالقليوبية وشطورة وكوم أشكيلو بسوهاج. وما عدد النزاعات الثأرية على مستوى الجمهورية؟ وما مدى استجابة أولياء الدم لمبادرات الأزهر؟ لدينا الكثير من الطلبات التى نعمل على حلها لكنها تحتاج لوقت نظرا لأن حجم المشكلة كبيروبإذن سوف نسعى لتغيير الكثير من الأفكار الشاردة التى حاولت هدم المجتمع المصرى خلال السنوات الأخيرة. والصراعات عديدة خاصة فى الفترة العصيبة التى تمر بها البلاد نتيجة الفوضى والهمجية وليس لدينا عدد محدد ولكن المؤشر خطير جدا ويشير إلى أن عدد قضايا الثأر يتعدى ألفى قضية وهذا الأمر يحتم بالضرورة على الشعب خاصة الحكماء والوجهاء وعلماء الدعوى أن يعملوا على تحصين المجتمع من شرور الثأر وآثاره المدمرة والعمل على إنهاء الخصومات على وجه السرعة حتى لا تتسع رقعتها.