أول ما يتبادر إلى الذهن من عنوان المقال هو دور المرأة فى محاربة الإرهاب. فهى الرؤية الأكثر انتشاراً ورواجاً حين نتحدث عن العناصر النسائية فى التنظيمات الإرهابية والجهادية . وتضمين الخبرات فى مجال النوع الاجتماعى فى سياسات الأمن القومى أو الأمن الدولى والتى كانت حكراً على الرجال سابقا. وفى نفس السياق، يتم التركيز فقط على مناقشة أثر النزاعات المسلحة على دور المراة فى مكافحة العمليات الإرهابية. وتخبرنا العديد من الكتابات فى هذا الشأن عن أن دور المراة ينحسر فى مبادرات السلام الدولية أو الإقليمية أو حتى القطرية. حيث يُنظر دوما للمرأة باعتبارها ضحية للعنف المجتمعى أو النزاعات المسلحة. كما أنها حامية الأسرة والتقاليد باعتبارها الام والابنة والأخت والزوجة.. فماذا حدث؟ ماذا عن النساء المشاركات فى أعمال توصف بانها «أعمال عنف» و«أعمال إرهابية»؟ هل يمكن أن تمنح المرأة حياتها للعنف والموت؟ لقد اثبتت بعض الدراسات أن أعمال العنف والأعمال الإرهابية تظهر فى الدول غير المستقرة والدول الفاشلة كما هو الحال فى بعض الدول فى أفريقيا وجنوب آسيا ودول الشرق الأوسط. كما أثبتت دراسات أخرى ارتباط العنف والإرهاب بالمعايير الثقافية. وميزت تلك الدراسات بين المعايير الثقافية «الضيقة»، حيث لا يوجد تسامح مع الخروج عليها، والمعايير الثقافية الواسعة والفضفاضة. إن مشاركة المرأة فى أعمال تتسم بالعنف ليس جديداً، وهنا لابد من التمييز بين مشاركة المرأة فى حركات التحرر الوطنى التى تحتوى على عمليات مقاومة عنيفة، وهو مشهد عرفناه بوجود المرأة فى هذه الحركات والتنظيمات إبان سعى الشعوب العربية والإفريقية للتخلص من نير الاستعمار وتحقيق الاستقلال، ومازلنا نشهده فى أعمال المقاومة الفلسطينية ضد الاستيطان الصهيوني، بالإضافة إلى بعض الحركات التى تنادى بالاستقلال التى شهدتها بعض دول القارة الأوروبية كما حدث فى حالة أيرلندا الجنوبية ومحاولات استقلال إقليم الباسك فى أسبانيا. وقصة مشاركة النساء كعناصر «إرهابية» حيث هى جديدة وقديمة فى ذات الوقت. ويثور التساؤل الطبيعى حول ما إذا كانت العوامل التى تدفع الرجل للانضمام إلى أعمال تحتوى على عنف أو إلى الجماعات الإرهابية هى ذات العوامل بالنسبة للمراة؟ وهل نتحدث عن مشاركة المرأة فى عمليات إرهابية أم عمليات جهادية أم مهام تحررية؟ إن المرأة كالرجل قد تشعر بالضيق من الأوضاع والظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، أو ينتابها الغضب والحزن على فقدان الأهل والأقارب، أو التعرض للإهانات اللفظية والجسدية - أوالتهميش أو التوتر، وجميعها أسباب قد تدفعها إلى اعتناق عقيدة فكرية أو ايديولوجية سياسية سلمية أو عنيفة بغية تحقيق تحول اجتماعى يستجيب لمطالبها. وبالحديث عن العمليات الإرهابية تحديداً ، نجد المرأة قد تلعب دورين فى هذا الإطار: إما أنها مؤيدة لهذه العمليات أو مشاركة فيها عمليا بالتخطيط أو التنفيذ أو كليهما. وبالتالى هى ليست وسيلة سلبية negative vessel أو حاملة سلبية للفكرة وإنما أيضاً هى عنصر إيجابى فى توليدها والتخطيط لها وتنفيذها. ومعظم النساء اللواتى شاركن فى أعمال إرهابية خرجن من مجتمعات أبوية يسهل فيها بسط السيطرة على النساء أو ممارسة شتى أنواع القهر تجاههن سواء بالاغتصاب أو الإشراك عنوة فى تجارة المخدرات أو الأعضاء البشرية أو حرمانهن من حقوقهن أو الإتجار فيهن. ومنذ حادثة «شارلى ايبدو» مازالت الشرطة الفرنسية تبحث عن «حياة بومدين» الفتاة التى يشتبه انها اشتركت فى العملية الارهابية. وتعتقد الشرطة الفرنسية ان الفتاة حياة التى تبلغ من العمر 26 عاما هى الاكثر تطرفا بين مرتكبى العملية الارهابية وأنها موجودة فى سوريا الآن. وفى حالة القبض عليها تنوى الشرطة الفرنسية توجيه أسئلة لها تتعلق بما إذا كانت قد ارتكبت هذا العمل تحت تهديد أسرى أو لمجرد المساندة أو لأنها تعتنق ايديولوجية بعينها. وإذا كان تنظيم الدولة الإسلامية «داعش » تنظيماً أبوياً وليس مناصرا للنساء فى حصولهن على حقوقهن وفى العقيدة الفكرية التى يعمل وفقا لها إن وجدت.. ، فإن حوالى 10% من المنضمين للتنظيم من النساء ومعظمهن من الدول الغربية (63 امرأة فرنسية من إجمالى 360 فرنسيا من أعضاء التنظيم). وينضممن عبر أدوات التواصل الاجتماعى والرسائل الهاتفية. والدافع لانضمام النساء مشرقيات أو أوروبيات إلى التنظيم قد تتعدى أيضاً ما سبق، حيث أعرب عدد من النساء الاوروبيات المنضمات الى تنظيم الدولة الاسلامية «داعش» ان الاغتراب الذى يتعرضن له داخل مجتمعاتهن ومنعهن من ممارسة عقيدة الاسلام ومن ارتداء الحجاب أحد اسباب التحاقهن بتنظيم داعش. وقد كتبت «حياة بومدين» أنها فقدت عملها كعاملة بسبب ارتدائها الحجاب. وهو ما يفسر الإجراءات التى اتخذتها بعض الدول الأوروبية مؤخراً مثل ألمانيا بالسماح بارتداء الحجاب فى المدارس والجامعات وأماكن العمل. إن الاشكالية الحقيقية لفهم علاقة المرأة بالإرهاب تكمن فى أن المحللين يرون علاقة المرأة بالتنظيمات الارهابية من زاوية الضحية أو السبية او العنف الممارس عليها وضدها، او المفعول بها. كما ان وسائل الاعلام رسخت هذه الصورة (الخطف - الزواج القسري - الاسترقاق) بالحديث عن أدوار محددة تقوم بها النساء فى مساندة الجهاديين، بحيث تختزل العلاقة فى رجال متطرفين ضد النساء والعالم الغربى يدافع عن حقوق النساء. أو تذهب بعض التحليلات «النسوية» إلى القول بأن انضمام ومشاركة المرأة فى العمليات الارهابية والمتطرفة تساعد على إسقاط فكرة الدولة الابوية وتؤدى إلى تحقيق مساواة نوعية . إن استخدام النساء من قبل التنظيمات الارهابية هو استخدام استراتيجى وممنهج ومستمد من رؤيتها للادوار النوعية للجنسين. فالتركيز يكون على دور النساء فى عمليات التنشئة الاجتماعية والسياسية. «فالجهاد الناعم» الذى قد يأخذ شكل الوجود او الانضمام لتنظيمات إرهابية يصعب اختزاله فى مجرد ممارسات البغاء التى تناولتها وسائل الإعلام المختلفة، إذ تكمن خطورته الكبرى فى مأسسة العقيدة الجهادية ثقافياً، أو إهمال الدور الذى يمكن أن تقوم به النساء فى هذه التنظيمات فى جمع المال ونقله. وتقول لنا التجارب الدولية الناجحة التى تتعامل مع ظاهرة وجود المرأة فى التنظيمات الإرهابية عن وسائل للتدخل للحيلولة دون انضمام النساء لهذه التنظيمات، وكيفية التعامل مع المعتقلات من النساء والفتيات وطرق إعادة تأهيلهن ودمجهن فى الحياة مرة أخرى مثل تجربتى سنغافورة (الأستاذات) وأندونيسيا (المدرسات المزارعات للتوعية بصحيح الدين). وفى كلتا التجربتين تمت الاستعانة بنساء من أجل مساعدة النساء ضحايا التنظيمات الإرهابية. إن الحيلولة دون سفر المزيد من النساء لسوريا والعراق للانضمام الى تنظيم الدولة الاسلامية تحتاج الى مناقشة الاشكاليات السابقة ومعالجتها، حيث يعتبر إخفاق الأجهزة الأمنية فى دول العالم التى تحارب الإرهاب فى النظر إلى دور المرأة فى هذه العمليات ضمن أسباب إخفاقها فى القبض على الجناة. كما يتطلب الأمر ادماج فتيات ونساء صغيرات فى اقتراح الحلول وايضا الفتيات النشيطات على وسائل الاعلام المجتمعى للوصول الى الفتيات اللواتى يفكرن فى الانضمام الى تنظيم الدولة الاسلامية «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود أو القطرية. لمزيد من مقالات د.غادة موسى